الخميس ٥ آذار (مارس) ٢٠٠٩
بقلم صلاح السروي

تطور الرؤية النقدية عند محمود أمين العالم

لقد مرت الرؤية النقدية عند محمود أمين العالم بعدة مراحل، عكست بوضوح كدحه الفكرى باتجاه الوصول الى أكثر الصيغ المفهومية - الأدبية اتساقا مع قناعاته النظرية - السياسية والفلسفية. فمشروع (العالم) النقدى لم يكن له أن ينفصل بأى حال عن مشروعه السياسى - الفلسفى النضالى، وهو المشروع الذى ينطلق من نظرة جدلية كلية للعالم، تنفى الانفصال وتنكر التجزؤ. ومن هنا كان النضال على الجبهة الثقافية مرتبطا ارتباطا وثيقا بالنضال على كافة الجبهات، ان لم يكن مؤسسا لاتجاهاتها ومرسخا لقناعاتها وموجها لخطوانها. وعلى الرغم من كون الثقافة تمثل (البناء الفوقى)، أى أنها مجرد ناتج عن الوضع الاجتماعى الاقتصادى الممثل (للبناء التحتى)، الا أن أهميتها لا تقل فى التأثير على مجريات الصراع الطبقى والاجتماعى والوطنى عن أية أدوات أخرى، بل ربما سبقت هذه الأدوات، فهى الوعى الذى ستنطلق بمقتضاه كل أشكال الفعل التغييرى المتصور. فاذا كان النضال السياسى يستهدف القضاء على الاستغلال والقمع والقهر والانتصار للكادحين من العمال والفلاحين، باعتبارهما الطبقتين الأكثر فاعلية فى عملية التغيير التاريخى، والممثلتين للقوى التاريخية الاستراتيجية الدافعة نحو مجتمع أكثر حرية وعدلا، فان ذلك يستوجب بالضرورة محاربة الأفكار والمفاهيم والقيم التى ترسخ مصالح القوى المعوقة لحركتهما فى اتجاه صنع هذا التاريخ، مثل التقليد والاتباع وتقديس الماضى وشرعنة العبودية والاستغلال..الخ، لصالح الانتصارللأفكار والمفاهيم والقيم الممثلة لثقافة التقدم والعقلانية والعلم والحرية والعدل

انها،اذن المعركة الكبرى الدائمة - فيما يرى حسين مروة -.. (بين كل جديد وكل قديم، بين ثقافة تنعكس فيها آراء ومفاهيم وأفكار وقيم تسند مصالح فئة من المجتمع يكاد يتلاشى دورها التاريخى وينقضى، وبين ثقافة تنعكس فيها آراء وأفكار ومفاهيم وقيم تريد أن تدل على مكان فئة تلد فى المجتمع جديدا، لكى تنقل هذا المجتمع الى دور تاريخى جديد، ثم لكى ترفع هذا المجتمع الى منزلة أرحب وفضاء أوسع وانسانية أسمى وحياة أجمل وأفضل). (1)هذا الفهم للعمل الثقافى العضوى، غير المنفصل عن العمل السياسى المباشر، بل والمؤسس لمفاهيمه والقائد لوعيه، هو نفسه ما يؤكده العالم وأنيس فى مقدمة الطبعة الأحدث من كتابهما "فى الثقافة المصرية " قائلين:

(فى الأربعينيات وبداية الخمسينيات، ومع مخاض النضال الوطنى والاجتماعى للشعب فى مرحلة تاريخية جديدة، أخذت تتجلى فى بنية الأدب وأساليبه مظاهر أخرى تتجاوز مدرسة المهجر ومدرسة أبوللو، متواكبة ومتفاعلة مع نهوض حركة وطنية ديمقراطية ذات آفاق اجتماعية جديدة، طبعت هذا الابداع الجديد بطابع واقعى) (2). فالكشف عن طبيعة الأدب الجديد، أو (الظواهر الجديدة) فى الأدب لم يكن منفصلا عن الكشف عن طبيعة الواقع الساسى الجديد، والمؤلفان لم يكونا ليعكسان..(هذا المسعى النظرى النقدى فى الأدب فحسب، وانما كان يتضمن (أى مقال الأدب بين الصياغة والمضمون الذى ورد فى الكتاب المذكور) مسعى نقديا اجتماعيا وسياسيا كذلك. فلقد كانت معركة الديمقراطية محتدمة فى مصر آنذاك، وكان مقالنا ذو الطابع الأدبى الخالص سلاحا من أسلحتها) (3) وهو مايعنى أن الحركة الأدبية النقدية الجديدة انما جاءت لتترجم وضعية مثلتها مرحلة تاريخية جديدة، كانت ذاخرة بالوعود والآمال الكبار فى التحرروالانعتاق وحتدام الصراع بين قوى آفلة، تحارب معركتها الأخيرة وأخرى بازغة تكاد تقبض على الحلم بيديها ليستحيل واقعا متجسدا تكاد تراه العين وتلمسه اليد. ومن هنا كانت ضرورة استخدام كافة الأدوات والأسلحة، ومن بينها سلاح الوعى - الفكر والفن والأدب، سلاح الثقافة.

هذا الارتباط الوثيق بين الأدب والواقع، يمكن ترجمته فلسفيا وسياسيا بالارتباط بين البناء الفوقى والتحتى، ويمكن ترجمته كذلك جماليا ونقديا بالارتباط بين الشكل والمضمون. فالوعى لايمكن الا أن يكون مرتبطا بالوجود، واذا كان الأدب شكلا من أشكال الوعى، فان الواقع يمثل الوجود، ومن ثم يصبح التغيير الذى يمكن أن يلم بطبيعة الوجود متطلبا لتغيير مماثل فى أشكال الوعى، فالوعى هو (شكل) الوجود، والوجود هو (مضمون) الوعى. والعلاقة بينهما حتمية وان كانت ذا طابع جدلى متغير، يحكمه قانون (الوحدة والصراع). والسؤال الآن هو كيف تجلت هذه الرؤية فى نطاق الممارسة النقدية عند العالم؟ وهل أتخذت شكلا واحدا أو طابعا ثابتا لم يتغير أم تطورت وتحولت؟ وما ملامح هذا التغير ومراحله؟

من الواضح أن العلاقة بين شكل الأدب ومضمونه ( وهو أساس المعركة التى نشبت فى أوائل الخمسينيات) لم تكن بذات الوضوح، الذى رأيناه بين الأدب والواقع، فلقد لاحظنا أن هناك تسميات متعددة يتم اطلاقها فى مراحل متعاقبة.. من قبيل.. (التكامل العضوى).. و(التآزر) (4). ثم بعد ذلك يتم طرح مفهوم مثل..(التداخل) (5) وتارة ثالثة يطرح مفهوم (العلاقة الجدلية) (6).

أن رؤية محمود أمين العالم للأدب لم تتوقف عندما طرحه، هو وانيس، فى بداية خمسينيات القرن الماضى، بل تطورت وتغيرت وأخذت مناحى لم تكن مطروحة من قبل. وذلك اما نتيجة لارتقاء الوعى النظرى ( للعالم ) وزيادة خبرته ومعرفته بخصائص العمل الأدبى، وطبيعته النوعية التى تجعله يحمل داخله قانون تطوره النوعى الخاص، وان بغير انفصال عن قانون الحكة الاجتماعية العام.واما نتيجة للتطورات الهائلة التى طرأت على النظرية النقدية - مناهجها واجراءاتها، خلال الربع الأخير من القرن العشرين، وكان لزاما عليه أن يتفاعل معها على نحو ايجابى، يثرى فيه رؤيته النقدية ويطورها، وفى نفس الوقت يسهم فى الارتقاء بالنظر النقدى العربى الذى كاد أن يسلم نفسه بشكل كلى للاتجاهات الشكلانية التى تكاد تبتر أية علاقة بين المنتج الأدبى وخارجه.

وستحاول هذه الورقة دراسة مراحل تطور هذه الرؤية النقدية عند محمود أمين العالم، وذلك عبر المحاور التالية:

1 - تآزر الشكل والمضمون.

2 - تداخل الشكل والمضمون.

3 - جدل الشكل والمضمون.

كان للمقال الذى نشره الدكتور طه حسين فى جريدة الجمهورية القاهرية بتاريخ 5 / 2 / 1954 دور كبير فى تفجير هذه المعركة الأدبية الكبرى التى نشبت بينه من ناحية، ومحمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس من ناحية أخرى. فقد قدم طه حسين فى هذا المقال تصوره لطبيعة الأدب الذى يعبر - للغرابة - عن تصور المدرسة الكلاسيكية، وهويرتكز على أن: (اللغة هى صورة الأدب، وأن المعانى هى مادته)، الى جانب عنصر ثالث لم يفصل القول فيه ولم يحدد موقعه بين العنصرين السابقين، وربما ذكره بتأثير من وعى رومانتيكى متكتسب ثقافته الأوربية، أسماه (عنصر الجمال) (7)(نص المقال منشور فى جريدة أخبار الأدب بتاريخ 18/ 1/ 2009). وربما كان يقصد أنه ناتج عن العنصرين السابقين: أى اللغة والمعانى.

وخطورة هذه النظرة تكمن فى أنها تقوم على أساس الفصل بين اللغة والمعانى، بحيث يمكن تصور أن اللغة انما هى وعاء فارغ يمكن ملؤه بأية معان، وأن المعانى بدورها انما هى أطياف هائمة تبحث لها عن لغة تتجسدها أو شكل تتلبسه. وهذا أمر يتأبى على التصور المجرد، أو الواقعى، فاذا جردنا اللغة من معانيها فكيف يمكن أن تكون؟ وكذلك الأمر لو جردنا المعانى من ألفاظها، فكيف يمكن أن نتصورها أو أن ندركها؟

انها نواتج تلك الرؤية المثالية التى تقوم على الفصل بين الروح والأشكال، وتتصور عالما مثاليا هيوليا متعاليا، ولكنه قد يتعين فى أشكال محددة (8).

وفى مقابل هذه النظرة تقوم الجمالية الماركسية على اقامة وحدة جدلية بين الشكل ومضمونه، فالأشكال عند ماركس تتحدد تاريخيا بنوع المضمون الذى تحققه وتجسده، وهذا ما يجعلها تتغير وتتحول بتغير المضمون، فليس.. (للشكل أى قيمة ما لم يكن شكلا لمضمون)(9)، والعكس صحيح. فالجمالية الماركسية تقوم على ابراز الصلة الجدلية بين الشكل والمضمون وسط واقع لاينى يتحول ويتغير طارحا معطيات وشروكا تاريخية جديدة، وبالتالى مفاهيم ورؤى وتصورات جديدة. ولقد حاول العالم التعبير عن هذا الفهم الماركسى على نحو متطور ونام، كما سبق القول.

1 - تآزر الشكل والمضمون:

لقد استفز مقال طه حسين السابق الاشارة اليه محمود العالم وعبدالعظيم أنيس، فقاما بالرد عليه بمقال، عنوانه: (الأدب بين الصياغة والمضمون) (أدرج ضمن كتاب: (فى الثقافة المصرية)1955)، حيث يرى الكاتبان، بداية، أن قصر مفهوم "الصورة" على اللغة فقط، وقصر مفهوم "المادة" على المعانى فقط، لا يكشف عن ادراك سليم لحقيقة الظاهرة الأدبية.. "ذلك أن اللغة أداة من أدوات الصورة، فان قصرنا الصورةعلى اللغة، فقدتحدثنا لاعن الصورة، بل عن الأسلوب"(10). حيث تجرى التفرقة هنا بين بين الصورة والأسلوب، أى بين الصورة والطريقة الفنية التى تتجسد بها الصورة. فتصبح اللغة أداة فنية أسلوبية، تقوم على تجسيد الصورة، وليست هى الصورة نفسها. اذن ماذا يمكن أن نعنى بالصورة؟ ان الصورة هى عملية التشكيل الأدبى ذاتها، انها تلك العملية الداخلية الفاعلة.. "فى قلب العمل الأدبى لتشكيل مادته وابراز مقوماته"(11). فالصورة كيان وظيفى - بناء تشكيلى متفاعل ومتحول أبدا. ان الصورة هى تلك التى تتناول المادة وتعيد بناءها وترتيب عناصرها، محولة اياها الى جسد متعين فى شكل محدد له أبعاد واضحة. ووجود منظور محدد أو وجهة نظر واضحة هو الذى يحكم ويوجه هذا التشكيل. ولعل فى هذا مايتفق وما قاله المنظر الماركسى جورج لوكاتش فى كتابه البكر: "تاريخ تطور الدراما الحديثة" (1911) من أن.."الشكل هو العنصر الاجتماعى الحقيقى فى الأدب"(12). أما المادة فهى، ببدورها، ليست المعانى، فيما يذهب طه حسين، بل هى أحداث.."لا من حيث هى أحداث وقعت بالفعل، ويشير العمل الأدبى الى وقوعها، بل هى أحداث تقع وتتحقق داخل العمل الأدبى نفسه، ويشارك التذوق الأدبى فى وقوعها وتحققها، وهى بدورها عمليت متشابكة متفاعلة يفضى بعضها الى بعض افضاء حيا لا تعسف فيه ولا افتعال"(13). من هنا تصبح المادة هى مكونات العمل الأدبى ووحداته الممثلة لكينونته وجوهره، انها عناصره الجوهرية التى يجرى تشكيلها وتحويلها على يد الأديب. ويمثل العالم لهذا المفهوم بمثالين: الأول من الرواية، والثانى من الشعر. فى مجال الرواية يختاررواية "عوليسيس" لجيمس جويس، ويقوم بتحديد مضمون الرواية أو مادتها بأنه.."هو الانهيار والتناقض والتفسخ والانحلالالذى تتميز به الحضارة الحديثة وأبطال الرواية عناصر مريضة مهزومة يحركها الانحراف والشذوذ وتجمعها الفجيعة الحضارية الواحدة"(14). اى أن مادة الرواية هى مايتمثل فى مفاهيم وتحولات ورؤى وتصورات تحكم حركة الشخصيات وتوجهها، من ناحية، وتعتمل فى عوالمهم الداخلية، من ناحية أخرى، على نحو يتوازى مع ما يحدث فى الواقع الخارجى وينتج عنه فى ذات الآن.

وبالطبع يأخذ العالم على جويس أنه قد أبرز جانبا واحدا، ألا وهو الجانب المنهار من الحضارة الغربية، دون الجوانب الأخرى.."المترقية والنامية من هذه الحضارة " (15).. حسب قوله، وهو الأمر الذى ينطبق على (تى. اس. اليوت)، فى مجال الشعر, خاصة فى قصيدته "الأرض الخراب"

ان مادة العمل الأدبى، اذن،يمكن أن تكون متضمنة فى مفهوم "المنظور" الذى طرحه (جورج لوكاتش) وطوره من بعده (لوسيان جولدمان) الى مفهوم "رؤية العالم" ،حيث يمثل الوعى بالذات والوجود والرؤية المتطورة النافذة للعالم، الخاصة بالكاتب مدخله الرئيسى ومادته الأساسية لبناء عمله الفنى. وبدون هذا الوعى وتلك الرؤية لن يجد الكاتب مايقوله، أو سيقول ما لن يستطيع النفاذ الى الوضعية الانسانية فى أكثر تعيناتها صدقا وحقيقية. حيث يمثل الكاتب هنا بوعيه وانحيازاته ليس مجرد ذاته المفردة، لكن يمكنه أن يعبر عن طبقة اجتماعية أو شريحة انسانية كاملة (16).

ورغم أن طه حسين يؤكد على أن صورة الأدب ومادته لايفترقان، أو هما شىء واحد (17)، وهو مايتفق معه فيه (العالم) ظاهريا وجزئيا، الاأنه ينفى كون الأدب مجرد تكوين من ثنائية اللغة والمعنى، كما أسلفنا. كما أن الصورة والمادة - على اطلاقهما - ليستا مجرد عنصرين متجاورين ومتلازمين. بل هما، معا، يمثلان مركبا عضويا.. "يتألف من عمليات بنائية تتكامل فيها الصورة والمادة تكاملا عضويا حيا "(18).

ان هذا التكامل هو نفسه ما يسميه "تآزرا" فى موضع آخر، ويعتبر أن وجود هذا التكامل والتآزر انما هو من سمات الأعمال الجيدة، أما الأعمال الرديئة فهى التى تختل فيها هذه العلاقة، ويمثل على ذلك بالسيريالية والمستقبلية (19)

ولعلنا نلاحظ فيما سبق سيطرة النظرة القائمة على التمييز الحاد بين الصورة والمادة، خاصة عندما يقول: "ان الأدب صورة ومادة ما فى هذا شك"(20)، وأن العلاقة القائمة بينهما انما هى علاقة عضوية قائمة على التآزر والتكامل.. مع ملاحظة ما فى هذه العلاقة من استقلال نسبى لكل منهما عن الأخرى، بحيث يمكننا تصور أنهما يمكن ألا يتآزرا أو يتكاملا فى الأعمال الضعيفة ( التى تركز على الشكل دون غيره ) وهو على أى حال لم يشرح هذا الأمر، واكتفى بذكر مثالى: السيريالية والمستقبلية.

ان هذه النظرة، ان كانت منطلقة من أسس ماركسية - مادية جدلية، الا أنها تبدو كما لو كانت تكتشف مناطق جديدة وتبشر برؤى غير معروفة من قبل. وأظن أن العالم هنا - فى هذه المرحلة - لم يكن ىقد أتيح له الاطلاع على على دراسات بليخانوف أو لوكاتش وكبار منظرى الأدب فى الماركسية، بحيث جاءت نظرته تركيبية، أكثر منها جدلية.

ولسوف تتواصل هذه النزعة فى المرحلة التالية، وان كان على نحو مختلف.

2- تداخل الشكل والمضمون:

ومن جديد يثير محمود أمين العالم قضية الصورة والمادة فى كتابه "تأملات فى عالم نجيب محفوظ"(1970) لكى يعدل قليلا من ما توصل اليه سابقا باتجاه محاولة ايجاد علاقة أكثر عمقا وأكثر وثاقة بين (الصورة والمادة)، فهما هنا ليستا متكاملتين ومتآزرتين، بل ان الصورة لا يمكن فصلها عن المضمون، تكاد تتماهى معه. فيشكلان، معا وجودا واحدا لايمكن تجزئته ولا التفريق بين عناصره..يقول: " ان صورة الشىء لا تكاد تنفصل عن حقيقة ادراكه بل عن حقيقة وجوده كذلك "(21)، فما من عمل "بغير صورة، بغير شكل، بغير صياغة"، حسب قوله مستطردا فى صدر الصفحة التى جاء فيها الاقتباس السابق. مسويا فى ذلك بين كونه من أنصار الفيلسوف الألمانى (ايمانويل كانت) المثالى القائل بأن الانسان هو الذى يضع الحدود الادراكية والتصورية للأشياء ويصوغ لها مقولاتها وقوالبها، وبين كونه مختلفا عنه عندما يعتقد بأن صورة الشىء ومقولته الادراكية والتصورية، جزء من من طبيعته الموضوعية. مقرا بأنه فى كلتا الحالتين لا يمكن معرفة الأشياء بغير صورها. فتصبح صورة الشىء غير قابلة للانفصال عن حقيقته، بل هى جزء من هذه الحقيقة. ورغم الفارق الواضح بين النظرتين، من حيث الأولى تتحدث عن مجرد الادراك الذى قد يكون ذا مستويات ودرجات مختلفة، لاعن الحقيقة الموضوعية التى توجد بذاتها وفى ذاتها بصرف النظر عن درجة الوعى بها، الا أن هناك تأكيدا واضحا فى نهاية المطاف، يقضى بعضوية العلاقة بين الصورة والشىء. الا أنه يردف ذلك مباشرة بقوله: "فهناك من الأشياء ما يرتبط وجودها ارتباطا وثيقا بصورتها، وهناك من الأشياء ما قد تتخلخل فيه هذه الرابطة ولا تستقر "(22). ان حرف "الفاء" فى كلمة "فهناك" يسمى فى اللغة العربية "بالفاء الاستئنافية"، وهى تعنى الاقرار بما جاء قبلها، ومن ثم عليها الاتيان بالدليل على صحته بما بعدها. غير اننا نلاحظ تزعزعا واضحا فى العبارة الأخيرة فى علاقتها بما جاء قبلها. فالعالم يحاول التدليل على صحة أن هناك من الأشياء ما قد تتخلخل فيه الرابطة بين الصورة والشىء بالفارق بين الشجرة والسحابة، فالشجرة يرتبط شكلها بوظيفتها وهو شكل مستقر ومستمر باستمرار الوظيفة واستقرارها، أما السحابة فان قابليتها لتغيير شكلها لا نهاية له.. " فقد تكون وجه طفل، أو هيكل امرأة عجوز، أو عربة غليظة، أو زهرة شفافة"(23), ثم يعود بعد ذلك ليقرر أن هذا التغير الصورى - الشكلى للسحابة، انما هو فى النهاية يمثل صفة شكلية لها ورمزا من رموزها. وهنا يحق لنا أن نتساءل عن جدوى مقارنتها بالشجرة مادامت الحصيلة واحدة فى النهاية.

ويبدو أن هذا الأمر كان استطرادا تفصيليا أملاه السياق دون حاجة ضرورية اليه، لأنه يردف ذلك، فى الفقرة التنالية مباشرة، باعادة التأكيد على العلاقة الصميمية بين الشكل والوظيفة، مدللا هذه المرة "بالعجلة"، من زاوية الارتباط الحتمى بين شكل العجلة ووظيفتها. فالاستدارة ليست مجرد اطار خارجى، بل هى ملمح أساسى من وجودها.. "ويحقق وظيفتها، ويبرز فاعليتها، وبغير هذه الاستدارة الشكلية، تفقد العجلة وجودها (..) بل تصبح موضوعا آخر، وظيفة أخرى، وجودا آخر"(24). وهو الأمر الذى يمكن أن ينطبق على على باقى الموجودات الأخرى، من الدبوس الى الصاروخ، بحيث يصبح أى تغيير فى شكل المادة بمثابة تغيير فى موضوعها كذلك.

ورغم الرائحة الأرسطية التى يمكن أن نشتمها فى هذا الطرح، من حيث اعتبار أرسطو أن الصورة أهم علة من علل وجود الشىء. ورغم اقرار العالم بقرب هذا الطرح من أرسطو، الا أنه يعمد الى الكشف عن طبيعة العلاقة الكمية التى تربط بين العلل الأربع لوجود الشىء، ومنها علة الصورة، واغفال علاقة التفاعل القائمة بينها، ولكن بما لايخفى اعجابه بهذا الاحتفال بالصورة عند أرسطو واذا جئنا لتطبيق هذا الطرح على الأدب فانه يؤكد أن الصورة أو الشكل تكاد تمثل جوهر العمل الأدبى، يقول: "ان الصورة أو الشكل أو الصياغة فى الأعمال الأدبية والفنية تكاد تكون جوهر ما يكون به الأدب أدبا والفن فنا.

وهنا يصبح الشكل بالنسبة للأدب والفن هو الذى يجعل منه أدبا وفنا، ذلك أن موضوعات الأدب متوارية وكامنة فى نفوس الناس أو واقعهم الاجتماعى، ولكنها عند هذا الحد لاتعد أدبا أو فنا، أما اذا توفر لها الأديب والفنان وقام على طرحها وتشكيلها فى قصيدة أو قصة أو ماشابه فانها عند ئذ تعد أدبا أو فنا. ان هذا التشكيل وهذه الصياغة هما الفارق بين كون هذا الموضوع أدبا - فنا أو غير ذلك. واذا كانت جميع أجناس الأدب والفن فيها من الطبيعة والوجود المعاش ما يمثل موضوعا لها، فان الموسيقى تتفرد هنا لأن موضوعها هو شكلها فى نفس الآن، وهى.."علاقات شكلية بين الأصوات وتنويع وتنمية لها وارتفاع بها الى مستوى رائع من البناء التجريدى"(25). والعالم لايقصد بالطبع ان الموسيقى نوع معزول عن الواقع الانسانى، انما يأتى بها باعتبارها مثالا يمكنه أن يكثف فى دلالته تلك الوظيفة المانحة للشكل أو الشكل المؤهل للوظيفة. حيث لايمكن الفصل بين الشكل والمضمون. وان كان يميز بينهما فقط.

ثم يعود للتأكيد على النقطة التى سبق ذكرها فى المحور الأول من هذه الورقة من أن الأعمال الجيدة فقط هى التى يتسق فيها الشكل مع مضمونه، والعكس فى الأعمال الرديئة. وذلك مثل روايات ديكنز وفلوبير وكافكا، والعكس فى الحرب والسلام لتولوستوى، التى رغم قوتها وعظمة بنائها، لكنها مليئة بالاستطرادات والتزيدات التى لايتطلبها (المعمار) الروائى.

رغم هذه الوحدة العميقة بين الصورة والمضمون (فالصورة تكاد تمثل جوهر الأدب كما سبق)، رغم ذلك فان بعض النقاد ينحون الى محاولة الفصل بينهما فى مقابل من يحاول التوحيد المطلق بينهما مثل بينيديتو كروتشة. والعالم لايقر أيا منهما، لأن كلا الفريقين قد فهم الشكل على أنه مجرد الصورة أو الصياغة، الا أن الشكل عند العالم أعمق من ذلك، فهو: "عملية البناء الداخلى ومنهج تنمية الفكرة والموضوع والمضمون، هو المعمار الداخلى للعمل الأدبى أو الفنى"(26). ألا يردنا ذلك الى ماورد فى المحور الأول من أن الشكل هو "العملية الداخلية الفاعلة فى العمل الأدبى". حيث يمثل الشكل عنصرا أعمق من مجرد الملامح الخارجية الى أن يصبح عملية البناء والتكوين والتطوير بما يمنح العمل الأدبى خصوصيته الأعمق من مجرد اتباعه لمظاهر تشكيل خارجية.

ولعلنا نلاحظ هنا تقدما واضحا فى فهم طبيعة العلاقة بين الشكل والمضمون، فهى ليست مجرد تآزر وتكامل، ولكنها أعمق بحيث يمكن أن يصبح الشكل هو المحدد للماهية والوظيفة معا، انه المحدد لمظهر وجوهر الشىء والعمل الأدبى. كما يبرز بوضوح وجلاء فى هذه المرحلة المصطلحان المترادفان: "المعمار" و"البناء" باعتبارهما جوهر الشكل، وليس مجرد المظهر الخارجى له. وان بقى التفريق بين الأعمال الجيدة والرديئة على أساس قدرة الأولى على تحقيق التماهى بين الشكل والمضمون وعجز الثانية عن ذلك.

3- جدل الشكل والمضمون:

ويبدو أن العالم لم يكن مطمئنا بالقدر الكافى لما توصل اليه فى الكتب السابقة حول قضية الشكل والمضمون، فاذابه يثير ذات القضية من جديد فى مقدمة كتابه "ثلاثية الرفض والهزيمة "(1985)، بحيث تأخذ هذه القضية ما يربو على الثلاثين عاما من عمر محمود أمين العالم منذ أول مرة أثيرت فيها عام 1954,وحتى هذا الكتاب 1985.

وهذه المرحلة الجديدة وان لم تكن منفصلة عن المرحلتين السابقتين، من حيث الابقاء على ثنائية الشكل والمضمون والتمييز بينهما، الا أن الجديد هنا يكمن فى اعادة تحديد طبيعة العلاقة بينهما، فهى ليست التآزر والتكامل، ولا التداخل والتماهى، وانما هى "علاقة جدلية"، تقوم باعتبارها قانونا عاما يحكم كل ابداع أدبى (27). وقد يكون من الغريب أن يذكر هنا لأول مرة مصطلح "العلاقة الجدلية" من قبل مفكر لا يتوقف عن التأكيد على منطلقاته الماركسية - المادية الجدلية. ولكن ما يبرر ذلك ويسوغه هو ما ذكرته من أن مراحل الفكر النقدى عنده تتطابق مع مراحل تطوره السياسى - الفلسفى العام.

فى هذه المرحلة يعيد العالم التأكيد على ما غدا من الثوابت عنده، من أن خصوصية الأدب تكمن فى صياغته أو هيكليته أو بنيته، الا أنه ينطلق الى أبعد من ذلك، الى التأكيد على أن الأدب انما هو بنيية دالة، ولهذا فهو ليس معطى فى ذاته رغم خصوصيته.. "بل هو معطى دال، وبالتالى غير معزول عن معطيات أخرى (...) والنص الأدبى كذلك رغم خصوصية صباغته وبنيته، هو بنية داخل أبنية أكبر، ولحظة داخل سياق زمنى وتاريخى، وهو معلول لملابسات نشأته النفسية والاجتماعية والتاريخية والثقافية، وهو معطى دال فعال ومؤثر فى هذه الملابسات نفسها "(28).

حيث نلاحظ هذا الربط بين الأدب والظواهر، أو لنقل، العوامل، الثقافية والاجتماعية المكتنفة له, لا من حيث التماثل، كما رأينا فى المرحلة السابقة ( الشجرة والسحابة والعجلة..) بل من حيث علاقة الوحدة والصراع الرابطة بينهم, العلاقة الجدلية القائمة على الترابط والوحدة وتبادل مواقع الفاعلية والمفعولية بين هذه العناصر جميعا. فالأدب ناتج عن واقع اجتماعى ونفسى وثقافى، وفى نفس الآن، هو عنصر فاعلية وتأثير فى كل أشكال هذا الواقع. وهذا الفهم لم يكن غائبا، بالطبع، فى المرحلتين السابقتين، بيد أنه لم يكن فى بؤرة التركيز.

كما نلاحظ استخدام مفردات ومصطلحات جديدة على قاموس ( العالم )، مثل مصطلح "بنية" و"هيكل" و"بنية دالة"..الخ. وهى، كما هو واضح، ناتجة عن عن التأثر والتفاعل مع الموجة البنيوية التى ظهرت فى النقد العربى، بدءا من أوائل الثمانينيات، مع اصدار مجلة فصول الفصلية القاهرية. غير اننى هنا لابد أن أؤكد على أن علاقة العالم بالبنيوية واطلاعه عليها سابق على هذا التاريخ بحوالى سبعة عشر عاما، فلقد كان هو أول من تحدث عن البنيوية وأسماها بالهيكلية، قبل أى كاتب عربى آخر عام 1963. الا أنه الآن يبدو أعمق فهما وأكثر وعيا وهضما لهذا الاتجاه ولمشكلاته النظرية والتطبيقية وعناصره الايجابية، فى ذات الوقت. حيث نلاحظ ما يشبه التبنى لأحد فروع البنيوية الأقرب الى قناعاته النظرية، ألا وهو "البنيوية التوليدية"، والمسماة أيضا "بالتكوينية"، التى نشأت فى فرنسا على أيدى رينيه جيرار ولوسيان جولدمان فى بداية سبعينيات القرن الماضى، متأثرة بجهود جورج لوكاتش أحد أهم منظرى علم الجمال الماركسى فى القرن العشرين.

ان هذا التحديد لطبيعة النص الأدبى ولعلاقته بمعطيات الواقع الأخرى، ليستتبع تحديد طبيعة العلاقات داخل العمل الأدبى ذاته، بين شكله ومضمونه، أو بعبارة أكثر عصرية، بين بنيته ودلالته. بحيث نفهم أن البنية انما هى مرادف الشكل أو الصياغة، وأن المضمون انما هو مرادف الدلالة. هل هذا هو المقصود فعلا؟ أم أن هناك معنى آخر يتجاوز ذلك؟ ان الأمر بالفعل لم يعد يقف عند الصياغة ةالمضمون أو ماشاكل، بل حدث نوع من من الاندماج الجلى الذى لم تعد معه التفرقة ممكنة، بل حل مصطلح جديد واحد ألا وهو "البنية الدالة"، التى تعنى التشكيل الفنى للنص الأدبى المحدد، بما يمنح "رؤية للعالم" على نحو محدد.

وهنا أيضا يجرى التأكيد على مصطلحات قديمة - متجددة لم تكن مستخدمة فى قاموس محمود العالم فى السابق، مثل "الخاص" و"العام"، من حيث تمثيلها لطرفى العلاقة الجدلية المتمثلين فى: التجربة الفردية الذاتية الخاصة (سواء أنتجت أدبا أو مجرد تجربة حياتية عادية )، والمتغير الاجتماعى - التاريخى العام، الذى يفرض معطياته على الجميع. هنا يجرى استخدام هذين المصطلحين فى مجال الأدب. فاذا كانت العلاقة الجدلية بين الشكل والمضمون تمثل القانون "العام"، فان لهذه العلاقة خصوصيتها.. "بالنسبة لكل عمل أدبى على حدة "(29). ولا تتحقق هذه العلاقة "العامة" الاعبر ما هو "خاص"، بما يعطى أشكال تحقق هذه العلاقة آفاقا لاحدود لها ةلا نهاية. ان هذا التجلى الخاص نفسه هو الذى يعطى، بدوره، القانون العام صفته الزمنية والتاريخية المحددة ويجعله نسبيا وانسانيا وليسمجردا أو مطلقا.. يقول العالم:" واذا كانت الدراسة الأدبية (...) تسعى حقا لتحديد القوانين العامة للابداع الأدبى تحديدا علميا دقيقا، فشرط علميتها هو تاريخيتها كذلك، أى خصوصيتها المشروطة تاريخيا "(30).

هكذا يجرى الاتساق والانسجام بين العناصر المعرفية المحددة لطبيعة الظاهرة الأدبية من حيث شكلها ومضمونها، ومن حيث العلاقة بين الأدب وغيره من المعطيات الاجتماعية - التاريخية والثقافية، ومن حيث النظرية العامة وخصوصية التطبيق. فينتظمها جميعا قانون الجدل.

ومن ثم، تتحررالعلاقة بين الشكل والمضمون لتصبح مندرجة ومتماهية فى علاقة مع كل أشكال الوجود، علاقة ذات طابع تاريخى زمنى، تتحرك فى صيرورة دائمة، وفى أخذ وعطاء لا يتوقفان.

ومن ثم، أيضا يتحرر الأدب من سجنه فى خانة الشكل وينجو من فخ أن يكون مجرد لعبة لغوية جوفاء، لكى يصبح مصدر امتاع واغناء لوعى الانسان بذاته وعالمه. وكذلك يتحرر من أن يكون مجرد بيانات أو وثائق لا أثر للجمال فيها، وصولا الى أن يكون بناء فنيا جماليا دالا.

هكذا تتواصل الرحلة المتطورة للكدح الذهنى المخلص والدؤب والصادق العزم، المليئ بحب المعرفة وعشق الحقيقة ودوام التعلم، عند الآستاذ الجليل محمود أمين العالم. لكى تصبح سيرته هو الخاصة تمثيلا للتمسك بالنظرية العامة، ثم التحول النسبى داخلها، حسب المعطيات المعرفية والتاريخية لزمن كل مرحلة.

 [1]


[11- حسين مروة، مقدمة كتاب فى الثقافة المصرية، ط1، دار الفكر الجديد، القاهرة، 1955، ص3.

2 - محمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس، مقدمة كتاب فى الثقافة المصرية، ط3، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، 1989، ص 17.

3 - نفسه، ص 17.

4 - المصدر السابق، ص44.

5 - محمود أمين العالم، تأملات فى عالم نجيب محفوظ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1970، ص12.

6 - محمود أمين العالم، ثلاثية الرفض والهزيمة، دار المستقبل العربى، القاهرة، ط1، 1985 ص 44.

7 - نص المقال منشور فى جريدة أخبار الأدب القاهرية، بتاريخ 18 - 1 - 2009.

8 - أنظر: فريدريك هيجل، محاضرات فى فلسفة التاريخ، الجزء التانى (العالم الشرقى)، ترجمة امام عبدالفتاح امام، دار الثقافة، القاهرة، 1986، ص8.

9 - تيرى ايجلتون، الماركسية والنقد الأدبى، مجلة فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، يونيو 1985، ص27.

10 - فى الثقافة المصرية، سابق، ص40.

11 - نفسه، ص41.

12 - جورج لوكاتش، تاريخ تطور الدراما الحديثة، بالمجرية، بودابست، 1911، ص VI.

13 - فى الثقافة المصرية، سابق، ص41.

14 - نفسه، ص41.

15 - نفسه، ص42.

16 - راجع: البنيوية التكوينية والنقد الأدبى، مجموعة مؤلفين، مراجعة محمد سبيلا, مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1984.

17 - فى الثقافة المصرية، سابق، ص40.

18 - نفسه، ص44.

19 - نفسه، ص44.

20 - نفسه، ص41.

21 - تأملات فى عالن نجيب محفوظ، سابق، ص12.

22 - نفسه، ص 12.

23 - نفسه، ص13.

24 - نفسه، ص13.

25- نفسه، ص15.

26 - نفسه، ص 16.

27 - نفسه، ص19.

28 - ثلاثية الرفض والهزيمة، سابق.

29 - نفسه، ص22.

30 - نفسه، ص23.

31 - نفسه، ص23.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى