الاثنين ١٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩
الفنان الراحل نهاد قلعي
بقلم أحمد مظهر سعدو

حتى لا ننساك

في سياق الانتشار الواسع للدراما السورية هذه الأيام، وفي تدافع واضح لحالات فنية عربية ومحلية تأخذ مكان غيرها، ضمن واقع فني غير صحي.. ضمن هذا الحال يتذكر المرء بقوة ذاك الفنان الكبير الذي أعطى كل عمره للفن وللناس، للكوميديا وغيرها، في المسرح ومن ثم في التلفزيون، فقـدم مـع الماغوط، ومن ثم دريد لحام، أعمالاً فنية خلدها التاريخ، وتركت بصمة لا ينساها الناس، ولن تفلت من الذاكرة الخصبة، لما يمكن تسميته (بالزمـن الجميل).

نهاد قلعي (حسني البورظان) ذلك الفنان المعطاء والإنسان الذي انطلق عام 1957 ليرسم حياة فنية ملؤها العطاء المتدفق، ومفعمة بالغيرية، حيث لا مكان لهذه الغيرية في هذا الزمن.. (نهاد قلعي خربوطلي) وهو الاسم الحقيقي لهذا الفنان الكبير، ولد في دمشق عام/ 1928/ وتوفي عام/1993/ فكانت حياته مليئة بالفن، والابتسامة، التي ما غادرت محياه، حتى وهـو فـي عز مرضـه.. فبعد جملة أعمال معاشية مارسها نهاد قلعي من ضارب آلة كاتبة، إلى مخلص جمركي، انطلق ليؤسس النادي الشرقي مع سامي جانو والمخرج خلدون المالح.. ومع عصر الوحدة، وانطلاق التلفزيون في دمشق عاصمة الإقليم الشمالي، قدم نهاد مع دريد ومحمود جبر برامج منوعة ذات سمة كوميدية خفيفة، كان أولها سهرة دمشق، وهو برنامج كوميدي منوع.. كمـا قـدم نهـاد عام/ 1959/ مسرحيتين (لولا الفساد) و(ثمن الحرية) على مسارح دمشق والقاهرة، حيث أشادت الصحافة في القاهرة بهذين العملين المهمين، وكان عليهما إقبالاً جماهيرياً منقطع النظير.. ثم وبمناسبة مرور عام على افتتاح التلفزيون في الإقليم الشمالي قدم نهاد قلعي مع دريد لحام أوبريت مسرحي تحت اسم (عقد اللولو) الـذي لاقى كل الاستحسان علـى مستوى الشارع العربـي.. ثم حول العمل إلـى فيلـم سينمائي، وكان أول فيلـم لنهاد مـع دريـد لحـام، وشاركهما العمل فهد بلان وصباح.

وقد كتب نهاد عدداً كبيراً من المسلسلات التلفزيونية والمسرحيات نجحت بامتياز، وصعدَّتْ نجمه ونجم دريد لحام، خاصةً بين أعوام (1967و1969) مثل (حمام الهنا، مقالب غوار، صح النوم) حيث حققت هذه الأعمال متابعات ومشاهدات غير مسبوقة، ومنها ما تم تحويله إلى فيلم سينمائي مثل (صح النوم) عام/1975/ وهو آخر فيلم جمعه مع دريد.
في فترة الوحدة وبعد تأسيس وزارة الثقافة والإرشاد القومي في الإقليم الشمالي عُهد إلى نهاد قلعي مهمة تأسيس المسرح القومي، وإدارته عام/ 1959/ حيث نشط المسرح القومي وقدم أعمالاً هامة.

ولقد أسس نهاد مع دريد (مسرح تشرين) وقدما بالتعاون مع محمد الماغوط أجمل الأعمال منها (ضيعة تشرين) بعد حرب تشرين، التي عبرت عن الواقع بأسلوب نقدي كوميدي، لامس الجرح الغائر في جسد الأمة، وأيقظ معاناتها مع نظمها السياسية.. ثم قدموا (مسرح الشوك) وكانت آخر أعماله المسرحية (غربة) هذه المسرحية المتميزة التي كتبها الماغوط بالتعاون مع نهاد قلعي، وأثناء عرضها اعتدي على نهاد قلعي من بعض (البلطجية) المحسوبين على بعض الجهات الضاغطة والمسيطرة في تلك المرحلة، أدت إلى إصابته بشلل نصفي أقعده في الفراش وعانى الأمرين بعد ذلك خاصةً من المتسلقين من زملائه الذين ساهم في صعودهم، والذين تنكروا له، ولم يعطوه الأهمية المطلوبة.. مما أثر عليه نفسياً، وعمق جراحه التي بدأت مع العدوان عليه.
وكان في آخر أيامه يؤكد أن أشد ما يؤلمه هو ذاك التنكر له من البعض الذين لا هم لهم سوى جمع الأموال والتسلق، دون الاهتمام بما هو أهم.

لقد رحل الفنان الشامل نهاد قلعي عن خمس وستين عاماً تاركاً إرثاً ثقافياً سيخلده مدى الدهر.. والذي ارتكز على إحساسه بقضايا الناس.. هذا الإحساس الذي مكنه مع الماغوط من تقديم أهم الأعمال في المسرح القومي.. وكذلك في المسرح الخاص، وجعل منه شمعة حقيقية ذابت بالفعل، لتنير الدرب لمن أتى بعده من الفنانين السوريين والعرب ولتبقيه في الذاكرة أبداً.. فهو ذلك الطود الشامخ الذي لا يمكن أن ينسى..و المؤسس الحقيقي للمسرح القومي في سوريا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى