الثلاثاء ٦ آذار (مارس) ٢٠١٨
بقلم سلوى أبو مدين

بسبب غيمة على الأرجح للشاعر وديع سعادة

المتعبون يجلسون في الساحة
ينصتون إلى عبور النسمات، التي كانت في الأرجح
بائعين متجولين
أو متسكعين، فقدوا أقدامهم
للمتعبين ساحة بلاطاته، مع الأيام، اكتسبت صفات إنسانية
حتى أنها إذا غاب واحد منهم
تبكي.
المتعبون في الساحة، وجوههم ترق يوماً بعد يوم
وشعرهم يلين
في هواء الليل والأضواء الخفيفة،
وحين ينظرون إلى بعضهم ترق عيونهم أيضاً
إلى درجة أنهم يظنون أنفسهم زجاجاً
وينكسرون ...

وديع سعادة شاعر لبناني من مواليد 1948 في قرية شبطين شمال لبنان عمل في الصحافة العربية في بيروت ولندن وباريس, وهاجر إلى أستراليا في أواخر عام 1988 وما زال يعمل في مجال الصحافة في أستراليا كما أنه يكتب لعدد من الصحف في الدول العربية. وتُرجم بعض أعماله إلى الألمانية والإنكليزية والفرنسية

يقول عمر الشيخ: " ليلة هي القصائد التي تقدّس روح الإنسان في هذا الزمن الصعب، وتدخل إلى جوهرها وسموها، وتبتعد عن كلّ ما هو ماديّ وملموس، وتستحضر الحقائق الخجولة التي تطمرها هذه الروح العابقة في غياب البشر أثناء تحركاتهم اليومية وردات فعلهم المفاجئة، قد تصادفك قصيدة مقننة لغوياً لشاعر عابر، حيث استطاعت إخراجك من الشعور بأن هذه القصيدة مألوفة، إذ يمكن القول إن تجربة الشاعر المكرس من البدء حتى أوان رحيله تشكّل بمجملها صورة دقيقة عن كل ما يريد الشاعر قوله، وعلى ذلك يمكن أن نعتبر الشاعر اللبناني وديع سعاد المقيم في أستراليا هو واحد من بين الشعراء القلائل الذين استطاعوا الخطو على سلم الاختلاف من مجموعة شعرية إلى أخرى، وأخذ القارئ إلى كل الزوايا التي تطلّ على عالمه الإنساني.

وتقول الشاعرة لينا شدود: "بعض الشعر يجعلنا أكثر وعياً بذواتنا..يملؤنا بها، وهذا ما نرغبه كقرّاء، حتى أننا نصدّقه عندما يخبرنا أننا يوماً ما قد عبرنا هذه الأرض وغرقنا في النهر، ومن ثم عدنا لنبحث في عروقنا عن خشب لنبني طوافاتنا".

الماء أعلى من الرصيف
إن مشيت
أو قعدت
ستغرق.

كان بودلير يرى أن الشاعر ساحر، والشعر نوعاً من السحر، فيما كان (ت س) إليوت يتعمّد أن يُرينا في شعره “الخوف في حفنة من رمل، أمّا وديع سعادة فهو مهمومٌ بالروح وكيف يرتقي بها وبنا".

إلى أن قالت: لا حواجز في قصائده، ولا أثر لطغيان القول العادي الذي يصلب المعاني، بل يحرص وديع على تمجيده ومنحه كل الألق، مُستخدماً رموزه الحية بطاقاتها المكتَنزة في الروح والجسد. صوته نقي واضح ولو أنه يبدو وكأنه قادم من البعيد. علاقته مع الكون شفافة وجارحة، هو لا يتكرر، بل يُكمِل ما بدأه من زمن، وبروح واعية وغير متوترة "

أمكنة كثيرة في رئتيه
وناس كثيرون
دخلوا مع الهواء وغابوا
وما تنفسه
كان غيابهم

إلى ماذا تريد أن تأخذ أيها الشاعر

قل للعابر أن يعود نسي هنا ظله

ترك العابر بعض لهاثه ممدَّداً على الدروب، وبعضَه شارداً في الفضاء.

لهاثٌ يطأ عليه المارَّة
ولهاثٌ يجهد كي يصير غيمة.

ترك العابر لهاثاً يمشي في الشوارع مع الأقدام، أو يصير تحتها تراباً

ولهاثاً يمشي مع الهواء، يرتطم بأشجار وبنايات، بقطارات وسفن، يعلو ويهبط، يهبط ويعلو، ولا يصير غيمة.

امشِ كأنْ لا لهاث لك. امشِ كأنك ميْت
فلا يشرّد الفضاءُ لهاثك
ولا أحد يطأ عليه.

تقول لينا أيضاً: "تآلَف تراكيبه لخدمة بنية النص وإيقاعه، معتمِداً التلميح الخاطف أحياناً، جارحاً المعاني ومستخدماً طبقات المخيلة التي قطعت تقريباً كل علاقاتها مع الأسلاف" سعادة لديه قدرة في توظيف النص

النائمون على الحافَّة جميلون
لا النهار لهم ولا الطريق
ليس عليهم أن يروا ولا أن يمشوا
النائمون على الحافَّة
وصلوا.

ماذا يخشى وديع ؟ ربما مهموم بأشياء قد لا يدركها بعضنا؟

النسائم التي مرَّتْ في رئتيه كانت لها أسماء
أسماءُ مدنٍ وقرى وشوارع وصحارى وغابات
وأسماءُ ناس
يتنفَّسون بقربه.

أمكنة كثيرة في رئتيه
وناسٌ كثيرون
دخلوا مع الهواء ثم غابوا
وما تنفًّسه
كان غيابهم.

ما في صدره كان رئات العابرين
ولم يكن يتنفَّس الهواء
بل العبور.

وأتساءل هل وَضَعَ الطريقَ في صدره
ومشى عليها طوال العمر؟
أم ذهبْ مع الهواء إلى الغابة
ونام على ورقة، أدخل في أريجها زهرة، وذهب مع النسيم إلى الغابة؟

الطير الذي مرَّ أمام بيتك ولم تطعمه
تفقَّدْه إنْ كان جائعاً، إنْ كان مات

تفقَّدِ الأشجار التي قلتَ إنها ضلوعك
وعُدَّ كم منها انكسر

إذاً كيف للسابح أن يصل
والبحر يغرق؟

هل يدفع القارئ للتشظّي لقراءة شعره؟

الرياح تدقُّ على بابه
كي تسأل ربما لماذا تأخَّر اليوم عن الهبوب معها،
كان تقريباً هواء
كان تقريباً رياحاً
لا مكان له غير الهبوب
ولا رفيق
لا الشجر لا الحجر لا التراب
كان تقريباً رفيق الفضاء الفارغ

وفي قصيدة أخرى يقول وديع:

أيها الشاعر
لا تدقُّ على الباب
امش
مَن في الداخل يدقًّ على الباب أيضاً
ولا أحد يفتح له
لديك ما يكفي من ذكريات
كي يكون معك رفاق على الحجر
اقعد
وسَلّهمْ بالقصص
فهم مثلك شاخوا
وضجرون

وعن منابع خياله الشعري وتصوراته ورؤاه. إن كانت من ماض تركه أم من حاضر يعيشه أم من مستقبلي؟ فهو يؤكد أن منابعه ضاربة في عمق الماضي والحاضر والمستقبل معاً.

وعن الحب والمرأة في حياته وطبيعة الأثر تتركه في شعره فهو يرى للمرأة ككيان منفصل، بل يكتب للإنسان بعيداً عن شعر الغزل الذي بات مستهلكا ومكرراً منذ ما قبل قيس حتى اليوم .

إصدارته :

ليس للمساء أخوة 1981

المياه المياه 1983

رجل في هواء مستعمل يقعد ويفكر في الحيوانات 1985

مقعد راكب غادر الباص 1987

محاولة وصل ضفتين بصوت 1977

نص الغياب 1999

غبار 2001

رتق الهواء 2006

تركيب آخر لحياة وديع سعادة 2006

من أخذ النظرة التي تركتها أمام الباب نشر عبر موقع الالكتروني 2011

قل للعابر أن يعود نسي هنا ظله نشر عبر موقع الالكتروني 2012

أيها الشاعر..
لا تدقَّ على الباب
امشِ
مَن في الداخل يدقُّ على الباب أيضاً
ولا أحد يفتح له

لديك ما يكفي من ذكريات
كي يكون معك رفاق على هذا الحجر
اقعدْ
وسَلِّهمْ بالقصص
فهم مثلك شاخوا
وضجرون

وأخيراً .. قيل عنه بأنه مثل رجع صدى يستعين بالكناية والرمز والتورية، للتعبير عن صداقته للغياب، ويفصح، بنبرة الشاعر الرائي عن حيرته تجاه القصيدة، التي تبدأ من زجاج وتنتهي بزجاج. كما يشير مسمياً بعض ركائزها الفنية والمعرفية واللغوية بعد مسيرة شعرية متميزة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى