خريف البطريرك، صرخة ضد الدكتاتورية وحكم الفرد
من هو غابرييل غارسيا ماركيز؟
ولد غابرييل خوسيه غارسيا ماركيز في 6 مارس 1927، في مدينة أراكاتاكا بدولة كولومبيا. والدته هي لويزا سانتياغا ماركيز إيغوران، ووالده هو غابرييل إليجيو غارسيا. يعرف ماركيز، المؤلف والصحفي، الحاصل على الجوائز، ببساطة أسلوبه وحكمته الملحوظة. تم الاعتراف بماركيز كواحد من أبرز كتاب الروايات والقصة القصيرة في القرن العشرين.
لم يكن جده موافقا على زواج أمه من والده، غابرييل، عامل التلغراف. بعد ذلك، تم إرسال ابنها الأكبر من بين اثني عشر طفلا، للعيش مع جديه من الأم. ادعى ماركيز لاحقا أنه ورث حب كتابة الرواية من جدته.
في 6 ديسمبر/كانون الأول، في محطة قطار سيناغا، قتل حوالي 3,000 عامل موز مضرب بالرصاص على أيدي قوات من أنتيوكيا. تم نسيان الحادث رسميا، وحذف من كتب التاريخ في المدارس الكولومبية. بالرغم من أن ماركيز كان لا يزال طفلا أثناء هذا الحادث، إلا أنه ظل له تأثير عميق على كتاباته.
عندما كان ماركيز في الثامنة من عمره، توفي جده. في ذلك الوقت كانت جدته تقترب من العمى، وغير قادرة على العناية به. لذلك، أرسل للعيش في سوكري مع والديه وإخوته، الذين كان يعرفهم بالكاد.
حصل ماركيز على منحة دراسية لإكمال تعليمه الثانوي في الكلية الوطنية. هناك اكتشف الأدب وأعجب بمجموعة من الشعراء تسمى "الحجر والسماء".
في عام 1946، دخل ماركيز كلية الحقوق في جامعة بوغوتا الوطنية. هناك بدأ يقرأ كافكا وينشر قصصه القصيرة الأولى في الصحف الليبرالية الرائدة.
تأججت مسيرة ماركيز الأدبية، بما فيه الكفاية، بسبب فترة العنف السياسي الطويلة والقمع اللذين مرت بهما كولومبيا بلده في ذلك الوقت. في 9 أبريل 1948، أدى اغتيال المرشح الرئاسي الليبرالي هناك إلى ثلاثة أيام من أعمال الشغب.
كان أحد المباني التي احترقت، يدر دخلا شهريا لماركيز. وتم أيضا تدمير مخطوطاته وأوراقه الخاصة ومكان إقامته. كذلك، أغلقت الجامعة الوطنية التي كان يدرس بها. فاضطر للذهاب إلى مكان آخر.
ذهب ماركيز إلى الجامعة في قرطاجنة، واشتغل بالصحافة لدعم نفسه. في عام 1950 تخلى عن دراساته القانونية، وبدأ في كتابة أعمدة وقصص قصيرة لصحيفة إل هيرالدو، وهي صحيفة ليبرالية.
كما بدأ في الارتباط بمجموعة من الكتاب الشبان في المنطقة، المعجبين بالحداثيين أمثال جويس وولف وهمنغواي، الذين قدموا ماركيز إلى فوكنر. في عام 1954، عاد ماركيز إلى بوغوتا عاصمة كولومبيا كمراسل لصحيفة الاسبكتاتور.
نشرت رواية ماركيز الأولى، "عاصفة الأوراق"، من قبل مطبعة صغيرة في بوغوتا عام 1955. في ذلك الوقت، بدأ أيضا في حضور اجتماعات الحزب الشيوعي الكولومبي والسفر إلى أوروبا كمراسل أجنبي.
كما كتب روايته الثانية، "في ساعة الشر"، وبدأ العمل على مجموعة من القصص القصيرة بعنوان "لا أحد يكتب إلى العقيد". في عام 1956، كان ماركيز في باريس كمراسل لصحيفة الاسبكتاتور، عندما علم أن الديكتاتور روخاس بينالا قد أغلق الصحيفة.
أصبح ماركيز عاطلا في فرنسا. أعاد تذكرة عودته بالطائرة، وذهب للبحث عن عمل صحفي، واضطر للعمل في جمع الزجاجات الفارغة للمساعدة في دفع تكلفة الإيجار الشهري.
في العام التالي، تمكن من السفر إلى أوروبا الشرقية، والحصول على منصب محرر في صحيفة تصدر في كاراكاس عاصمة فنزويلا. في عام 1958، عاد إلى بارانكويلا للزواج من مرسيدس بارشا، حبيبة طفولته. ادعى أنها كانت تبلغ من العمر 13 عاما عندما تقدم لها أول مرة. عاشا معا في كاراكاس، من عام 1957 إلى عام 1959، بينما كان يعمل كصحفي وكاتب روايات.
في 1 يناير 1959، انتصرت ثورة فيدل كاسترو، وسار المقاتلون إلى هافانا. كانت هذه الثورة ذات أهمية حاسمة في تاريخ أمريكا اللاتينية المعاصر، ولا يمكن المبالغة في تأثيرها الكبير على ماركيز.
في ذلك العام، أصبح مراسل بوغوتا لوكالة الأنباء الكوبية الجديدة، “برينسا لاتينا". ومن الجدير بالذكر أيضا أن هذا العام، الذي أصبح ذا أهمية في رواية "مائة عام من العزلة"، شهد أيضا ولادة طفله الأول، "رودريغو"، في 24 أغسطس.
أمضى ماركيز العامين التاليين في الولايات المتحدة يعمل لصالح وكالة أنباء أمريكا اللاتينية "برينسا لاتينا". في عام 1961 فاز بجائزة "إيسو" الأدبية في كولومبيا عن فيلم "في ساعة الشر". وعندما أعيد نشر الرواية في مدريد بعد تعديل بعض العبارات دون علمه، رفض الطبعة.
لمدة أربع سنوات، لم يكتب ماركيز أية رواية جديدة. وكان عرضة للسخرية من رفاقة الأدباء. بدلا من ذلك، ركز على تربية أولاده، بعد ولادة ابنه غونزالو في أبريل 1962، وقام في نفس الوقت بكتابة سيناريوهات، أحدها مع الكاتب المكسيكي الشهير كارلوس فوينتيس. وفي عام 1967، نشر رائعته "مائة عام من العزلة".
في عام 1973، عقب اغتيال رئيس تشيلي، سلفادور الليندي، قرر ماركيز القيام بدور سياسي أكثر نشاطا. أسس مجلة يسارية، "ألترناتيفا"، في بوغوتا وشارك في منظمة مناهضة جرائم الحرب، للإعلان عن انتهاكات حقوق الإنسان في أمريكا اللاتينية.
في عام 1975، نشر رواية "خريف البطريرك"، موضوع هذا المقال، وسافر كثيرا إلى هافانا، حيث أعد كتابا عن الحياة الكوبية تحت الحصار الأمريكي. كما أقام علاقات شخصية مع فيدل كاسترو وديكتاتور بنما "عمر توريخوس". وفي عام 1978، أسس منظمة لحقوق الإنسان في مكسيكو سيتي.
في عام 1981، وقعت ثلاثة أحداث مهمة في حياة ماركيز. حصل على وسام جوقة الشرف الفرنسي، وهو أعلى وسام تمنحه فرنسا لأجنبي. وبعد اتهام الجيش الكولومبي له بالتآمر مع رجال حرب العصابات، أجبر على طلب اللجوء السياسي في السفارة المكسيكية في بوغوتا. ونشر كتاب "أحداث موت فوريولد".
في عام 1982، فاز بجائزة نوبل للآداب. واستخدم المال لإنشاء صحيفة يومية باسم "إل أوترو" في كولومبيا، بعد أن وعدته الحكومة بالأمن والأمان هناك.
في 1980s و 1990s، عاش ماركيز في مكسيكو سيتي وكولومبيا. استمر في القيام بدور نشط في السياسة والتنظيم، وفي عام 1986 نظم مؤسسة سينما أمريكا اللاتينية الجديدة في هافانا.
كما كتب عدة سيناريوهات ومسرحيات وروايتين: الحب في زمن الكوليرا (1985)، والجنرال في متاهته (1989). ومع اقتراب نهاية القرن، استمر في العيش في كولومبيا والكتابة، بالرغم من أنه كان تحت حراسة أمنية مشددة، خوفا من الاختطاف ومن التهديدات التي كان يتعرض لها.
لدى غابرييل غارسيا ماركيز طريقة مميزة اتبعها في جميع رواياته. على سبيل المثال، يبدأ فيها بالإعلان عن موت أبطالها مقدما. وهو أيضا، يدخل أحداثا وشخصيات من حياته الخاصة في رواياته وكتبه. فنجد مرسيدس بارشا، زوجته، موجودة في رواية "وقائع الموت"، باسمها الخاص كزوجة شابة للراوي.
حتى أن الراوي يقول إنه سيتقدم لخطبتها بمجرد أن ينتهي من دراسة المرحلة الابتدائية، مثل مرسيدس بارشا في حياتها الواقعية. ونجد أيضا أن لويزا سانتياغا هو اسم كل من والدة الراوي في الرواية، ووالدة ماركيز في الواقع. شقيق ماركيز يدعى لويس إنريكي. وكل من الراوي وماركيز لديهما أخت راهبة.
عانى غابرييل غارسيا ماركيز من سرطان الغدد الليمفاوية وتوفي في 17 أبريل 2014.
رواية خريف البطريرك:
تنقسم رواية "خريف البطريرك" الصادرة عام (1975)، للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، إلى ستة أقسام. كل قسم يعيد سرد قصة مماثلة لديكتاتور كاريبي وقبضته الحديدية على السلطة، إلى أن تأتي الثورة الحتمية لكي تقتلعه وترميه في صفيحة الزبالة.
وصف ماركيز الرواية بأنها "قصيدة عن عزلة السلطة". الشخصية الرئيسية لديكتاتور أبدي، محكوم عليه بالمرور بنفس الدورة الرهيبة التي يمر بها كل الطغاة. وهي الصعود إلى السلطة، فقط لكي يسقط منها مرارا وتكرارا. بالرغم من أن الظروف، التي تجعل الدكتاتور يتبوأ أعلى سلطة في البلاد، هي ظروف مختلفة في كل حالة، إلا أن الدكتاتور، والديكتاتور الذي يليه متشابهان في السلوك والمصير.
اعتمد ماركيز في بناء شخصية الديكتاتور على العديد من الشخصيات الحقيقية في العالم الحديث، بما في ذلك الديكتاتور الكولومبي غوستافو روخاس بينيلا، والجنرال الإسباني فرانسيسكو فرانكو، الذي كان لا يزال في السلطة، قبل نشر الرواية مباشرة.
من خلال استكشاف مواطن الكبرياء والداء، وجنون العظمة، والطريقة التي يؤدي بها الفقر واليأس إلى صعود الديكتاتور، تحظى رواية "خريف البطريرك" بشعبية كبيرة منذ صدورها، وتعتبر واحدة من أفضل الأعمال الحديثة عن الحكومات القمعية، والطريقة التي يقتنصون بها السلطة.
في أحد الجزر الصغيرة بالبحر الكاريبي، بعد وفاة الجنرال الدكتاتور القديم، تم استباحة قصره. أولا جاء اللصوص، ثم ينضم إليهم الغوغاء من الناس. يتذكر الراوي سوء الحياة في عهد الجنرال المتوفي.
اكتسب الطاغي السلطة بعد سلسلة طويلة من الحروب. لقد استفاد من فراغ السلطة، وأصبح رئيس الدولة بدعم من كل من الحزب القوي في البلاد والبحرية البريطانية.
بالرغم من أن مشاة البحرية الأمريكية قد غزوا البلاد في محاولة للإطاحة به، إلا أنهم فروا وغادروا، لتفشي المرض بالجزيرة، وقبل أن يتأجج الصراع ويتحول إلى حرب كاملة.
كان لدى الجنرال العديد من المستشارين، لكنه لم يكن يحب أحدا سوى أمه، بينديسيون ألفارادو. كانت والدته تعيش معه في القصر الرئاسي، لكنها في النهاية، لم تعد راضية عن سلوكه وطريقة حكمه. لذلك، قام بنفيها إلى قصر آخر بعيدا في الضواحي.
الجنرال هو رجل فظ، يهوى زيارة بيوت الدعارة المحلية. لديه أيضا آلاف المحظيات، وعدد لا يحصى من الأطفال، لكن لا أحد يهتم بهم. معروف بأنه يأخذ ما يريد من النساء اغتصابا.
أقرب شريك للجنرال في السلطة هو وزير الدفاع، رودريغو دي أغيلار، وهو زميل سابق للجنرال. كثيرا ما يتنافسان في لعبة الدومينو. بالرغم من أن الجنرال عادة ما ينغمس في علاقات جنسية مع نساء بطريقة عشوائية، إلا أنه يقع في غرام امرأة تدعى مانويلا سانشيز، زعيمة محلية تعيش في الأحياء الفقيرة. يزورها كثيرا، ويحاول التودد إليها، لكنها تختفي في ظروف غامضة أثناء كسوف الشمس.
يصبح الجنرال مكتئبا، وينسحب من الحياة العامة. لكنه يبدأ في التعافي، عندما يعصف إعصار كبير بالبلاد، ويقود الجنرال جهود الإنقاذ. إلا أنه، سرعان ما يشك في أن وزير الحربية، دي أغيلار، يحاول تقويض حكمه، فيصبح مهووسا باحتمال حدوث مؤامرة على حياته. لذلك قام بقتل وزير الدفاع وطبخه، وجعله الطبق الرئيسي في مأدبة، كان من المفترض أن تقام تكريما له.
عندما تموت والدة الجنرال، يتم عرض جسدها في جميع أنحاء البلاد، ثم يطلب من الكنيسة الكاثوليكية الإعلان بقدسيتها. وعندما يرفض البابا منحها شرف القداسة، يطرد الجنرال جميع رجال الدين الكاثوليك من البلاد.
إلا أنه يصبح مفتونا براهبة مبتدئة شابة، ليتيسيا نازارينو. فقام باختطافها وجعلها عشيقته. ثم أنجبت العشيقة طفلا له، إيمانويل. في نهاية المطاف، يسمح الجنرال للكنيسة بالعودة إلى البلاد. هو الآن محبط، بسبب مطالب ليتيسيا المالية وإضاعتها لوقته، كذلك لتدخل عائلتها في شؤونه. فيقوم باغتيالها هي وابنها إيمانويل.
في هذه المرحلة، يصبح الجنرال كبيرا في السن، مخبولا ضعيف البنية. لكنه لا يزال مهووسا بالانتقام. مقتنعا تماما بأن القيادة العليا في البلاد تتآمر ضده. فقام بتوظيف بلطجي، جلاد وقاتل من النظام السابق، لإثارة الرعب وقتل الكثير من الناس في البلاد. هذا الرجل، هو خوسيه إغناسيو ساينز دي لا بارا. الذي قام بإرسال جماجم القتلى للجنرال، فحسبها في البداية ثمار جوز الهند.
ثم يخرج البلطجي خوسيه عن السيطرة، ويهدد بوحشيته نظام الجنرال. بعد أن تبنى نهجا شعبويا، وصور نفسه على أنه جنرال الشعب. لكن، تثور الجماهير ضده، ويقتل خوسيه في أعمال الشغب.
يحيط الجنرال نفسه بمستشارين مدنيين جدد. هو الآن عجوز جدا. ونادرا ما يشرك نفسه في الشؤون الحكومية. وتتركه الحكومة لكي يتفرغ لمطاردة النساء وملاحقة كل من يتم إحضارها للقصر، بما في ذلك تلميذات المدارس الصغيرات.
الحالة الاقتصادية مزرية. البلاد مفلسة تقريبا. وهو مجبر على بيع ممتلكاتها في البحر الكاريبي للأجانب. في نهاية حياته، يصبح الجنرال غير عابئ بشؤون الحكم بشكل متزايد، ولا يذكر اسمه إلا عندما يرتكب جريمة ضد شخص ما.
عندما يموت الجنرال، تهجم الغوغاء كعادتها على القصر وتنهب كل ما خف حمله وغلى ثمنه من جواهر وأموال وتحف وأثاث. ثم تحتفل البلاد بنهاية عهد الديكتاتور البغيض.
ملاحظات على الرواية:
إن الديكتاتور المجهول الاسم، والذي يشار إليه في الرواية فقط باسم البطريرك أو الجنرال، هو حاكم مستبد لبلد كاريبي مجهول الاسم أيضا. يمثل أحد البشاعات العظيمة في الأدب الحديث.
تنتقد الرواية بطريقة لاذعة كل من ويلات السلطة المطلقة وقسوة الرأسمالية. إنها رواية معقدة ومربكة، لكن رائعة. جملها الطويلة تحاكي المتاهة الكبيرة في عقل الديكتاتور المريض. وصفها جابو بأنها "قصيدة في عزلة السلطة الباغية".
يبدأ الديكتاتور حياته كجندي جاهل، لكن لديه شبق غير عادي بالسلطة. البريطانيون، الذين يعرفون كيف يوظفون الدمى الاستعمارية، عندما يرون دمية، يضعونه على العرش. والأمريكيون يبقونه هناك.
إنه وحش حقا، بأقدام فيلة هائلة للدهس، وأيدي فتاة ناعمة مرتجفة، وخصية متضخمة يداعبها بهدوء. الشخص الوحيد الذي يحبه إلى جانب نفسه هو أمه. خلاف ذلك، يغتصب محظياته وبنات المدارس الصغيرات، ويطارد ملكة جمال لا يفوز بها أبدا.
ويغير المواقيت والمواسم، ويأمر بترحيل 2,000 طفل في سيارات أشبه بالصناديق المقفلة، ثم يقوم بتفجيرها بالديناميت. ويقوم بطبخ عدوه وتقديمه على طبق فضي، محشوا بالصنوبر والأعشاب العطرية". فمن منا يريد أن يحكم بهذه الطريقة؟