الاثنين ١٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٩
بقلم محمد زكريا توفيق

رواية 1984 لأورويل

بطل روايتنا، وينستون سميث، مواطن غلبان من دولة اقيانوسيا. هي إحدى الدول العظمى الثلاث الموجودة في ذلك الوقت. الدولتان الأخريان هما أوراسيا، وشرق آسيا.

نحن الآن في عام 1984م، الرواية كتبت عام 1948م. أي إنها تتنبأ بما قد يكون عليه الحال في المستقبل. وينستون يعيش في مقاطعة إيرستريب (انجلترا سابقا). هو عضو في الحزب الحاكم الذي يحكم اقيانوسيا بنظام اشتراكي يسمى "انجسوك"، أي "الاشتراكية الانجليزية".

داخل الحزب، الصفوة هي التي تحكم بنظام هرمي. الباقي أعضاء عاديون. خارج الحزب، نجد عامة الشعب والبسطاء من الناس. يعيشون في فقر مدقع، لكنهم في حل من التزامات الحزب وتعليماته الملزمة للأعضاء.

رئيس الحزب هو "الأخ الأكبر". صوره الضخمة الموجوده في كل مكان في لندن، تبين شعره الاسود الداكن وشاربه الكثيف. بعض الصور تكون مصحوبة بجملة "الأخ الأكبر يراقبك". الحزب يتبنى ثلاث شعارات، هي: "الحرب سلام"، "الحرية عبودية"، الجهل قوة".

أثناء الثورة على الرأسمالية والتحول الاشتراكي في اقيانوسيا، فقد وينستون أبويه وأخته الصغيرة. لذلك وضع في ملجأ للأيتام وأدمج في نظام الحزب. الآن، هو يعمل في أرشيف وزارة الحقيقة.

وزارة الحقيقة، تختص بالدعاية وكل إصدارات الحزب. تقوم أيضا بإصدارات جديدة، تزور فيها التاريخ وتمحو أبطاله إن لزم الأمر، حتى تبدو الأمور على ما يرام. الوزارات الثلاث الأخرى هي: وزارة الحب وتختص بالقانون وشئون المساجين. وزارة السلام وتختص بالحرب. وزارة الوفرة وتختص بإنتاج أشياء مثل، "سجاير النصر"، "خمور النصر"، "بن النصر"، وهي كلها منتجات في منتهى الرداءة.

لم يكن وينستون في يوم من الأيام مغرما بمبادي حزبه الصارمة، خصوصا تزوير أحداث التاريخ لخدمة أغراض الحزب. هو إنسان بسيط يحب الحياة وممارسة الحب والحرية. لكنه لم يكن يجرؤ على البوح بما يكنه إلى أحد، خوفا من عقوبة الإعدام.

مثل هذا الأفكار تعتبر جرائم فكرية، يعاقب مقترفها بشدة. تؤدي حتما إلى الاعتقال والتعذيب والموت في كثير من الأحيان. في بداية الرواية، نجد وينستون يجلس في شقته المتداعية والتي خصصها له الحزب، لكي يكتب مذكراته.

شقته، مثل باقي شقق أعضاء الحزب، مزودة بشاشة تليفاز تنقل أخبار الحزب ودعايته، كما أنها مزودة بكاميرا وميكروفون، يتيحان لشرطة الفكر مراقبة أعضاء الحزب طول الوقت.

في اقيانوسيا، لا توجد خصوصية. لكن لحسن حظ وينستون، وجد زاوية في شقته بعيدة عن كاميرات المراقبة. في هذه الزاوية، بدأ يكتب مذكراته. لكن للأسف في الرواية ، سوف تكتشف شرطة الأفكار أمره وتقبض عليه وتعذبه.

وينستون يدون في مذكراته كل ما يتعلق بحياته وحزبه. ينقل صورا كريهة تنم عن شعور مضاد، واضح أنه غير مقتنع بمبادئ الحزب. عندما سمع قرعا على الباب الخارجي لشقته، أصيب بالهلع ظانا أنه قد تم كشف أمره.

لكن تبين أن جارته السيدة بارسونز، كانت تحتاج إلى مساعدته في تسليك بالوعة المطبخ. يستجيب وينستون لطلب السيدة، ويذهب إلى شقتها فيجد طفلين لها أعضاء في منظمة الشباب والجواسيس بالحزب. يتنبأ وينستون بأن مثل هؤلاء الأطفال سوف يبلغون شرطة الفكر عن آبائهما الأبرياء. يبدو أن مثل هذه المآسي كانت شائعة جدا.

في وزارة الحقيقة، حيث يعمل وينستون، يجد نفسه محاطا بأعضاء الحزب الأوفياء. هذا يمنع أفكاره من الانتشار. يتعرض هو ورفاقة يوميا إلى فترة دعاية مدتها دقيقتان. بهدف تأكيد الكراهية ضد أعداء اقيانوسيا، وهما دولة أوراسيا، وزعيم المعارضة إيمانويل جولدشتاين.

تتملك وينستون رغبة جامحة لمعرفة أسرار الماضي المحجوبة عنه وعن رفاقة. يعتقد أن هذه الأسرار سوف يجدها بين عامة الناس في الشوارع. لأن هناك قد يوجد أمل في تغيير هذه الأوضاع.

يقابل رجلا عجوزا من عامة الشعب. عند التحدث معه، يكتشف أن جل اهتمامه هو مشاكله الشخصية. ما يشغل بال وينستون لا يعنيه في شئ. ثم يذهب إلى متجر الخردة المعتاد زيارته، المملوك للسيد تشارينتون.

يرى في مكان العمل امرأة بشعر أسود فاحم كانت تراقبه، يعتقد أنها من شرطة الفكر. إلا أنها في يوم من الأيام، تدس له قصاصة ورق مكتوبا عليها بخط اليد "أنا أحبك". يدهش وينستون ويتحمس، لأنه كان يتشوق لقيام علاقة عاطفية بينهما.

أي علاقة بين رجل وامرأة من هذا النوع، يجب أن تكون سرية للغاية. لأن الحزب يجرم أي علاقة عاطفية بين أعضائه. جهود الأعضاء يجب أن توجه إلى خدمة الحزب، لا أن تبدد في تبادل العواطف.

الزواج يتم بأوامر خاصة من الحزب. لقد مر وينستون بتجربة زواج فاشلة من هذا النوع. زوجته السابقة، كاثرين، كانت باردة شديدة الولاء للحزب، تحتقر الجنس وتعتبره من الأعمال الخسيسة الضرورية لإنجاب الأطفال بعد ترتيبات معينة.

بحذر شديد، يتقابل الحبيبان، وينستون وجوليا، بعيدا عن أعين الرقباء. خارج المدينة هناك في الغابة، حيث يمكن الكلام عن الحزب وتبادل العواطف. تتعدد اللقاءات السرية بينهما في الأماكن العامة، ويزداد الحب اشتعالا.

وينستون يكره الحزب ويعتقد أنه من الممكن الثورة ضده. جوليا تكره الحزب أيضا، لكنها تعلم جيدا أن الحزب مثل القضاء والقدر، لا تستطيع فعل أي شئ ضده.

يعود وينستون إلى متجر الخردة ليستأجر من السيد تشارينتون غرفة علوية، حتى يكون بعيدا عن كاميرات التجسس وأعين الرقباء. يتقابل الحبيبان عدة مرات في الغرفة المفروشة فرشا بسيطا. خارج الشرفة، يجد سيدة متوسطة العمر من عامة الشعب تنشر ملابسها وهي تغني أغنية تافهة من الأغاني التي عملتها وزارة الحقيقة للدهماء.

عضو آخر في الحزب يدخل حياة وينستون، هو أوبراين من وزارة الحقيقة. أوبراين رجل ذكي، يعتقد وينستون أن لديه نفس الشعور المناهض للحزب. يقترب أوبراين أثناء العمل من وينستون. فيعتقد وينستون أنه عضوا في حركة سرية مناوئة للحزب.

يقوم وينستون وجوليا بزيارة أوبراين، العضو المميز في الحزب، في شقته الفاخرة. يجد خادما ويلاحظ أنه يستطيع غلق أجهزة الرقابة والدعاية في شقته متى أراد. ينتقد وينستون الحزب ويقول رأيه بصراحة في الأخ الأكبر. يعطي أوبراين كتاب زعيم المعارضة جولدشتاين إلى وينستون ويطلب منه قراءة بعض الموضوعات.

يذهب وينستون إلى الغرفة المستأجرة ويبدأ في قراءة كتاب زعيم المعارضة جولدشتاين. تصل جوليا فيقرأ لها موضوعات عن تاريخ اقيانوسيا والرأسمالية والدكتاتورية.

عندما يستيقظ وينستون وجوليا، يفاجآن بصوت قادم من الحائط يقول: "أنتما أموات". كانت هناك شاشة تلفاز تراقبهما خلف لوحة معلقة على حائط الغرفة ولا يعلم بها وينستون. لقد تم الوقوع بهما.

في ثوان، اقتحمت شرطة الفكر الغرفة. يتقدمها صاحب متجر الخردة، السيد تشارينجتون. لقد كان عضوا سريا في شرطة الفكر. تم القبض على وينستون وجوليا ، وتم تسليمهما إلى وزارة الحب.

في زنزانة السجن، يرى العديد من سجناء الفكر. أحدهم قد أوشت به ابنته عندما سمعته أثناء نومه يقول "يسقط الأخ الأكبر". هذا ما قد توقعه وينستون من قبل. يرى وينستون عنفا شديدا غير مبرر يمارس على النزلاء. يلاحظ أيضا أن الحراس تذكر بصفة دائمة "الغرفة 101"، والتي يثير مجرد سماع اسمها حالة من الذعر غير عادية بين السجناء.

أخيرا يتضح الأمر مع وصول أوبراين إلى الزنزانة. هو لم يكن أبدا عضوا في المعارضة السرية. بل كان طول الوقت عضوا نشطا في وزارة الحب. كانت مجاراته لوينستون مجرد حيلة للإيقاع به.

يتم نقل وينستون إلى غرفة التعذيب. في البداية، كانت طرق التعذيب فظيعة. كان يجبر على الاعتراف بجرائم لم يقترفها، بما في ذلك الاغتيال والتجسس. بعد ذلك خفت حدة التعذيب التي يقوم بها زبانية الجحيم.

يتولى أمر تعذيب وينستون الآن أوبراين نفسه. يبدأ في تحطيمه نفسيا. يوهمه بأن ذاكرته معيبه، وهو مجرد بائس فقد عقله. كان الحديث بينهما، الخاص بالماضي والحقيقة، يبين لنا مفهوم الحزب لمثل هذه الموضوعات.

يعترف أوبراين بأن الحزب يبغي السلطة ولا شئ غير السلطة. أي السلطة من أجل السلطة. هذا هو سبب نجاح الحزب. الحزب دائما على حق. سوف يحكم العالم في يوم من الأيام.

لم يكن في استطاعة وينستون الاعتراض أو الماقشة. كلما حاول ذلك، كان رأيه يسفه وأفكاره تحطم، لأسباب ليس لها علاقة بالمنطق المتعارف عليه. فهو يؤمن بماض غير موجود، ومطارد بذكريات مشوشة.

لكي يبرأ وينستون ويشفى من علته، يجب أن يتغلب على جنونه، وأن ينتصر على عقله. ثم يستمر التعذيب بالصعقات الكهربائية وبالضرب والتجويع. يجبر أوبراين وينستون على قبول 2+2=5 ، إذا أراد الحزب ذلك. ذلك لأن وينستون كتب في مذكراته من قبل أن الحرية هي أنك تستطيع البوح بأن 2+2=4.

بعد محاولته النهائية للرد على أوبراين، يقوم الأخير بالسماح له بالنظر في المرآة. وينستون يتخطى حدود الرعب وهو يرأى نفسه قد تحول إلى هيكل عظمي مغطى بجلد آدمي. وجهه الآن لا يشبه وجهه السابق الذي يعرفه.

لقد تم تحطيم وينستون حتى النخاع. هو الآن مستعد لإعادة التأهيل. توقف صعقه بالكهرباء وضربه المتواصل. الآن يسمح له بالنوم وتقدم له وجبات غذائية. بدأ يستعيد عافيته بعض الشئ.

مع التعذيب، يتقبل وينستون الحزب كحقيقة مؤكدة. لكنه لا يزال يحتجز شيئا من نفسه وإنسانيته. حبه لجوليا. هذا جاء عندما كان نائما. صرخ بأعلى صوته وهو يحلم قائلا: "جوليا! جوليا! جوليا! حبيبتي".

لكي يكسر أوبراين ما تبقى لدى وينستون من إنسانية، عليه أن يجعله ينسى جوليا. نقله إلى الغرفة المرعبة 101. يوجد بالغرفة أسوأ شئ في العالم. جهاز تعذيب كان مستخدما في الصين قديما

جلس وينستون مربوطا على كرسي. ثم وضع على رأسه قناع زجاجي متصل بخرطوم في نهايته إناء زجاجي به فئران كبيرة جائعة. إذا تركت، فإنها لن تجد شيئا تأكله سوى وجه وينستون ورأسه وهو حي.

لم يستطع وينستون تحمل هذا. لم تطل مقاومته كثيرا. صرخ من أعماقه مستنجدا ب أوبراين، لكي يضع شخصا آخر بدلا منه في الجهاز، حتى لو كان جوليا حبيبته. هنا تم المطلوب، لقد نجح أوبراين وتخلى وينستون عن الشئ الأخير الذي يربطه بالإنسانية. لقد تخلى عن حبه لجوليا.

وينستون، الآن كائن آخر غير الذي كان، محطم النفس والروح والبدن ، عبارة عن صورة أو قشرة أو هيكل إنسان، خاوي من الداخل. تم الإفراج عنه لكي يعيش حياة جديدة ويصبح عضوا في هذا العالم الظالم الذي نعيش فيه.

في حياته الجديدة، يقابل جوليا مرة بالصدفة، لكن عاطفة الحب بينهما، قد ماتت ولم تعد موجودة. التعذيب جعل كل منهما يتخلى عن إنسانيته وعن حبه للآخر. لا أمل في عودتهما لهذه العلاقة ثانية.

يحصل وينستون على وظيفة تافهة بأجر معقول. يقضي وقته في "كفي شوب" يحتسي الخمر ويلعب الشطرنج ويتابع أخبار الحرب مع أوراسيا. ثم تأتي الأخبار بغير ما يرتجى بانتصار اقلانوسيا. لقد ضاع آخر أمل في تغيير الوضع. يتيقن وينستون والدموع تنهمر من عينيه بأنه قد تم تأهيله بالكامل لكي يصبح مواطنا صالحا في اقيانوسيا. إنه الآن يحب "الأخ الأكبر".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى