الاثنين ٢٥ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم عبد الكريم البوغبيش

الفکاهة والسخریّة في شعر الدکتور احمد الوائلي

المقدمة

تحاول هذه المقالة دراسة الفکاهة والسّخریة عند الشاعرالنجفي الشيخ الدکتور أحمد الوائلي،وما أتینا به من قصائد ساخرة لهذا الشاعر الفذّ ما هي إلّا القلیل، وتوجد الکثیر من هذه القصائد في دیوانه ولا نستطیع من خلال هذه المقالة المختصرةالإتیان بکلّ تلک القصائد،وعلی المتذوقین للأدب مراجعة دیوان الشاعرفسیجدون الکثیرمن الفکاهة والسخریّة وماشابه ذلک .وقد إعتمد الباحث في هذه الدّراسة علی دیوان الشاعرفقط ،ماعدا النبذة التي أتیان بها حول نشأة الشاعرومنزلته .

الشيخ الدکتور أحمد الوائلي:

نشأته: [1]

وُلد الدكتور الشيخ أحمد ابن الشيخ حسون في مدينة النجف الأشرف سنة 1342هـ وهو شاعر مجدّد، وأديب عبقري، وخطيب رائد، حصل على درجة الدكتوراه باُطروحته المعنونة (إستغلال الأجير وموقف الإسلام منه).

منزلته:

يعتبر الوائلي واجهة من واجهات جامعة النجف، والعميد للسلک الخطابي بالإضافة إلى أنّه شخصيّة إجتماعية بارزة.

شعره:

يتميّز شعره بفخامة الألفاظ، فهو شاعر محترف مجرِّب، ومن الرعيل الأوّل أمثال شاعر العرب الجواهري والشبيبي والشرقي وجمال الدين والفرطوسي، فهو يمتاز بالحافظة القويّة، وسرد الأدلّة والحجج لما يطرح وبدون تلكّؤ أو تباطؤ، ويغلب على شعره الحماس وبثّ الشكوى والجرأة والصرخة في مواجهة الباطل والدعوة إلى يقظة المسلمين.

لذلك نجد شاعرنا واحداً من الشعراء الذين وضعوا شعرهم لخدمة وطنهم واُمّتهم.

مؤلّفاته:

ـ هوية التشيّع. ـ من فقه الجنس. ـ ديوان شعر. ـ أحكام السجون.ـ استغلال الأجير وموقف الإسلام منه. ـ تجاربي مع المنبر.

الفکاهة والسخریّة في شعر الشیخ الوائلي:

للدکتور الوائلی العدید من القصائد التي تتمیزبروح الفکاهة والضحک ،ضحک یحاکي البکاء ، ونستطیع القول أنّ العدید من قصائده لاتخلو من تهکّم وسخریّة وهزء من سیاسات الحکام المتجبرین الظالمین لشعوبهم، فشاعرنا یتخذ الکثیر من الرّموز الهادفة لإیصال فکرته إلی مخاطبه الواعي لیتصدّی للظلم والإضطهاد وسنحاول في هذه المقالة الإتیان ببعض ما لمحنا من قصائد مزیجة بالفکاهة والسخریّة وما یقع تحت نصب السخریّة، فبدایتنا بقصیدته المعنونة«رثاء ضرس».

هذه إحدی القصائد الفکاهیّة للدکتور الوائلي حیث یرثي بها ضرساً له إقتلعه ،ویشیر في الأبیات المذکورة أدناه أهمیة هذا الضّرس الذي کان له جولات وصولات في القطع والتمزیق والصّلابة والشدة ، ولکن لقد أزری به الدّهرومهّد له أسباب اقتلاعه،وبما أنّه واحد من مجموعة یعیشون في بیت واحد،فبفقده یحزن له الجمیع وتصبح اللّثة ثکلی بما حلّ بها من مصیبة. وعند ملاحظة الأبیات والتمعّن فيها نری بأنّها تحتوي علی شئ من الفکاهة وشئ من السخریة، وما أتی به الشّاعر فیه إشارات إلی المجتمع البشری المتمزّق المتشت سکانه بسبب السّیاسات الحاکمة علیه. یقول الشاعر: [2]
لِرَحِيل ِبَعضِي دَمعَةٌ فِي مُوقـِــــي [3]

وَلُهاثُ نَبض ٍ بِالفُؤادِ خَفُــوق ِ
وَرَحِيلُ بَعض ِ المَرءِ يُحزِنُ بَعضَهُ
البَاقِي وَيُؤذِنُهُ بِقُربِ لــُـــحُوق ِ
يَا لَثـَّتِــــي الثـَّكلَى خَلا بِكِ مَقعَدٌ
مِن أبيضٍ حُلو ِ السِّـمَاتِ رَشيق ِ
صُلبِ الشَّكِيمَةِ مِن رِمَاحِكَ طَاعِن
مُتـَــــــمَرِّسٌ بِالقَطع ِ وَالتَّمزِيق ِ

إنّ هذه الأبیات تدلّ علی مدی أهمیة هذا الضّرس المخلوع ولهذا یأتي الشاعر ویرثیه، ویذکر لنا بطولاته في التمزیق والقطع ثمّ نراه یخفف من حزن المفجوع به قائلاً:

قَد قلتُ لِلثّغرِ المُدَمَّى إذا خَلا
مِن فَارِع ٍ بِـِقوامِهِ المَمشُوق ِ [4]
مَهلاً فَأيُّ مَنازِل ٍ بَقيَت بـِـهَا
سُكَّانُها وَنَجَت مِن التَّـفـريق

ویقصد بالمنازل، المنازل البشریّة الّتي خلت من سکّانها علی إثر السیاسات الحاکمة وما تقوم به من تفریق وتهجیر، فکثیر من أبناء بلده تعرّض لمضایقات السیاسة الحاکمة، ما أّدّی بهم إلی ترک منازلهم وذویهم وبلادهم وکان شاعرنا الوائلي أیضاً من أولئک الذین تشرّدوا في البلدان المختلفة ولم یرجع الی بلده إلّا بعد الإحتلال الأمریکي للعراق ،وقد تُوفي في مسقط رأسه النجف الأشرف.

وبعد ذلک یأتي الشاعر و یبرز حزنه علی اقتلاعه ویستذکرتلک الأیام التي کانا مع بعض ٍ وعاشا خمسین عاماً في هذه الدنیا رفیقینِ حمیمَین تقاسما بینهما مصاعب الحیاة وحلاوتها فیقول:

سِنِّي لَيُحزِنُنِي وَإن يَکُ مُؤلِمِي
أن تَغتَدِي عَنِّي وَأنتَ رَفيقِي
خَمسُــــون َعَامَـــاً وَنَــــحن ُ فِي
دَربِ الحَياةِ رِفـَـــــاقُ طَريقِ ِ
ذُقتَ الحَياة َ مَعي تَعبّ ُ بِحُلوَهَا
وَبِمُرِّهَا مِن نَاضِبٍ وَغَدُوق ِ [5]
وَسَبرَتَ أصنَافَ الطّعام ِ بَغَـثـّهَا
وَسَمِينَهَا وَعَرَفتَ كُلّ َ فَريق ِ
فَــلَكَ الفِداءُ فَمٌ يَلُوكُ علَى العَمَى
لافَرقَ في مُتصَلـِّبٍ وَرَقيــق ِ
ألــتـيـنُ وَالخَرنُوبُ عِندَ لَهَاتِهِ
شَرَعٌ سَواءٌ دُونَ أيِّ فُرُوق ِ

وفی القصیدة یسخرالشاعر من الدنیا و سکانها ویستهزئ بهما قائلاً: [6]

سِنّي وَیُؤذِي الذ ّوقَ في مِقیاسِهِ
نَسَقٌ یُعادِي سُنّةَ التَنسِیق ِ
وَمَسامـِــــعٌ فـــــیها سَواءٌ کُلـّـُـهُ
إیقَاعُ عُودٍ أوجَعـِــیرُ نَهِیق ِ
وَمدارکٌ وَالبُلهُ شَرّ ُ بَلـِــــــیـّـَةٍ
مَا امتَازَ فیها زَائِفٌ وَحَقِیقِي
دَنیا العَمَی فَنَهارُها في لَیلِهَا
مُتدَاخلٌ وَغُروُبُها بِشُرُوق
أفَهَذِهِ دُنیاً یَعـــیِـِش النّاسُ في
أبعَــادِها أم مَـــــبرَکٌ للنوق ِ
وَأولاءِ نَاس ٌ أم هُم الأنعامُ في
ثـَوبٍ مِن التَجمِیل ِ وَالتَزوِیق ِ

والإستفهام الإنکاري في البيتین الأخیرینِ یدلّان علی سخریة الشاعرمن الدنیا ومن الناس، بحیث إنّه لایعرف أهذه الدنیا مکانٌ لیعیش فیه النّاس أم ساحة تبرک فیه إناث الجمال، ثمّ نراه یستنکر ما یشاهد من تجمهرللبشر ویستفهِم أهولاء الأشخاص بشرٌ أم هم من الأنعام یرتدون ملابس تظهرهم بهذا الشکل الجمیل .

و في المقطوعات التالیة نری الشاعر کیف یحاورذلک الضّرس المخلوع ویستذکر معه أیام الشباب: [7]

سِنّي رَحلت َبِذکریاتٍ حـُـــــــــــلوةٍ
مِن عَهدِ ذَوق ٍ مُـــــــترفٍ وَمَذوق ِ
أیَّامٍ یُسکِرُنِي الشَّبَابُ فَأحتـَـــــسِي
في کُلِّ مَاء ٍ خَمرة ً بـِــــــــعُـــروقي
نَشوانٌ أ ُعطِي النّجمَ بَعضَ تَخایُلِي
وَأُعِیرُ شَمسَ الصُّبح بَعضَ شُرُوقِي
وَلقَد رَحَلتَ فَصَار سِــینِــي بَعدَ ذَا
شِـــیــنَـاً وَزیقِي بَعدَ فَقدِکِ ذیقِي
وَکَبَت بِي الکَلِمَات ُ حَتّــــــی أنَّنِي
مَا عُدتُ بِالــــــــــمُتـَفـوّهِ الـــمِنطِیق ِ
وَلَقَد أتَونِي بِالـــــــبَدیلِ فـَــمَا فَمِي
مِن حَجمِـــهِ أو ثــُــقـلِهِ بـِـمُــــــطِیق ِ
قَلِقٌ یُطَقطِقُ بِاللّــــهَاةِ فَـمَـنطِقِــي
مِن فِعلِهِ ضَربٌ مِن التَطقِــیـــــــق ِ

یبیّن لنا الشاعر فیما تقدّم من أبیات الحالة الّتي توصل إلیها بعد فَقْدِ ذلک الضّرس، حیث لا یستطیع تلفّظ بعض الأحرف ویقول أصبحت عنده السین شیناً، وصعب علیه الکلام بعدما کان متفوّهاً منطیقا. والبدیل الذي وضعه في فمه من ضرس إصطناعي لم یُجْدِ نفعاً بل عرقل الأمور کثیراً وجعل کلامه ضرباً من التطقیق.

وصورلنا حالة انتزاع ذلک الضّرس من فکّه بإنتزاع الجنین من أ ُمّه فیقول: [8]

نَزعَ الجَنینِ مِن أمّهِ نَزَعُوکَ مِن
فَکِّي وَمِن جَزَعيِ جَرَضتُ بِرِیقِي [9]
طَرَدَتکَ مِنهُ الکَلبَتَان وَأجلَـــسَت
بِمَکانِکَ الشَّرعِيِّ غَیرَ خَلـِـــیق ِ
فَتَرَکتَ عَرشَکَ للمُزیّفِ فاعــتـَـلَی
مِن دُونِ جَذر ٍ شَأنَ کـُــلّ ِ لَصِیق ِ
سِنّي سَیَدفُنُکَ الــــتُّرابُ بـِعُـمـــقِــهِ
في أعظَم ِ مـَـــــــــــدفُونَةٍ بِعَمِیق ِ
وَلـَسَوفَ تُسحَقُ بَعدَ کَونـِـــکَ سَاحِقاً
فمصِیرُ سَاحِقَةٍ إلی مَســـــحُـوق ِ

نعم ؛إنّ هذه الدنیا لا دوامَ لها، الیوم لکَ وغداً علیک، الیوم تحکم وغداً محکوم علیه، ولربّما إتخذ الشاعر هذا الرمز لینذربه أؤلئک الّذین تشبّثوا بالکراسي، ویفعلون ما یفعلون للحفاظ علیها، ولکن لمن دامت حتّی تدوم لهم، والمثل یقول «لودامت لغیرک لما وصلت إلیک» فدوام الحال من المحال، وسیأتي یوم تنقلب فيه الموازین ویصبح ذلک الحاکم المضطهد لشعبه في قبضة العدالة إن صح القول وسیُجازی علی فِعلته الشنعاء تلک.

والشاعر یصور لنا الحالة الّتي نراها في کثیرٍمن البلاد العربیة وغیرالعربیة حیث الطبقات الإجتماعیة طبقة تشقی وتکدح وأُخری تستفید وتربح، حیث یقول: [10]

سِنّي أتعلمُ أنَّ سَعیَک َخـَــــاسِــرٌ
تَشقـَــی وَغیرُکَ رَابحٌ بِالسُّوق
مَا أنتَ غـَــیر رَحَی تَدورُ لِغیرِهَا ِ
وَسِـــواکَ یَأکـُـلُ صَفوَ کُلِّ دَقیق
وَجَمیعُ رِزقِکَ بِالطعام ِ بَقـِـــــیّة ٌ
مَحشُورة ٌ في حُفرَةٍ وَشـُــــــقُوق ِ
فَکَأنَّکَ المَثلُ الصَّریحُ لِمَـــــعشَر ٍ
یَسعونَ لَکِن سَعـــــــیُهُم لِخُفُوق ِ
أکتَافـُــــــهُم لِلرَّاکِــبینَ وَ کَـدحُـهُم
صَهبَاءٌ فــي فـَــم ِ مُترِفٍ وَأنیق ِ [11]
حَیث ُالکُرُوشُ المُتخِمَاتُ تُعِبُّ مِن
عـَـــرق ٍ لـُـــــکُلِّ مُعَذّبٍ مَحرُوق ِ
ألعَــایش ُالأیـــامَ صـَــحرَاءً وَمِــــن
مِسحَاتِهِ یَهــــتزّ ُ کـُــــلّ ُ وُریــــق
صَـنعَ الحَیاة َ مَعَاشِرٌ ضـَـــاعُوا بِهَا
وَابـــــتـَزَّهَا نـَـــفَـــرٌ بـِـغیرِ حُقوق ِ

ومن قصائده الفکاهیة الساخرة قصیدته المعنونة «الذبابة المسافرة» وهی تتحدث عن ذبابة رکبت علی کتف الشاعر وهو في طریقه إلی دخول الطائرة، وکلّما حاول دفعها عادت مرة أخری حتّی نزلت معه علی أرض المطار المقصودة فأوحت له بالابیات التالیة: [12]

أ ذُبَابَتِي أشکُو إلیکِ هَوانَنَا
وَضَیَاعَنَا وَالبَاقِیاتُ کثیرُ
أ تَرَینَ أنـّــا مِن سُــلالةِ آدَم
أم أنَّنَا لِلسّائِـمَاتِ نَصیرُ؟
أنحَی عَلینَا القَسرُحَتَّی أنّنَا
هَمَلٌ یُقادُ کَمَا یُقادُ بَعیرُ
وَأمَاتَنَا الطغیانُ یَصنَعُنَا دُمَیً
مَوتَی وَیُزوَّقُ مَوتَها التَّصویرُ
وَتُأنَقُ الإعلانُ یَروي بُؤسَنَا نُعمَی
وَیـُـــبدِع ُعنــــدَهُ التــــــزویرُ
نَحنُ الرَّوَاحلُ سِیمَ مِن أکتَافِنَا
مَا استَنکَفَت أن تَرتَضِیهُ حَمیرُ
فَهِي التي عَملَت بِأکلِ شَعیرِهَا
وَلکُم نَکدّ وَ مَا هـُـناکَ شعیرُ
بَنَت الفُتُوح َدِمَاؤُنَا وَابتزَّهَا
مَن عِندَهُ التطبِیلُ والتَزمــِــــیرُ
مِمَّن وَنحنُ علَی الّلِظَی وَغِطَاؤُنا
البَارودُ وهوَ سُرادقٌ وَ حـَــریرُ
لَکِنّهَا الأهَواءُ شـَــادَت صَـرحَهُ
وَ فَمُ الهَوَی عَفِنُ الکَلام أجِـیرُ
فَجَنَی الثِّمَارَ مُرفـّهٌ وَطَغَـت عَلَی
دُنیَا الکَوادحُ کِسرة وَ حصیرُ
وَاستَاقَهَا لِلصَّادِحین فـَــغـَرّدُوا
وَشَـدَا لَدَیهِ فَرزدَقٌ وَ جـَـــریرُ
فإذَا الخَنَا وَالسّیِّئاتُ مَناقِــبٌ
وَإذا الخَرابُ خُورنَقٌ وَسَدیرُ

هکذا یری الشاعر حال الإنسان في بلاده ،طبقة تعمل وتکدح وأخری تجني ثمار أولئک الکادین الکادحین وتعیش عیشة مرفّه وتلک تعیش عیشةالبؤس والضّنک.ویذکربأنِّ القبیح من الأعمال هو الفعل الکریم الدّاعي إلی المفخرة وأنّ الدّمار والخراب هو بمثابة قصور ملوک الحیرة.
وفي الأبیات التالیة یشیر الدکتور الوائلي إلی حریة الکلام وشعارات الحریة المفقودة في بلاده وبلدان العرب ویحاور الذبابة قائلاً لها : [13]

أ ذُبُابُتِي یُهني طَنِینُکِ أنّهُ
حُرّ و یُخنَقُ عِنـدَنَا التَّعبـِـــــیرُ
أولَیسَ یُضحِکُ أن یَطُولَ بِأفقِنَا
الذّبّانُ و الإنسانُ فیه قـَــــصیرُ
أسَمِعتِ بِالکذبِ الصُّراح ذُبَابَتِي
وَلکُم لَدینا کـَـــــاذبٌ ومُبیـــرُ
رَسمُوا الحُدودَ وَأعلنُوهَا وَحدَة
أکَذایَکُونُ اللّفُ وَالتّـــــــدویـرُ
کَتَبُواعلی أبوابِها حُرّیّــــــة
مِن بَعضِها التکــبیلُ والتدمیرُ

لقد رسمت الدّول حدودها فیما بینها وبعد ذلک أعلنوا الوحدة وکتبوا شعارات الحریّة علی ابوابها فیأتي الشاعر وینتقد تلک الشّعارات الکاذبة بلهجة ساخرة حیث یذکر بأن ّ هذه الحریّة ما هي إلّا حجز وإدخال في السجون ،وینتقد تلک الإشتراکیّة المزعمة من قِبل الحکّام ،لأنها تدرّ علی بعض العصابات السیاسیّة والشعب حقّه التقطیرأي رزقه من الإشتراکیّة قطرات قلیلة من ذلک الوابل الدّقاق:

امّا اشتراکُ الکُلِّ في الدّخلِ الذي
یُجنِى فَأمرُ مَا لـَـــهُ تَفسیرُ
فَالوَابِلُ الدّفاقُ رِزق ُعِصابةٍ
أمّا الشُّعوبُ فَرِزقـُها التقطیرُ

وآخرمانأتي به في بحثنا هذا قصیدة ملیئة بالفکاهة والسخریة ، قصیدة اتّخذت لنفسها عنوان«جنون البقر» وقد قال الدکتور الوائلی في تقدیمه لهذه القصیدة:

بسمه تعالی، هذه بضعة أبیاتٍ أوحت بها إليّ مناسبةُ تلک هي أنّ خبراً نشر في لندن في الیوم السابع من الشهر السادس من سنة1990المیلادیة، وکنت آنذاک في لندن، مفاد هذا الخبر أنّ هناک داء یُسمّی جنون البقر انتشر ورفعت التقاریرعنه بأنّه قابل للسرایة إلی من یأکل هذه اللحوم، فهزّ الخبر أوساط الناس وقامت الدنیا وقعدت لإعتماد أوروبا تقریباً علی لحوم البقر،وأتخذت احتیاطات مشدّدة و حاولوا تعویض الأسواق بأنواع أخری من اللحوم. تلک هي المناسبة. وقد أوحت اليّ بهذه الابیات، وإلیکها: [14]

بِلَــــــندَن بِالأمس دَوَّی خَبر
قَد أرعَبَ النَّاسَ حِینَ انتَشَر
مُلَخــــصَـــهُ أنَّ دَاءً غَــــــزَا
العُجُولَ یُسَمَّی جُنونَ البَــقَـر
فَسُدَّت علَی الفَور سُوقُ اللُّحُوم
کَما أوقـَـفـُوا وِ ردَهَا وَالصَّدَر
وَقـَـــــــــــــــامَت دَوَائِرٌ صِحیّةٌ
تُعِدّ اللقاح لِدَفع الضَّـــــــرَر
وَأُخرَی إستَعَدَّت لِحَجر العُجُول [15]
طَویلاً إلی أن یَزولَ الخَطَر
وَ رُدَّ الــــــــــــمُباعُ إلی أهلِهِ
وَأُوقـِفَـَــت الصّفَقاتُ الأ خَر
فإنَّ العُجُولَ بِدُون الجـُـنُون
تَقَادحَ في مُقـــلَتَیهَا الشَّرَر
یُخِیفُکَ ذُو القَرنِ مِن نَطحَة
القَوِيّ إذا مَا رَغَا وَازبَــأر
فَکَیفَ إذا جُنَّ ثَورٌ یَمتّ
لِثَوريةٍ نحتت من ثَـَـــوَر؟
وَسالَ الجُنونُ بِأبعَاضِه
مِن الذَّیلِ حَتَّی الجَبین الأغَر
فَمَا مِن سَبیل ٍسِوی البُعدِ عَنه
وَذَالکَ مَا یَقتَضِیه الـــحَذَر

لاحظ ایّها المتذوق للأدب کیف تکون أشعار الدکتور الوائلي الفکاهیّة حیث یجعل القارئ والمستمع لها في حالة من الضحک ورسم الإبتسامة علی شَفَتیه.نعم یضحکه وبعد ذلک یذکرلنا ّأنّه لابدّ أن نعتبرممّا أصاب البقر من جنون، فیُوجد الکثیر من الأبقار المجنونة في البلاد وقد قام بإعمال لا تُغتفر ولکن نری الکثیرمن الناس یصفّقون له ویؤیّدون أعمالهم الّتي لاتُرضي أحداً فیقول:

وَلَکِن وَیَا لَلمُصابِ الجَلیل
أ لَیسَ بِمَا قَد سَمِعنَا عِبَر؟!
فَکَم جُنّ مِن بَقرٍ عِندَنا
وَأحدَثَ أشیاءً لا تُغتـَـفـَــر
وَعَاثَ بِقَرنَیهِ وَاشتدَّ في
خُوار وَازعَجَ حَتّی الحجَر
وَلَکِنَّنا مَا اتَخذَنا لَهُ إحـــ
ــتِیاَطاً عَلَی صُورةِ من صَوَر
وَلا استَقذَرَت مِنهُ أذوَاقـُنا
برغم ِالذي عِندَهُ مِن قــَذَر
بَل العَکس مِن ذاکَ رَاحَت لَهُ
تُصَفـِّقُ أرتـَالـُنَا إن جَـــــعَـر
وَتـُـــــوهمُهُ أنّـــــهُ العَبقَرِيّ
وَتَنعَتُ غـُــــرّتَهُ بِالــــقَمَــــر
وَتَنفُــــــخُ فیهِ إلی هَیئةٍ
وَلَولا تَنفُـــــــــسُهُ لَأنفَجَر
أجَل مَا لِطَاغِیةٍ أن یَکونَ
وَمِن حَولِه الکَامِلُون البُشر
وَلَکِن یُکَوّنُ في بِیئةِ الـــ
ــخُنوع وَبینَ رجال کِــــــسَر
فَیَا کِسَرَاً مِن رجَال ألا
تُلَمِّینَ حَتَّی یُـــنالَ الـــــوَطَر؟! [16]
فَتَنمُو المَناعة ُضَدّ الطـُّغاة
وَلایَـــــــتَوَلّـــی عَلَینَا الـــــتـَـتـَر

هذه جوانب من أشعارالشاعر الساخرة والفکاهیّة، وهي تكشف عن الملكات الكبيرة التي يتمتع بها هذا الخطیب و الشاعرفي المجال الأدبي . إنّ هذا الشاعر الفذّ یحاول من خلال إدخال البسمة في قلوب الآخرین توعیة أفکارهم بالنسبةإلی ما یدور من حولهم ،ویحثّهم علی مقابلة الظواهر الخادعة والکاذبةالّتي یأتي بها بعض السیاسیین وأرباب السلطة الحاکمة.هذا ما استطعت الإتیان به في هذه المقالةویوجد الکثیر من القصائد الساخرة للشاعر ومَن أراد الإطلاع علیها فلیراجع دیوان الشاعرکما ذکرت سابقاً.

ملاحظة:الدکتورعبدالکریم البوغبیش،قسم اللغةالعربیّة وآدابها،جامعة آزادالإسلامیّة،آبادان،ایران.

المصادر

#إبن منظور،جمال الدین: لسان العرب، داراحیاءالتراث العربی ،بیروت،1998م.

#ا الکاتب،علاء حسین: مراحل الأدب، مؤسّسة الشرق الاوسط للطباعة والنشر ، ط1، 2001م.

#الوائلي،أحمد:الدیوان، مؤسسة البلاغ،ط1،بیوت،لبنان،2007م.


[1الکاتب،علاءحسین ( 2001م.)،ص263.

[2الوائلی،احمد(2007م)،ص186.

[3الموق والمُؤق:طرف العین الذي یلي الأنف، وهوالموضع الذي یجری منه الدمع،وهو مفردجمعهاآماق

[4الفارع: الضرس الاکثرعلوّاً في الفم من غیره

[5الناضب: الجاف. والغدوق:الرّیان.

[6المصدرنفسه،ص ص186-187.

[7المصدرنفسه،ص187

[8المصدرنفسه، ص187.

[9جَرِضَ بریقه:إبتلعه بالجَهد هَمّ وغَمّ.

[10المصدرنفسه، ص188

[11الصهباء: الخَمر المعصورة من عنب ابیض.

[12المصدرنفسه،ص370.]

وَذُبابةٍ طَارَت مَعِي مِن أرضِهَـا
طَوعَاً وَلَم يَعصِفْ بِهَـا تَهجِيـرُ
صَعَدَت مَعِي طَيَّارة في رِحلـَةٍ
كتفَـاي كُرسِـيٌّ لَهـا وَسَريــــرُ
لَم يَطلبُوا مِنها الجَوازَ وَلَم يَصِلْ
لِمِزَاجِهـَا مِـن أجلِـهِ تَعكِــــــيـرُ
فَتَنَقـلَت عَبـرَ الحُـدودِ طَليقـة
في حَيثُ لا مَنـعٌ وَلا تَحجيــــرُ
فَنَجَت فَلا رُعبُ المَباحثِ سَدَّ مِن
فَمِهَا ، وَلَم يَعبَـثْ بهـا شِرِّيـــرُ
وَتَصَرَّفَت مُختَارَة فـي فِعلِــهَـا
إذْ لا رَقيـبٌ حَولَهـَــا وَخَــفِـيـرُ
عُرِفَـت بِعـِلمَانيـةٍ لا مَـذهــــبٌ
مِن أجلِـهِ شَجْــــبٌ وَلا تَكفيـرُ
وَتَمَتَّـعَـت بـِـــهـَوِيَّـة ٍدُولـيَّـــــة
فَبِكـَــفِّهَـا أنـَّى تَشـَاءُ مَصـيـــرُ
وَقَعَت عَلَى أيِّ الأرَائِكِ تَشتَهِـي
فـَلَها فِـراشٌ مَـا تَشـَاءُ وَثِــيـــرُ
إنـُّي لأحسُـــدُهـا علَـى حُرِّيـَّــةٍ
فیها إبنُ آدم لـَو تـُتـَاحُ جَديـــــرُ
إنَّ الحَيـَاة َبِدُونِهَـا عِـبءٌ وَآ
لامٌ وَطَعمٌ مَـا عَــلِمَـت مَـــــريـرُ

حقيقة أنَّ الأنسان مسلوب من أبسط الحقوق المتاحة له و هي الحرية،ففي بلد الشاعر وکثیر من بلاد العالم یفتقد الإنسان حریته و لکن هذه الحشرةالصغیرة حرّة طلیقة تجول من هنا إلی هناک دون أن یعترضها أحد فهي لا تحتاج لا إلی تاأشیرة دخول ولاإلی جواز سفر ، أما الإنسان فلایستطیع التحرِک من مکان إلی آخر إلا ولابدّ له من جواز سفر وتأشیرة دخول وإجراءات أُخری ، فالشاعر یحسد هذه الذبابة الحرة التي طارت معه دون أن یهجّرها أحد ویستصعب الحیاة من غیر حریة فیصفها بالعبء الثقیل وآلام وطعم مریر.ثمّ یشکو إلی الذبابة استصغار البشریة وضیاعها ویشکک في سلالة الانسان أ هي من سلالة آدم ابی البشریة أم من سلالة الإبل وما شابه الإبل من الحیوانات التي ترعی الماشیة ،یقصد بها أن نتحول إلی رعاة وخدم للمتسلطین .أو نتحول إلی عبید تسومنا الشاریات وتحاول شراءنا بأسعار أقلّ من المطلوب فینا ، وکلاهما أمران غیر محمودین یدلّان علی الهوان والإستصغارفنراه یقول: [[ نفس المصدر، ص372.

[13المصدرنفسه، ص372.

[14المصدر نفسه ، ص267.

[15حَجر العجول:عزلها بعیداً ممن یُصاب منها بالعدوی.

[16الوطر:الحاجة والبُغیة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى