الاثنين ٣١ آب (أغسطس) ٢٠١٥
بقلم هدى كاردينيا

حييت سفحك

جئتك معفرا بهموم الحياة. حاملا كأسي لأملاها بتفاصيل لذيذة لأيام حلوة تاقت لها نفسي.
لرؤية وجهك الباسم مشرق الأسارير وشاطئيك الضاجين فتنة وسمر. تنثر ضحكاتٍ، تتلألأ كماسات على قطعة مخمل أزرق يهيم بها كل من غشى و يغشى ضفتيك.

جئتك علّي اغتسل بفرات مائك لنلتحم معا في لحظات سعادة ما نسيت طعمها منذ الصغر.
لا يعكر مزاجك الرائق زورق يشق صدرك أو مناكدة صبية يرشقوك بحصى تتقافز على مياهك تقافز الجنادب في الحقول بل تهش لهم وتلاعبهم بحملهم على ظهرك لتدور بهم في أفعوانية لا تضاهيها أكبر إفعوانية مدن في العالم.
وكم كنت تفرح حين تمطرك حبات البرد بوابل من ترسانتها لترصع وجهك بغمازات تزيده جمالا وسحرا.

كم جريت أسابقك في صباي، حتى تكِّل قدماي الصغيرتان عن حملي، لكن كبريائي وروحي المشاكسة تمنعاني من التوقف.
فتبطئ سَيرك مبتعدا عني؛ تلاطف قارب رجل بسيط يبغي رزقا من كنوز تجود بها مياهك.

جئتك مترنما بأبيات للجواهري
حييت سفحك عن بعد فحييني
يا دجلة الخير يا أم البساتين
حييت سفحك ظمآنا ألوذ به
لوذ الحمائم بين الماء والطين

جئتك مشتاقا، ظمآنا ومتأملا ارتشاف قدح من فيض عذب أيامك، فإذا بي أراك وقد غاضت مياهك واعترى ضفتيك ذاك الصمت الصارخ أسىً ترتدي ثوب حِدادٍ.

اين عنفوان مياهك التي تفور شبابا وثورة؟

أمللت ضيوفا لطالما عجّت بهم ضفتيك؟

أم كلما رفعت هامتك، هالك موت نخلات يانعات، كُن يتغنجن بغرر سعفاتهن الخضراء وأقراط تمورهن الذهبية؟ وقد اجتثّت غررهن وقطِّعت اقراطهن والتهمتها وحوش أسمنتية حديدية؟

أم هزمتك جنية الأعماق التي لطالما ترصدت غفلة احد أبنائك، لتسحبه الى أعمق أغوارها، وتمتص رحيق صباه أو شبابه؟ لكنك ما أن تفتقده حتى تضج مياهك غليانا وأزيزا لكأنها رفيف رئات عمالقة تزأر غضبا؛ لا تهدأ حتى ترجع به محمولا على ظهرك؛ تزفه مويجاتك في موكب مهيب فتُنزله حيث اهله.

أتراها تناسلت وتكاثرت فتكالبت و سلالتها عليك، وأنت وحدك؟

فنَزَلت تنكيلا وتقطيعا بجثث ابنائك حتى اختلطت دماؤهم الزكية بمياهك؟

أم حزين على بناتك اللواتي كن يسررن أليك بأول نبضة خفقت لها قلوبهن الطاهرة وقد سُبين واغتُصبن وعُفرت أجسادهن الطاهرة بتراب غدر وخيانة وهن يبعن في اسواق النخاسة.

فهن بين ما كن به من طُهر وخِدر بين أهلهن وبين خزي ودنس يلبسهن كابوساَ تلو آخر.
فيلذن بمياهك علّها تغسل أجسادهن من أدران خطايا لا ذنب لهن فيها؟

يا دجلة الخير جئتك حاملا كاسي لأملأها من خزين ذكرياتي معك، فرجعت بقدح مليء بمرارة واقع يُعاشُ على مضض.

يا دجلة الخير هل هانت مطامحنا
حتى لأدنى طماح غير مضمون
يادجلة الخير: والدنيا مُفارقة
وأيُّ شرٍّ بخير ٍ غيرُ مقرونِ
وأي خيرٍ بلا شرَّ يُلقٌحَه
طهرُ الملائك منْ رجس الشياطين

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى