الأربعاء ٢٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٩
بقلم ميمون حرش

حوار مع الكاتب المصطفى كليتي

المصطفى كليتي كاتب مغربي معروف، لا يحرث أرض إبداعه إلاّ إذا تأكد من أن التربة خصبة، وما يزرع فيها يُرجى جناه كدوحة وارفة الظلال، يكتب القصة القصيرة جداً (القصيصات كما يحب أن يسميها) بألق، وحب، وافتنان، تدعمه في ذلك موهبة، ودراية، وقراءات مكثفة.. هو ليس"فقط"كاتب، بل فنان يسلك طريق النحل على حد تعبير الدكتور يوسف حطيني...
و"فقط"، وهي عنوان آخر أعماله في القصة القصيرة جداً، كلمة خفيفة على اللسان، وثقيلة في ميزان الإبداع.."فقط"ثقيلة في الطرح، والسبك، والتلوين كرسم بديع، يسر الناظرين إليه..
"كليتي"هو كاتب فرع اتحاد كتاب المغرب بالقنيطرة؛ لاسمه، في خريطة السرد المغربي، مكانٌ متميز، هو مكتنز"صحة"في الجسدين: النفَس، والسرد القصصي، هادئ، لا يتكلم كثيراً، ولا يحب الأضواء، لكنه"فيض"هادر كلما"أبدع"، يأتي على الأخضر اليانع، في نصوصه، ويحول اليابس فيها إلى رطبٍ أخضرَ يلحق بالأول في تناغم، وانسجام، ولعل"كتابه الأخير"فقط"خير دليل بشهادة نقاد مرموقين، وكثيرين، اعترفوا له بفضل الإجادة في كتابة القصة القصيرة جداً، وله أيضاً:

"موال على البال"عام 2008- المطبعة السريعة بالقنيطرة.
"القفة"عام 2019- دار الحرف بالقنيطرة.
"ستة وستين كشيفة"عام 2013-مطبعة القرويين بالدار البيضاء.
"تفاحة يانعة وسكين صدئة"- دار الوطن –الرباط
"فقط"عام 2017 - مطبعة سليكي أخوين بطنجة.
مرحباً بك في حوارات العرين أستاذ سي المصطفى..

س- الكنابة في القصة القصيرة جدا لديك في تصاعد مستمر، وبألق لافت، هذا التراكم، كيف تنظر إليه بعد رجع صدى قرائك؟

ج- النزوع إلى جنس أدبي معين ضرب من الإيمان يقتضي الوفاء والإخلاص، فحينما أكتب قصة قصيرة جداً لهث للقبض على الجمر، ففي قصر حجمها وقلة كلماتها، ضنى وتعب كذلك النحات الذي يستخلص من كثلة الحجر الصلب تحفة فنية تسر الناظرين، ولعل التراكم و الاجتهاد وحسن الإنصات لتجارب أخرى يغني المسار ويرفده بتغذية راجعة، فنحن،لما نكتب، لا ننطلق من فراغ وإنما هناك نصوص غائبة تسكننا سواء المقروءة أو الثاوية في تجاويف الذاكرة أو أخصبتها المعاناة والتجربة الذاتية، يسرني جداً ما ألقاه من ردود فعل نقدية مواكبة لنصوصي مما يجعلني أعتز بما أكتب بدون أن أنسى بأن هناك دوماً حلقة منقوصة تدفعي بشكل مستمر للقراءة والبحث وجميل التريث حتى لا أسقط في النمطية والتكرار.

س- يبدو أن لك موقفاً من"القصة القصيرة جدا"كتسمية، وتستعيض عنها ب"قصيصات"كما تحب أن تتصدرها مجموعاتك؟ لماذا الخروج عن"المتداول"؟

ج - نستهلك مصطلحات وتسميات وموافقات قد تكون غريبة أحياناً عن أنسيتنا وثقافتنا وحضارتنا، ولاسيما واللغة العربية غنية بالاشتقاقات وبمد لغوي لا ينضب، فلماذا لا نتبنى معجماً يتوافق مع خصوصياتنا ورؤيتنا، ولاسيما ونحن ننتمي لمهاد حضاري غني بالسرد وفنونه من الحكايات الممتدة في"ألف ليلة وليلة"وغيرها من المرويات والمحكيات، فبدل قصة قصيرة جداً نعوضها ب"أقصوصة"ومع ذلك مجرد ترجمات من مضان أجنبية أخرى قد تكون بوعي فني أو دونه، هذه مجرد وجهة نظر قد تحتمل الصواب أو الخطأ.

س- ما راكمته، لحد الآن، في القصة القصيرة جداً نال رضى القراء، والنقاد خاصة، ويبدو أن مجموعتك الجديدة و الآخيرة"فقط"طفت على السطح مقارنة مع كتبك السابقة، وحصدت استحساناً.. بكلمة:ما"الوصفة"؟

ج- حسب ملتي واعتقادي لا توجد وصفة مطلقاً في الإبداع، وكل مبدع يبقى نسيج وحده ولما هو إبداع أصلا؟ بيد أن المبدع يومئذ يرتكز على تجربة الكتابة وهي مرة وقاسية وتقتضي الصبر والتحمل وطول النفس وعدم العجلة والتسرع، وفي نفس الوقت فتح"ورشة"للتكوين بله وإعادة التكوين وتجديد معارفنا ومدركاتنا، فالكتابة الحقيقية استنارة وجدل فكر وعليها أن تكون مساهمة في النقاش الفكري العام، ولا تبقى حبيسة مجالها الأدبي الضيق، فالكاتب عليه أن يقرأ كثيراً في مجالات مختلفة ترتبط بالعلوم والآداب الإنسانية انطلاقاً من التاريخ والفلسفة إلى آخر مبتكرات التكنلوجية والذكاء الصناعي، فالمعرفة زيت مضيء لقنديل الكتابة، ولاسيما ونحن ننتمي لعصر له مواصفات خاصة والأجهزة المفاهيمية للمتلقي في زمننا لها أشراطها ومقتضياته.يثلج صدري الاحتفاء النقدي لمجموعتي القصصية:"فقط"، التي استغرقت مدة كتابتها سنوات ثلاث بالتمام والكمال، وأهديها عنوة لعشاق القصة القصيرة، في وقت انصرف عن كتابتها الكثير من الدخلاء أو أدباء الصرعات الأدبية الحديثة غير أن القصة القصيرة جداً أو"القصيصة"كما أحب تسميتها بالتحديد، فن كتابي جميل يترسخ وجودها في التربة الأدبية عبر المنتجين الحقيقين لهذا الفن المستعصي والمنيع والراقي والمواكب للحظة الحضارية الني نعيشها وليس مجرد ظاهرة أدبية ستتلاشى مع وتيرة الزمن، أعتقد على أن كل تفوق أدبي يلزم صاحبه رهانات تجاوزه والبحث المتواصل عن أراضي بكر لحرث الكتابة.

س- دعنا نقف على لوحة كتابك الجميل"فقط"، رسم اللوحةَ الفنان عبد الكريم الأزهر، عبارة عن تشكيل يغلب عليه سواد في شكل دائرة غير مكتملة، داخلها ينزاح ماء يعوم فيه رأسان، أحسبهما ذكراً وأنثى وفوقهما بطة سابحة، ورغم أن الدائرة تحتها كوة مفتوحة، فالماء، مع ذلك، لا ينساب أبداً، وبالمقابل وحدهما الرأسان هما اللذان ينزلقان، الرأس على اليمين وهو لامرأة يقطر ما يشبه جداراً أو صومعة، بينما الرأس الثاني ينفث سواداً على شكل طائر، فوق رأسه وردة بوريْقات يانعة وحمراء اللون، وإذا قابلنا الرسم بشكل مستطيل تتبدى لنا بومة، في قمة، متوجة كملكة،.. ما علاقة هذا التشكيل بنصوصك في"فقط".. أريد أن أقرب القارئ"فقط"بهذا العالم السار.

ج- سؤالك حول غلاف الكتاب وهو عتبة أساسية تدخلنا لعوالمه، ليس مجرد سؤال مسكوك بل هو ضرب من المقاربة النقدية والبحث عن أغوار الكتاب من خلال اللوحة المتميزة والتي أنجزها فنان تشكيلي مغربي عالمي مرموق: عبد الكريك الأزهر وله باع طويل في تصميم أغلفة الكتب، فقد سلمته مسودة الكتاب لمدة طويلة، وعمل بلمساته الفنية على محتقديم الكتاب في حلة جمالية اتشحت بموهبته وفنه، في الحقيقة لا أجد تأويلا حرفيا لما أنجزه وإنما هو توطئة تشكيلية وعتبة تفتح شهية المتلقي على تضاريس االنصوص القصصية، والمجاورة التشكيلية للعمل ال[داعي قد تشغل آليات التحليل والتأويل كما ورد في سياق سؤالك الملامس لخلفيات اللوحة وشواغلها.

س- وزعت قصيصاتك في أضمومة"فقط"على أربع مجموعات وهي:

1 –"مسامع القلب"(33 قصة).
2 -"سين شاهد عيان"(25 قصة)
3-"زوم عن تلك الشجون"(35 قصة)
4- أخبار عن الحاكم بأمره (31 قصة)..

ومجموع النصوص هو 121 قصة قصيرة جداً متفاوتة في الطول، وتختلف في التيمة والطرح والسؤال، هنا، ماهو الداعي لهذا التقسيم؟ وما الغرض منه؟ ثم لماذا يحصد"زوم"حصة الأسد في توزيع النصوص؟

ج- مشروعي في القصيصات أو القصة القصيرة جداً، ينطلق من مجموعة"ستة وستين كشيفة"ثم"تفاحة يانعة وسكين صدئة"لأقف عند أضمومة"فقط"فهي في الحقيقة ثلاثية لمن يريد أن يرصد تجربني المتواضعة في هذا المجال، وكنت أكتب نصوصاً متواترة بتيمات مختلفة منها العاطفي والمبني على السياق اليومي والانتقاد لواقعنا السياسي، ومع تعدد النصوص وتنوعها توضحت الصورة ورؤيا الكلية للكتاب فقسمتها كما سلف الحديث إلا أربع وحداث أساسية، الغرض من كل ذلك تقريب العمل على شكل تيمات منتظمة ومترابطة تمتع المتلقي وتوحد قراءاته وتعامله مع النصوص، فعملية التنسيق بين النصوص في المجموعة الواحدة عملية أساسية وبنائية لكي تشكل للقارئ تنوعاً وجاذبية ومتعة زائدة، لم يكن في حسباني أن يكون العدد أكبر هنا وهناك مع العلم بأني حذفت وألغيت عددا كبيراً من النصوص حتى أحافظ على الإيقاع العام للمجموعة، وحدة"زوم عن تلك الشجون"أتت أكبر من غيرها ربما للحوادث والأسئلة التي تشغلني في الحياة اليومية وهي المادة الأساس التي تنهض عليها كتاباتي.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى