حرب ناعمة ولادة حياة جديدة
متنوعة هي موضوعات الأدب، وكثيرا ما خرجت القصائد والقصص والروايات من رحم المعاناة الإنسانية، ويبقى السرد والرواية بشكل خاص أوسع بابا ًوأكثر تفصيلا ً، وهذا ما شهدت به روايات كثيرة ما يطلق عليها بأدب الأوبئة،والذي يذكرنا طاعون"البير كامو"كان لجدل القدروالقضاء مساحة واسعة فيه، الروائي السوداني"أمير تاج السر"وضع بصمته في رواية أكثر واقعية"إيبولا 76"جاعلا ً الفيروس قاتلا ً بإمتياز، لكن الروائي"غارسيا ماركيز"جعل الحب محور روايته"الحب في زمن الكوليرا"، ورواية"نهاية العالم"1978 لـ"ستيفن كينغ"التي تتناول نهاية العالم بفيروس محوّر. من هنا توفر لنا الأعمال الأدبية المهرب والعزاء والسلوى والرفقة التي لا تشعرنا بالراحة نفسها والتي تتناول تفشي الأوبئة وتوضح لنا كيفية التعامل مع وضعنا الراهن.
من بين هذه الأعمال"حرب ناعمة"وهي رواية للروائي علاء المرقب / عن دار أمل الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع / سورية / 2021، التي نستذكر من خلالها ردود فعلنا حيال الصدمة الأولى الناجمة عن ظهور وباء جديد وتفشيه على نحو شرس بيننا، تتحدث الرواية عن جانحة عالمية"مرض الكورونا"الذي أنتشر في جميع أنحاء العالم، وهي رواية تحاول تسليط الضوء على الجانب الإنساني لدى كبار السن في ظل الأجواء التي رافقت"فيروس كورونا".
"أبو حمزة"الرجل السبعيني جميل الطلة، محتفظا ً بالكثير من اللياقة رغم أنه خدم في دائرة الموانئ أكثر من أربعين سنة، ولكنه بقي محافظا ً على أهتمامه بنفسه وإناقته، رجل حسن اللسان، رفيع الخلق والمقام، فهو من عائلة بصرية معروفة بجذورها الدينية، ولد في إحدى قرى قضاء شط العرب على ضفاف مليئة بالنخيل، وهو يمتلك إرثا ً من الأراضي ساعده كثيرا ً في حياته، في عام 1968 توظف"أيوب القريني"المكنى بإبي حمزة في مصلحة الموانئ العراقية بعد أن نال شهادة الإعدادية بعمر العشرين عاما ً، أستطاع مساعدة جارتهم اليتيمة"فاطمة"على التعيين"بشهادة المتوسطة كاتبة طابعة ليبدأ الأعجاب بينهما ويصبح زواجا ً بعد عام واحد، له سبعة أبناء منها، لم يبق معه في البيت سوى"حمزة"ذو ال 48 عاما ً وأبن آخر فقط، أما البقية فقد أختاروا العيش مستقلين عن بيت أبيهم.
الروائي"علاء المرقب"يقلب في دفاتر عقله لعله يجد الإجابة في محاولة لإستشراف ما سيكون، لأنه أقرب الى تلك اللحظة من أي شخص آخر، لإنه يراها وفق خياله ووفق تجربته، يسترجع تفاصيل حياته بكل دقة دون أن ينسى منها شيئا ً، هنالك أيام تنطبع كالنقش في ذاكرة الإنسان وتمرّ كالشريط أمام العين وكأننا نراها مرارا ً وتكرارا ً، بل كأننا نعيشها لشدة تأثيرها.
راسلته زوجته"فاطمة"عن موعد إقلاع طائرتها من"مشهد"بإتجاه البصرة، جهز"أبو حمزة"نفسه لإستقبالها في المطار، قضى وقت الإنتظار وهو يتمعن في جمال البناء وروعته، مطار رغم صغره إلا إنه بمواصفات عالمية، بدأ القادمون بالخروج من صالة الوصول بعد ختم جوازاتهم واستلامهم الحقائب وهو يترقب ويتفحص الوجوه التي تخرج من الباب، عدد المغادرين أوشك أن ينتهي إلا من البعض، أنتبه لحركة غير أعتيادية ضمن المكان الذي يتواجد فيه، هنالك من يتهامس وآخرون مذعورون وكأن أمرا ً مريبا ً يحدث، كأي إنسان بدأت التوقعات هل أمسكوا شخصا ً أرهابيا ً ؟ أو ربما مواد ممنوعة مهربة؟ لابد أن هنالك ما يثير هذه الضجة والحركة، فعاد ينظر في الوجوه التي خف ّ زخمها، أما في أقصى الصالة فهنالك حركة متوترة أثارت أهتمامه، توجه للضابط القريب من سرير التفتيش سأله وهو خائف: ماذا يحدث هناك يا بني؟
لا شيء لا تشغل بالك (أجابه دون أن يلتفت أليه)، إن زوجتي من ضمن القادمين في رحلة مشهد لكنها لم تصل الى هنا؟ التفت اليه مرتعبا ًزوجتك؟ نعم، وأنا أشاهد شيئا ً أخافني هناك، يا ترى هل وقع لها شيئ؟
غادر الضابط مهرولا ً نحو المكان دون أن يجيبه، ثم توجه إليه اثنان من الموجودين يرتدون الكمامات وقد بديا مرتبكين، حاولا أن يطمئنانه بأن المرأة هناك لكنهم يحتاجون إلى بعض الإجراءات لكي تغادر.بعد هذا السؤال لم تعد قدما"أبي حمزة"تحملانه، جفافا ً أصاب حلقه منعه أن يتكلم بحرية فتوجه إلى الشخص الثالث القادم مرتبكا ماذا يا بني؟ ماالذي حصل ؟ ياعم إن المرأة يشتبه أن تكون مصابة بـ"الكورونا"لقد فشلت في إجتياز الفحص الطبي ونحن بإنتظار وصول أشخاص من المشفى للتأكد.
يمثل كارثة الوباء العالمي بالنسبة للروائي"علاء المرقب"كحريق هائل لا تزال مشتعلة ولا سبيل للسيطرة عليها مما يجعله يتجاوز هذا حتى يصل إلى حالة معقولة من السكينة والطمأنينة تتيح له أن يبدع شيئا ً عن تلك الكارثة، ما العمر إلا آمال ومنى نسعى خلفها سعي الصياد خلف الطرائد، كبار السن هم من ألطف الأشخاص الذين نقابلهم، وعمل بسيط جدا ً لهم يسعدهم فيردونه لك بدعوات ترضي قلبك وخاطرك من كل النواحي، يجب أن نتعامل معهم بكل صبر ورحمة.
حاول"أبو حمزة"الوصول إلى زوجته وهم يمنعونه ويتحملون فقدانه السيطرة على أعصابه، أستنكر الطريقة التي يتعاملون بها فلم يقو على مشاهدتها، تعامل دون أدنى أحترام للإنسانية كأنها كائن غريب ألقي القبض عليه، فهو منذهل مما يرى ويسمع وقد عملوا حولها حلقة بمسافة مترين وهم يتجهون بها نحو سيارة الاسعاف ويرتدون ملابس تجعلهم أشبه برجال الفضاء، أنطلقت سيارة الاسعاف نحو المشفى وتبعهم بسيارة أجرة.
أمام الغموض بشأن وباء الكورونا أخذ الروائي"علاء المرقب"الحذر والدقة في تعامله مع كتابة الرواية حتى لا تتحول إلى مجرد تفريغ نفسي في ظل المستجدات حول الفيروس، يقول الروائي"الياس فركوح": (ان الكتابة عن فيروس كورونا ستظهر بعد الإنتهاء من هذه الجانحة كتابات ستأخذ شكل النص الحر المفتوح المحمّل ببنى معرفية وتساؤلات وجودية حيال ما يمر به الإنسان، مبينا ً أن هذا الفيروس وضع الإنسان أمام سؤال الوجود في ظل الرعب الذي يعيشه العالم)..
في المشفى دخل حالة الإنذار الفعلي الشديد، فاغلق الأبواب الجانبية وأوقف على بوابة الطوارئ خمسة عناصر من الشرطة، طلب منهم"أبو حمزة"أن يدخل ليسأل عن زوجته فرفضوا، وحين علموا بأنه زوج السيدة المصابة بالكورونا أقتادوه شكا ًأن يكون مصابا ً بالمرض هو الآخر وبعد أخذ ورد فهموا بأنه لم يلتق بها بعد عودتها من السفر، ذهبت كل محاولاته في إمساك خيط يوصله إلى زوجته التي أصبح أمر الوصول اليها تحديا ً أكثر من كونه واجبا ً.
حقيقة الرواية في زمن الوباء، إنها تختلف عن غيرها من الأزمنة، إنها تكون مشبعة بخوف واستكشاف الراهن، واستطلاع المستقبل، وفي هذا تكمن لذة الحكاية ومرارتها، يقف الروائي"علاء المرقب"على مشارف العتمة، يحاول أن يستضئ بالأمل في الرواية، لعلها تشكل جسرا ً إلى المجهول لأن ما يعيشه عزلة توجهه إلى بناء الحدث في الغوص في عالم الكتابة بجماليات الإضاءة.
أتصل حمزة بإخيه طارق يخبره بأن اباه ذهب إلى المطار لكي يستقبل والدته، لكنه تأخر كثيرا ًوقد أتصل عليه فظهر بأنه ترك جواله في المنزل أما جوال والدته فمغلق، وصلا المطار وكانت الشمس قد سلمت للغروب مجرد أن سألا في البوابة الرئيسية عن الطائرة القادمة من مشهد حتى أكد لهما الشخص الواقف أمام الأستعلامات بأنها وصلت منذ أكثر من خمس ساعات وغادر جميع الركاب، وهكذا أقفلا عائدين إلى المنزل وكانت صدمتهما كبيرة، هاجمتهما التخوفات بأنواعها، بدأت الأتصالات بالأخوة فيما بينهم ليخبروا البعض بفقدان الأب والأم، بدءوا أتصالاتهم وتجوالهم في المستشفيات ومراكز الشرطة، في المستشفى دخل حمزة إلى شعبة الطوارئ ليستفسر، مما أضطر طارق إلى تجاوز الباب الزجاجي الخارجي حتى وجد أبيه متكئ على أحد الجدران وقد بدأ عليه الإعياء، بادره وهو يسرع إليه: (سلامتك حجي، ماذا حصل لكم، وأين أمي، أجابه بصوت متعب.. حجروها.. يقولون كورونا).
حاول حمزة الدخول إلى أمه عنوة فتم إلقاء القبض عليه، أمام طارق الآن ثلاثة مهمات عليه معالجتها، فلابد من إراحة والده والذهاب إلى الشرطة الذين أوقفوا أخيه ثم متابعة أمر والدته، أفرج عن حمزة في وقت متأخر من الليل بعد توقيعه تعهدا ً أن يلتزم بتعليمات المشفى ولا يعاود التهجم على الشرطة، وصل الأخوة جميعهم إلى حيث يجلس والدهم.
رواية"حرب ناعمة"للروائي"علاء المرقب"حاضرة بوضوح في فضاء الأدب لأن مرض الكورونا قضية عالمية إنسانية ألقت ظلالها في كل بيت على وجه الأرض، وفي نفوس الصغار والكبار وحولت العالم كله إلى حارة كونية لمواجهة فيروس لا يرحم، يقول الأديب"نايف النوايسة" (رسخ في ذهني أننا نعيش بعد المواجهة العالمية الرابعة مع الزحف الكوروني مرحلة وجودية ثقافية جديدة كتبت عنها مقلبة بعنوان ثقافة ما بعد الكورونا على غرار ما كتب عن الحداثة وما بعد الحداثة، ومرحلة ما بعد العولمة وقلت فيها"هل أعاد فيروس كورونا هندسة العالم؟ أو بلغة ثقافية هل يعيد هذا الفيروس إنتاج البشرية من جديد، بعد مرحلة التوحش بكل إداراتها المتجبرة، ومرحلة الرعب التي أنتجت الظلمة ووكلاءهم في العالم).
في المحجر جثمت على صدر"أم حمزة"فكرة الموت، إنها مصابة بالكورونا، المرض الذي أرعب الدنيا، التصرفات التي قوبلت بها نالت من رباطة جأشها وأشعرتها بالرعب والخوف، صدمتها المعاملة التي فاقت إرهاصات التفكر بالمرض، لكن بارقة أمل بسطت على وجهها، إبتسامة إنه"أبو حمزة"، إنها تشاهده من خلف الزجاج وهو يحاورهم محاولا ً الوصول إليها، أحست أنها الآن في أمان أكثر، لم تتخل عن خشيتها من ردة فعله لما جاءت به من مرض وأنه سيؤنبها لمخالفتها مشورته وقيامها بالسفر مع عدم قناعته، لكنه يبقى السند الذي سيقف معها بقوة وتشعر بالإطمئنان لوجوده، تنفّست بثقة وخفّت عليها الوطأة، أدركت في هذه الساعة أن إلانسان لا يتخلى عن حلمه وآماله أبدا ً، ولا يأبه بما قضمته السنون من حياته، الإحساس بتقدم العمر صراع باطني، ما هي إلا دقائق حتى حضر طبيب ومعه اثنان من الكادر الصحي محصنين باللبس الواقي لأخذ العينات من الفم والأنف والبلعوم، قاموا بقياس الضغط ودرجة الحرارة بحذر شديد وتعقيم مستمر، طمأنها الطبيب أن حرارتها وضغطها طبيعيان، كان ذلك خيط أمل أعاد لها القليل من ثقتها بالنفس.
معظم الكتاب يكتبون عن الوباء بشكل أو بآخر، الوباء فرض نفسه على الحياة بكاملها، وأجبر الناس على دخول السجن داخل البيت، وباء غير متسامح ولا يصدر أي إعفاء، من يخرج ولا يلتزم بالتعليمات الصحية سيقتنصه ويرمي به إلى تحت التراب، يؤكد الكاتب الليبي"محمد الأصفر" (معظم الكتاب العرب كتبوا عن المكان، لكن الطبيعة والبيئة والجغرافيا والمناخ فلم يتم التناول بشكل شامل، تم التطرق اليها في بعض الروايات في طور قليلة لا أكثر، لم تكن الطبيعة تشغل الكاتب العربي، كان يشغله التاريخ والديكتاتورية والحياة اليومية وأخيرا ً ثورات الربيع العربي، والهجرة غير الشرعية والإرهاب، الآن يتناول الطبيعة وما تعج به من فيروسات).
من هنا أستطاع الروائي"علاء المرقب"أن يروي حكايته عن هذا الفيروس الغامض، وأستطاع من خلال السرد بالكتابة والمحادثة أن يخفف من آلامه النفسية وأن يتناول الطبيعة وفهم ومعرفة شاملة ما يجري عن الأحداث الجارية وأختيار كبار السن كمرحلة جديدة للفرصة والقوة،العمر ثمن باهض جدا ً تدفعه ثمنا ً للنضوج.
في الثانية عشر ليلا ً زارت"أم حمزة"طبيبة لقياس ضغطها وحرارتها فطمأنتها وشجعتها رافعة معنوياتها بعد إخبارها أن الأمر لا يتعدى الشك وليست هناك أدلة طبية عن إصابة مؤكدة، وفي حال ظهور التحاليل سلبا ً فيمكنها المغادرة دون تحفظ، جربت الأتصال على إبنها "حمزة" وبالفعل أجابها ثم تكلمت مع إبنها الآخر"ناطق"، ولم تمض إلا دقائق حتى أتصل بها"أبو حمزة"وأطمئن عليها بعد أن عاتبها: هل رأيت ِ كثر تنبيهاتي لك ِ ؟ هذا ما جنيناه من سفرك ِ، وبعد العتب رأت من الأفضل أن تودعه، وبعد أتصالات أوسع توجه"أبو حمزة"الى مدير الصحة وطلب منه أن تخرج زوجته من المشفى وتحجر في داخل بيتها مع إتخاذ كافة التدابير الوقائية، لكن لم يجد صداه والذي أستغرب طلبه فمن الصعب أن يتم ذلك في ظل الشك بأنها مصابة بهذا المرض.
وبعد هذا الرفض حصل"أبو حمزة"على الموافقة بأن يكون مرافقا ً لها فترة بقائها داخل المشفى في حالة حجرها بغرفة خاصة، ظهر"أبوحمزة"وكأنه أحد موظفي المشفى بملابسه الواقية وقناع الرأس فلا يظهر منه سوى عينيه، ياترى كيف سيحتمل كل تلك القوانين وهو يعيش في غرفة مغلقة لوقت لا يعلم متى ينتهي؟ أقترب من زوجته حتى يصبح يقف أمامها مباشرة فأنتبهت لذلك رافعة رأسها نحوه قال لها:
أنبئيني ماذا جنيت ِمن الأصرار على السفر؟ طلبت منك ِ أن نسافر سوية لكنك رفضت ِ وطلبت منك ِ أن نسافر إلى بغداد وأنت ِ رفضت ِ أيضا ً.
الكورونا مجهول قادم، الوباء هو شغل الشارع، البصرة تبدو بشكل مختلف عما كانت عليه، لم تعد هناك مقاييس خاصة لحجم الخطر المتكاثر كالبكتيريا والمتضاعف بشكل مهوّل، كل مصاب بالحمى أو الرشح يعرض للحجر حتى تثبت سلامته، فأصبح المواطن يخشى المراكز الصحية أكثر من خشيته المرض نفسه، الشمس جميلة جلية تنشر أشعتها على أطراف الأشجارومياه شط العرب فتبعث في النفس راحة مع زقزقات العصافير، صباح يدعو للتفاؤل،أستيقظت"أم حمزة"عند الفجر لتصلي كانت حالتها طبيعية ولا تشكو من شيئ، بقيت تدعو بعد الصلاة وأنشغل زوجها بالتسبيح متابعا ً نور الفجر، شعر بالراحة وهو يلمس يدا ً خالية من حرارة كان يتوقعها، نهضت لتجلس إلى جانبه طالما أفتقرت لهذه العناية وهذا الأحساس، أين كانت تلك المشاعر وأين شعورها بالحب الذي تشعره الآن، لم ِ لم ْ تشعره قبلا ً ؟ ماالذي منعها أن تصل لما في قلبه، أم كان قلبه لا يحتوي كل ذلك هو لم يتكلم شيئا ً، لكن نظرته ولمسته منحاها الكثير مما بحثته طوال خمسين عاما ً، يشعر كل منهما بأن الحب الراكد بينهما وجد ضالته، وأنفتق كوردة تتفتح فجرا ً، لقد عرف كل منهما في تلك الأيام كما لم يعرفها قبلا ً، يولد هذا الحب من رحم حب قديم، فكان كالفجر من عمق الظلام، قطرات المطر بدأت تبشّر بالهطول، تراكم الغيم ينبئ بأمطار غزيرة قادمة فالرياح باردة وقوية والغيم يزاحم أطراف المباني العالية، والكل يستظل بجدار المشفى، وبعد التأكد من سلامتها من المرض سمح لها بمغادرة المستشفى واستقبلت بفرح وسرور، قرر"ابو حمزة"السفر مع زوجته إلى بغداد إسترجاعا ً للذكرى الخمسين لزواجهما حيث يجلس مستذكرا ً أقسى وأجمل ما فات من أيامه وبجانبه الزوجة الوفية التي تستحق الحب والمغامرة بالحياة من أجلها.
إن طبيعة الوباء الملحمية والعالمية قد تقتضي المعالجة الفنية الناضجة لها عبر زوايا مختلفة في الرواية أنعكاسا ً ضروريا ً في السينما، لاسيما وأن الخيال السينمائي هو الذي نعيشه اليوم في واقعنا مع هذا المرض غير المتوقع مطلقا ً، ولعل الرواية هنا ستشتغل على الواقع بمنضور تعبيري أدبي يغذي شاشة السينما وهذا ما يؤكده الكاتب السوداني"محمد جميل أحمد"كوجهة نظره في هذا الصدد، عالمية الوباء وملحميته لابد أن تترك أثرا ً عميقا ً في وجدان الروائيين.