رؤية ثقافية لثورة 25يناير
صدر للأديب "السيد نجم" كتاب "ثورة 25يناير.. رؤية ثقافية ونماذج إبداعية" عن سلسلة "إبداعات الثورة" عن هيئة قصور الثقافة. هذا الكتاب ليس ببليوجرافي للثورة، وان لمس القارئ قدر غير قليل من جملة ما نشر بالصحف والمجلات، وما تم تدوينه على الشاشة الزرقاء فى المدونات والفيس بوك وتويتر، وأيضا بعض الكتب التي نشرت.. فى محاولة للبحث عن البعد الثقافي للثورة.
وقد عمل على إبراز دلالة أن الثورة 25يناير، هي ثورة ثقافية.. بداية من توظيف تقنية ثقافية جديدة (الشبكة العنكبوتية).. إلى جيل شاب جديد، أكد مقولات نظرية حول تعريف "المثقف" الجديد مع التقنية الرقمية.. إلى ملامسة أفكار الثورة (دوافعها وتأثيراتها اليومية).
الكتاب محاولة للبحث عن "الجوهر".. عن "الثقافي" الباقي والمتنامي، خلف كل ما هو ظاهر وقد يبدو أحيانا غير سار وغائم! وبالتالي للبحث عن البعد الحقيقي والقادر على تنمية المجتمع، ذلك بالبحث عن الملامح الثقافية فى أحداث ومعطيات تلك الثورة، بداية من الوسيلة (فهي ليست ثورة نهض بها الجيش بقوته الضاربة، ولا هي ثورة نهضت بها أيديولوجيا حزب أو اتجاه تجمع فكرى ما، ولا هي ثورة تجمع فئوي أو نقابي أو عمالي!) بل هي ثورة اعتمدت على عنصرين: الشباب ووسيلة ثقافية معاصرة (ثم جموع شعب).
ثم كان المنتج الذهني اليومي طوال 18يوما قبل سقوط رأس النظام.. بداية من الشعارات التي رفعها الثوار.. إلى التدوينات التي سجلها الجميع على الفيس بوك والتويتر والمدونات.. إلى جملة ما أبدعة البعض من أشعار وقصص، فيما نشرت القليل من الروايات خلال عام2011م.
أوضح الكاتب أن العلاقة بين الإعلام الرقمي والمقاومة/ الثورة والمثقف معا، معقدا بحيث يدخلنا سريعا إلى حلقة "العولمة" غير المحددة. من هنا بدت تجربة ثورة 25يناير الثقافية رائدة للتجارب الثورية المعاصرة كلها، حيث جاء دور (المثقف) المسلح بمفاهيم المقاومة والواعي بالتقنية المتاحة أمامه.. حتى يمكن القول الآن، أن الثورة المصرية، أثبتت افتراضية نظرية تناولتها الأقلام حول مفهوم الثقافة مع التقنية الجديدة: أن أصبحت الثقافة مرادفة لمفهوم التنمية فى القرن الجديد، كما أصبحت تكنولوجيا المعلومات رافدا للثقافة.
كما تناول الكاتب التعريف بمفهوم "الثورة" وأنواعها.. الثورة هي عمل يتسم بالعنف، جماعي، موجه ضد السلطة القائمة، من أجل أهداف مشروعة، وهى ظاهرة فاعلة ومؤثرة في التاريخ السياسي للجماعات البشرية.. الثورة هي ظاهرة إنسانية، أزلية/ أبدية، رصدتها صفحات التاريخ، ولا ينتظر أن تختفي.. الثورة هي التعبير العنيف الظاهر، نتيجة الصراع الخفي، بين جموع الأفراد والسلطة/ الإدارة القائمة عليها.. وغيرها.
التعريف الحديث للثورة: الثورة هي التغيير الذي يحدثه الشعب من خلال أدواته، مثل "القوات المسلحة" أو "المنظمات والتجمعات الشعبية مثل النقابات".. وقد تندلع الثورة من خلال قادة وشخصيات، غالبا تتبنى فكرا جديدا، مثل "غاندي".
أما أنواع الثورات.. أولها.. الثورة الشعبية: وهى تلك التي يتبناها ويسعى إليها ويحققها، جموع الناس فى بلده.. ويعبر عنها الآن بثورات "الربيع العربي" فى تونس- مصر- اليمن، وجملة ما ترصده وسائل الإعلام فى عدد من البلدان العربية.
ربما أشهر نماذج الثورات الشعبية فى التاريخ الحديث هي الثورة الفرنسية عام 1789م.. وفى التاريخ المعاصر، ثورات أوروبا الشرقية عام 1989م.. ثم ثورة "أوكرانيا" المعروفة بالثورة البرتقالية في نوفمبر 2004م.
النوع الأخر هي الثورة العسكرية: وهي التي قد تسمى انقلابا، كما ثورة 23يوليو بمصر، وتلك التي شاعت وسادت فى قارة أمريكا الجنوبية (اللاتينية)، خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. وقد تبدأ الثورة العسكرية على شكل مقاومي، حيث تنشط المقاومة المسلحة فى مواجهة محتل أو مستعمر.. مثل الثورة الجزائرية (1954-1962م).
بينما أوضح الكاتب "خصائص الثائر" بالتالي: الثائر هو شخصية تتسم بالايجابية والتفاعلية، لدية ما يبرر به سلوكه الرافض، مع الشعور الكامن لديه من الإحباط بسبب تراكم المشاكل، والشعور بالغضب لعدم حل تلك المشاكل. وغالبا ما يكون هذا الإحباط والغضب شائعا بين أفراد الجماعة من حوله. فالخروج للثورة وان بدا سلوكا فرديا، فهو معضد من الجماعة حتما، وإلا فشلت الثورة. لذا كان ارتباط مصطلح الثورة، بدلالة مقولة "الإرادة الشعبية"..
وتتنوع النماذج الإبداعية التي طرحها الكاتب.. بداية من الشعارات التي حلل دلالاتها، مثل تلك التي جاءت مواكبة للأحداث، أو تلك التي تبرز أسباب الثورة، وتلك التي تخاطب الخصم بالاسم أو الوظيفة أو الهوية، وكذلك تلك التي تخاطب الشهيد.. أما الشعارات الضاحكة فهي كثيرة ومتنوعة، مثل "ارحل.. عاوز أتجوز"، "ارحل.. مراتى وحشتني"، "ارحل بقى.. ايدى وجعتني"...
كما كان الفصل الخاص بالتدوين من الفصول اللافتة، وأشار الكاتب إلى أهم المدونات التي شاركت فى الثورة، مثل مدونة "عبدالرحمن منصور" وهو من الرعيل الأول الذي مهد لتجميع الشباب، ومنذ حادثة خالد سعيد. ومدونة "إيمان محمد" التي اتسمت بالموضوعية والتحليل السياسي والعلمي. كذلك عرض الكاتب لعدد من المدونات التي ولدت مع مولد الثورة وتابعت الأحداث دقيقة بدقيقة، وبلورة مفهوم الإعلام البديل.
جاء الفصل الخاص بالشعر، معبرا عن تفاعل كل الأشكال الشعرية ودارسه وأنماطه.. شعر تقليدي، شعر التفعيلة، قصيدة النثر، الشعر العامي والزجل.. ونماذج للشعراء: "أحمد فؤاد نجم، حسن النجار، اشرف الشافعي، إبراهيم عطية، وغيرهم. وتوقف مع الشاعرين "محمد فريد ابوسعدة" و"سعدي يوسف". فيما أشار إلى أول كتاب شعري للناقد "احمد عبدالرازق ابوالعلا ".
ثم فصل السرد القصصي والروائي، الذي كشف فيه عن قلة إنتاج القصة القصيرة نسبيا عن القصائد الشعرية، واقلهما إنتاج الرواية. فأشار إلى قصص "محمد محمد مستجاب"، "منير المنيرى"، "السيد نجم".. ثم كانت روايات "هشام الخشن"، "أسماء الطنانى"، والنص السردي الطويل للكاتب المربى "محمد سعيد الريحاني".
إن جملة ما تم عرضه ليس حصرا لإبداعات الثورة، ولكن كان حرص الكاتب أكثر على التقاط كافة الأنماط والأجناس قدر المتاح.. وهى كثيرة ومتنوعة، بقدر عظم الحدث.. ثورة