امرأة بنكهة الغيم
قال لها: "منذ الآن، سأسميك غيمة، ثمة قواسم مشتركة كثيرة بينها وبين الغيمات، هي ناعمة مثل القطن، ناعسة مثل زهرة نرجس نبتت في صحراء العمر، هاطلة مثل غيمة حبلى بالعطر تقف عند نافذتي، أو ربما لأنها فعلاً غيمة تتأرجح بين جنوب وشمال، تبحث عن قفر تروي عطشه".
في العادة، يمر في حياتك كثير من الناس، قلة فقط، هم أولئك الذين تقف عندهم القلوب، الغريب أنك لا تريد منهم شيئاً سوى أن تراهم، تفرح بهم، تقف مشدوهاً أمام أشيائهم العادية البسيطة التي لا يعرفونها، صوتها الذي ينهال عليك مثل ترنيمة ملائكية، عيناها ذات العمق الأزلي، حتى معطفها الأسود العادي تراه شيئاً آخر، وربما تحتفظ ببقايا فنجان قهوتها عدة أيام، تخفيه أمام عينيك في زاوية لا يراها أحد.
تعرف استحالتهم لك، واستحالتك لهم، مع ذلك، تصبح ذلك الفتى ابن الرابعة عشرة، الذي يقف ساعات طويلة ليرى ابنة الجيران ذات الأحد عشر عاما، ورغم صهيل الخيل في نفسه، يكبت، لأنه لم يتعلم بعد القدرة على التعبير، فيلجأ لوردة يتودد إليها طالباً منها أن تنوب عنه في إيصال ذالك الخيط الضوئي المليء بالحياة.
أنت لا تريد أن تكون مثل غيرك ممن يحاولون إمساك الغيمات بأيديهم، بل تريد أن تتفوق عليهم بإمساكها بقلبك، تود لو تطير معها دون أن تراك، ودون أن تسمع حفيف أشجار قلبك خشية البوح، تتضرع لرب القلوب لكي لا تسمع همساتك التي تغتسل بالحنين إليها، كبرياؤك يصدك عن ذلك الاندفاع الجميل نحوها.
معها، ربما تتغير معاني الكلمات، وتختفي دلالات الألفاظ، لا يهمك سوى أن تسمع تلك الموسيقى الهادئة المنسابة - مثل خيط ماء تمرد على شلال هادر- من ناي فمها، كل ما فيها موسيقى، ضحكتها الخجلى، شفتاها التي علمت الدنيا نكهة المذاق، أناملها التي تتحسس أوتار عينيك فتضج نوراً وضياءً، هي تعصف بالأربعين سنة من عمرك، فتحيلها في ثوان إلى سويعات، ربّاه! ما هذا؟
عندما تستأذنك في الذهاب، يخيم عليك الصمت الأبدي، يقفز القلب محاولاً الخروج من بين قضبان الجسد، تتأهب كل ترساناتك لكي ترجوها البقاء دقائق أخرى، تعتذر، تخرج من بابك، فتخرج روحك معها ويبقى الجسد بلا حراك، يا إلهي! كيف يحدث هذا وقد تخطيت منتصف العمر؟ كيف لقلبك أن يكون مثل قلب طفل رضيع؟ كيف يكون كل هذا الانقلاب الكوني الجميل؟