السبت ١٤ أيار (مايو) ٢٠٢٢
بقلم محمد زكريا توفيق

هكذا تكلم زرادشت - نيتشه

يعتبر كتاب نيتشه، "هكذا تكلم زرادشت"، هو أهم أعماله. إنه عمل حول مجاهدة النفس والتغلب على الذات. هو كتاب يجمع بين التلميحات السلبية للكتب الدينية، والأساطير اليونانية والديانة الفارسية القديمة.

كتب نيتشه العمل من أربعة أجزاء، على مدى عامين. الجزء الأول كتب في عشرة أيام فقط. يعتبر العديد من الأكاديميين الكتاب، التفسير الأكثر تفصيلا لفلسفته بخصوص مفهومي "الرجل السوبرمان" و "إرادة القوة".

في البدء، كتب نيتشه ثلاثة أجزاء فقط من الكتاب. الجزء الرابع، كتبه لاحقا، لكنه رفض نشره. خوفا من أن يعتبره العامة تجديفا في حق الدين والرب. الجزء الرابع، كان يتم تداوله بين أصدقائه في مسودة مخطوطة، إلى أن قامت أخته بنشره أخيرا بعد أن استسلم نيتشه لجنونه.

كتاب "هكذا تكلم زرادشت"، هو أكثر مؤلفات نيتشه شعبية. بالرغم من أنه لم يتلق سوى إشادة خفيفة، عند نشره أول مرة. إلا أنه اكتسب شعبية كبيرة بعد وفاته، واستمر في كونه، من بين مؤلفاته، الأكثر مبيعا في العصر الحديث.

خلال الحرب العالمية الثانية، كان لدى الحكومة الألمانية أكثر من 100,000 نسخة من الكتاب، مطبوعة وموزعة على الجيش، إلى جانب نسخ من الكتاب المقدس.

على المستوى السردي، يدور الكتاب حول رحلات وتعاليم زرادشت، المعلم الأسطوري، الذي جاء لنشر تعاليمه إلى العالم. هذه التعاليم هي مزيج من النصوص الدينية القديمة، وقصص من العهد الجديد والأساطير اليونانية.

موضوعات الكتاب متفرقة. يركز من خلالها على مفهوم "الرجل الأعلى" أو الرجل السوبرمان"، وصراعات الإنسان الداخلية، للتغلب على مشاكل العالم، التي ستوصله في نهاية المطاف إلى عقيدة "العود الأبدي"، وهي حالة مرتبطة بالسمو النهائي للإنسان.

يروي الكتاب وجهة نظر نيتشه، عن كيفية بلوغ حالة "الرجل السوبرمان"، وهي حالة من الوجود النقي، حيث يمكن للمرء أن يعيش في حالة وئام وحب مع الطبيعة كهدف أسمى. يذكر الكتاب أيضا مقولة نيتشه، "الرب قد مات"، وهي مقولة قد طورها أصلا في كتابه "العلم الجذل"، أو "العلم المرح".

يتصور نيتشه في كتابه "هكذا تكلم زرادشت"، عالما يستطيع فيه الإنسان، بعد أن يصل إلى حالة "الرجل السوبرمان"، أن يتغلب على التعاليم الدينية الموروثة الميتة، لكي يصل ويحقق "العود الأبدي".

أسلوب الكتاب، منعه من أن يصبح شائعا في الأوساط الأكاديمية والفلسفية. حتى بعد وفاة نيتشه، لم يتوافق أسلوب الكتاب، الغامض في كثير من الأحيان، بشكل جيد مع الأسلوب الفلسفي الدقيق لكتابات أواخر القرن 19th وأوائل القرن 20th.

ومع ذلك، في أواخر القرن 20th، أي فترة ما بعد الحداثة، احتضن المجتمع الفلسفي العمل، الذي كسر الحدود، ومزج الفلسفة مع نقد الدين والمجتمع. استند العديد من نظريات التفكيك في أدب ما بعد الحداثة، إلى ما جاء في كتاب "هكذا تكلم زرادشت" لنيتشه. كما أنه أصبح مرجعا، ساعد في إنتاج تفسيرات أكاديمية جديدة في الأدب.

اليوم هناك المئات من التعليقات والعروض حول ما ثبت أنه أشهر أعمال نيتشه، ولا يزال يؤثر هذا العمل على الأجيال الجديدة من الفلاسفة والأدباء والفنانين.

ملخص كتاب "هكذا تكلم زرادشت"

في الكتاب، قام زرادشت بمغادرة منزله في سن الثلاثين، لكي يسكن أعالي الجبال، على أمل بلوغ حالة التنوير والفتح، كما يسميها مشايخ الصوفية. هناك، وعلى ارتفاع 6,000 قدم، وحيدا فريدا بعيدا عن كل الناس، عاش زرادشت عشر سنوات. في خلوته هذه، سمت روحه وبلغت أوجها، وهو يبحث جاهدا في لغز الوجود الإنساني. زرادشت هذا، ليس له علاقة ب زرادشت الفارسي، مؤسس الديانة الزرادشتية.

في صباح أحد الأيام، بعد أن مل العزلة والوحدة، وامتلأت نفسه بالصفاء والحكمة، وبلغ حالة التنوير والفتح، استيقظ وقت شروق الشمس، وأخذ يناجيها كمن يناجي ربه ويقول:

"أيتها الشمس المشرقة العظيمة، كم ستكون سعادتك، إن لم يوجد أولئك الذين تتألقين من أجلهم؟ لقد واظبت على الإشراق والحضور إلى كهفي المتواضع هذا لمدة عشر سنوات متواصلة. لا شك أنك تسأمين هذه الدورة بدون وجودي، وبدون وجود نسري وثعباني. أما أنا، فقد سئمت من تراكم فيضي وحكمتي عاما بعد عام. وبت مثل النحلة التي جمعت من العسل أكثر مما تحتاج. لذلك، أبغي أيد ممدودة لقطفها."

هنا يقرر زرادشت أن الوقت قد حان، لعزل نفسه عن وعيه المتزايد. فينزل بنفسه، مثل غروب الشمس، من قمة جبله العالي، لنشر حكمته بين عالم الناس العاديين.

"يجب أن أهبط إلى أسفل. كما تفعل الشمس حينما يأتي المساء. عندما تذهب وراء الأفق البعيد، وتغرق تحت مياه البحر الغويط، لكي تجلب الضوء إلى العالم السفلي."

يشعر زرادشت أنه مثل الكأس الممتلئة، التي تبغي أن تكون فارغة. إنه يريد أن يعود إنسانا مرة أخرى. فينزل من عليائه، ليصادف رجلا عجوزا وحيدا. يبادره العجوز سائلا:

"ما شأنك والبشرية؟ خليك في حالك"

يجيب زرادشت، بأنه يحب كل الناس، ويريد أن يغمرهم بفيض علمه وعظيم حكمته.

لكن العجوز يحذر زرادشت من أن البشرية، غير مستعدة، ولن تتقبل هذا بصدر رحب، بل سترد بسخرية وكراهية شديدة. لكن، يتجاهل زرادشت تحذير الرجل العجوز، ويستمر في طريقه، عاقدا العزم والنية على إنجاز مهمته الهامة.

سرعان ما يصل إلى بلدة، يتجمع فيها حشد كبير، لمشاهد رجلا يمشي على الحبل. يجد زرادشت أن هذه فرصة مواتية لنشر علمه وحكمته. فيبدأ في تعليم الحشد مبدأه الكوني للعود الأبدي والتطور الإبداعي.

“إنني أعلمكم كيف يطور كل منكم نفسه حتى يصل إلى حالة "الإنسان الأعلى"، أي "الإنسان السوبرمان". لأن الإنسان بوضعه الحالي، زبالة، حالة مرضية، يجب عليه الشفاء منها. الإنسان يجب أن يجاهد نفسه، يصارعها ويتغلب عليها. فماذا فعلت أنت عزيزي المستمع، لمجاهدة النفس؟"

"لقد خُلقت جميع الكائنات وهي قابلة للتطور، إلى الأفضل أو إلى الأسوأ. فهل تريد أيها الإنسان البائس التطور إلى الخلف أكثر من ذلك، والعودة إلى الحالة الحيوانية التي كنت عليها سابقا، بدلا من التطور إلى الأمام لكي تصل إلى شيء أفضل؟ "

زرادشت يشير هنا إلى التطور الروحي والإبداعي، وليس إلى نظرية تطور الكائنات لداروين.

يقترح زرادشت أن التطور الذي ينشده، لا يسترشد بضغوط البيئة والطفرات والتكيفات العرضية، ولكن بقوة غائية، تنظم تطور الحياة من حالة روحية متدنية، إلى حالة أسمى وأعلى.

هذه القوة الغائية، يشعر بها الإنسان مباشرة داخل نفسه. هي مثل الطموح والرغبة في السمو. من خلال احتضان هذه القوى، ووفقا لزرادشت، يمكن للفرد التغلب على نفسه والتطور إلى أعلى روحيا.

لقد قمعت تعاليم الأديان والكنيسة المسيحية هذا الطموح وتلك الرغبات. من خلال نشر فكرة أن الطموح والسعي وراء استقلال الذات والعمل على خدمتها، هي خطيئة كبرى لا تغتفر.

بينما التضحية بالنفس، والاتكال على الرب، هي المراد وأسمى الغايات. لذلك، كل الدوافع، مثل الجشع والشهوة والرغبة في السلطة، هي أشياء مرتبطة بعناصر شريرة، يجب ترويضها والقضاء عليها.

لم تعلم الأديان الفرد مجاهدة النفس، بل طلبت منه أن يطغى على جسده ويضعفه، حتى تسمو روحه. الأديان تحارب العاطفة ورغبات الجسد الطبيعية، بالاستئصال والإخصاء، بكل معنى الكلمة.

لقد وضعت في جميع الأوقات ضغوط انضباط، لاستئصال جذور الميول العاطفية، مثل الشهوة، الكبرياء، الجشع، الانتقام، وشهوة الحكم. لكن الهجوم على جذور العاطفة، يعني الهجوم على جذور الحياة نفسها. هذا يعني أن تعاليم الأديان، هي في الواقع، تعاليم معادية للحياة.

لذلك، تحدث زرادشت إلى الحشد، يحثهم على التخلي عن التعاليم الدينية. فهي تعاليم يوك، كما يقول الأتراك. واستبدالها بتعاليم أرضية واقعية، لا تغفل رغبة الفرد في تحقيق النجاح وتأكيد النفس.

تعمل على تطوير جسم الإنسان إلى جسم قوي، من خلاله، تتحول الغرائز الطبيعية إلى مصادر للطاقة، توظف لتطور الروح والتسامي بالذات. بهذا المعنى الجديد، يدعو زرادشت إلى الرجل الأعلى، أو الرجل "السوبرمان".

"لقد كنت تنشد الرب وأنت تحدّق في السماء أو تنظر إلى البحار الغويطة، أما الآن فقد علمتك أن تحاول أن تكون السوبرمان."

عند الانتهاء من خطابه، اعتقد أولئك الذين كانوا في الحشد أن زرادشت هو الرجل المنتظر لكي يمشي على الحبل المشدود. فقالوا: "لقد سمعنا ما فيه الكفاية. دعنا نشاهدك عمليا وأنت تمشي على الحبل."

هذه النداءات من الحشد كانت إشارة لكي يخرج رجل المشي على الحبل من مخبئه، ويبدأ في أداء عرضه، وهو غير منزعج من ارتباكهم الواضح.

بينما يواصل زرادشت خطابه، ويستخدم عرض المشي على الحبل كاستعارة لعلاقة الإنسان الحالي بالإنسان السوبرمان. الإنسان الحالي، هو بمثابة حبل مشدود، يصل عالم الحيوان بالرجل السوبرمان، ويمر فوق الهاوية. المشي على الحبل المشدود، هو أمر كله مخاطر. لذلك، لتحقيق حالة السوبرمان، يجب على الإنسان أن يعيش في خطر.

يجب أن يحاول الإنسان حتى وإن تعرض لمخاطر كبيرة، ألا يبقى راكدا مستكينا أبدا. مع وجود المخاطر، يجب أن يعمل جاهدا من أجل التحول الذاتي والتقدم. ثم يوضح زرادشت، أن أولئك الذين يعيشون بهذه الطريقة، هم طلائع الإنسان السوبرمان.

إنهم مثل قطرات كثيفة من الماء، تتساقط منفردة من سحابة قاتمة، تخيم على البشرية. إنهم الطلائع، يعلنون عن قرب مجيء البرق. البرق هو السوبرمان.

عندما ينهي زرادشت خطابه، ينفجر الحشد في الصراخ والاستهزاء مرة أخرى، معتقدين أن الخطأ يكمن في هذا النهج. فيحاول بطريقة مختلفة، عن طريق تحذيرهم من أن الثقافة الغربية في أفول، مشلولة بسبب عجز قيمها الخلقية.

يخبر زرادشت الحشد، بأن هذا التراجع الخلقي، سوف ينتج رجالا، هم أكثر الرجال سوءا. هم النقيض من الرجل السوبرمان. لذلك، قد حان الوقت للإنسان، لكي يصلح هدفه ويعيد توجيه بصلته. لقد حان الوقت، لكي يزرع الإنسان بذرة أمله الأسمى.

تربة أرضه الآن لا تزال خصبة بما فيه الكفاية. لكن هذه التربة، ستكون يوما ما فقيرة وضعيفة، لا تستطيع الأشجار العالية أن تنمو فيها. أقول لك، يجب أن تتعرض للفوضى والعنف، حتى تستطيع أن تنتج نجمة راقصة.

ماذا يعني نيتشه بهذه المقولة؟ هذا يمكن تفسيره بعدة طرق. فمثلا، قد يعني أنه يجب أن يعاني الفنان أو الأديب من أجل إنتاج فن أو أدب حقيقي. مثل الشمعة، تحترق لكي تنير للآخرين. وقد يعني الثورة على الظلم لكي تسترد حريتك وتحيا حياة أفضل. أو مثل نجوم السماء، التي تشهد ولادتها عنفا وفوضى لا يصدقها عقل.

لكن النتيجة، هي نجم ساطع جميل، يظل يسطع بنوره بلايين السنين، مثل شمسنا وباقي النجوم. أي يجب أن يكون لديك نوع من العاطفة الفوضوية، حتى تصبح نجما. لكن، للأسف، سيأتي الوقت الذي لن ينتج فيه الإنسان المزيد من النجوم.

أنظروا، سوف أرينكم الإنسان السفلي، الإنسان الحقير الأخير، الإنسان آخر الصف، الإنسان غير الخلاق. إنسان الاستهلاك، الذي ينغمر في الملذات القائمة على الإشباع الحسي، والذي يدعي أنه قد اكتشف السعادة، لأنه يعيش في العصر الأكثر تقدما من الناحية المادية والتكنولوجية في تاريخ البشرية.

الرجل الأخير هذا، آخر الصف، بالرغم من متعته وراحته، إلا أنه فارغ من مضمونه، بائس بدون طموح ولا هدف له معنى أو مغزى. ليس لديه شيء يمكنه استخدامه، لتبرير الألم والنضال اللازمين للتغلب على نفسه وتحويلها إلى شيء أفضل، هو راكد في عشه، غارق في راحته وبؤسه.

هذا البؤس لا يجعله خاملا. على العكس من ذلك، يجبره على البحث عن ضحايا آخرين. إنه يغار ولا يتحمل رؤية أولئك الذين يزدهرون ويحققون قيما أعلى.

لذا، هو يدعم المساواة، ويؤيد المدينة الفاضلة للرجل الأخير، رجل بني خيبان. وهي المدينة التي تحافظ على المساواة الكاملة داخلها، ليس عن طريق طبقة حاكمة قمعية، ولكن من خلال إرضاء العين الشريرة الحاسدة والساخرة لكل المتفوقين. فليس هناك راع أو قطيع. الكل يريد نفس الشيء. الجميع متساوون في البؤس، ومن يعتقد خلاف ذلك، يذهب طواعية إلى مستشفى المجانين.

عند الانتهاء من خطابه عن الرجل الأخير، يصرخ الحشد طالبين أن يكونوا هم الرجل الأخير. ويتركون حكاية الرجل السوبرمان إلى زرادشت نفسه. عند سماع زرادشت سخريتهم، يتذكر تحذير الرجل العجوز الذي قابله في الغابة في أول الأمر.

"لقد جئت إلى البشرية بدافع الحب، أحمل لهم هدية. لكنهم ردوها بسخرية وازدراء، تماما كما تنبأ الرجل العجوز. الآن، ينظرون إليّ ويسخرون مني. ما زالوا يكرهونني."

أدرك زرادشت أن الجماهير غير قادرة على فهم أهمية كلماته. لذلك، قام بصياغة أخرى، ومهمة جديدة. إنه لن يمنح هديته ومحبته لكل من هب ودب. بل لعدد قليل من الأفراد الراغبين والمختارين بعناية، والذين لديهم القدرة على الارتفاع فوق القطيع، على حد تعبير زرادشت.

يغادر زرادشت المدينة، باحثا عن رفاق جدد، يمكنه أن يمنحهم حكمته. أثناء مغادرته، يرى علامة في السماء والشمس في ذروتها في منتصف النهار. إنه يرى نسرا يحلق في الهواء، وثعبانا يلتف حول عنقه. ليس كفريسة، ولكن كصديق ورفيق.

هذا مشهد غريب، لأن النسر تاريخيا، يرمز إلى أسمى تطلعات النفس والروح. وهو عادة يكون عدوا تقليديا للثعبان، رمز الشهوة الحيوانية والشر عند الإنسان. اتحاد الإثنين، النسر والثعبان، يمثل بالنسبة لزرادشت، التطور الكامل للذات، للإنسان الذي يبتغيه.

لذلك، يجب علينا، ليس فقط احتضان أعظم إمكانياتنا، ولكن أيضا رفع القتامة من أعماقنا النفسية، والاعتراف بقدرتنا على الشر عندما يغيب الوازع الأخلاقي، كما يوضح زرادشت في أحد خطاباته اللاحقة لرفاقه.

الإنسان مثل الشجرة. كلما صعدت وارتفعت إلى عنان السماء، تطلب الهواء والضياء. في نفس الوقت، تتجه جذورها بقوة نحو الأعماق، في الظلام تطلب الغذاء والماء.

ملاحظات على كتاب "هكذا تكلم زرادشت"

مفهوم الإنسان الأعلى هو أحد أغرب الأفكار الفلسفية وأشدها سحرا. نجد أنها صيغت من قبل نيتشه في كتابه عام 1883، هكذا تكلم زرادشت.

للوهلة الأولى لا يسعنا إلا التفكير ببطل الآكشن في المسلسلات وأفلام السينما، "سوبرمان". الذي وصفه صانعوه بأنه "أسرع من رصاصة منطلقة، وأقوى من قاطرة، وقادر على تجاوز المباني الشاهقة بقفزة واحدة."

هذه في الواقع نقطة انطلاق جيدة. المنتجون كانوا يسألون أنفسهم، كيف يبدو شخص ما، لو أصبح متفوقا جسديا على كل البشر الحاليين؟

نيتشه يسأل نفسه سؤالا مشابها، لكن جل اهتمامه كان منصبا على الصفات النفسية. في كتاب "هكذا تكلم زرادشت"، يشير نيتشه إلى أن التطور لم ينته بعد. لقد تطور البشر من سلالة تشبه القرود، ولكنه يسأل، ما هو القرد بالنسبة للإنسان؟

بالنسبة للفروق، مثل القدرة على الخيال وممارسة العلم، من الواضح أننا أعلى رتبة بكثير من القرود. لكن، كيف يمكن للناس في المستقبل أن يكونوا أعلى رتبة مما نحن عليه اليوم؟

إن مهمة الشخصية التي صاغها نيتشه، "زرادشت"، تتمثل في تخمين ما سيكون عليه حال "الإنسان الأعلى"، "الإنسان السوبرمان"، وهو الشخص الذي سيكون الأكثر تقدما في المستقبل؟

لم يكن نيتشه مهتما بقدرة الدماغ المتطورة على نحو كبير. أو القدرة على القيام بعمليات معقدة في رأس الإنسان. أو لتعلم لغة في ثلاثة أيام. بدلا من ذلك، كان يطور تجربة فكرية جديدة.

لنفترض أننا أكثر تطورا من الناحية النفسية من بقية البشر في الوقت الحالي، كيف سنكون فعليا؟ ما هو النوع المثالي لإنسان المستقبل؟ لقد جاء نيتشه بإجابة مفاجئة واستفزازية جدا. إنه سيكون الشخص الأكثر مدعاة للإعجاب، الشخص الذي يسلك أفضل منهج في الحياة.

لقد كان نيتشه معجبا بوضوح ب غوته، الذي اعتبره أكثر شخص اقترب من كونه "الإنسان السوبرمان". وأيضا نابليون، مونتين، فولتير، ويوليوس قيصر. وخلص إلى أن أفراد الإنسان السوبرمان، سيكون لديهم بعض الخصائص الرائعة وغير المتوقعة في بعض الأحيان.

إنهم سوف يصنعون القيم الخاصة بهم. وسوف يكون تفكيرهم مستقلا. إنهم لن يسألون، ماذا يعجب الآخرين؟ وماذا يتبعون؟ سوف يسلكون طريقهم الخاص.

الإنسان السوبرمان، قد يقبل فكرة التضحية ببعض الأفراد من أجل أشياء عظيمة. ويمكن أن يكون أنانيا إذا دعت الاستراتيجية ذلك. لكن العظمة بالنسبة لهؤلاء، ستكون بإصلاح الإنسانية عن طريق القيم المدنية وليست الدينية، قيم غوته.

الإنسان السوبرمان، لن يكون مستاء من نجاح الآخرين. سيقبل بالمعاناة باعتبارها عنصرا ضروريا لإنتاج الأشياء الجيدة. وسوف يكون لطيفا تجاه الضعفاء، مدركا قوته الكبيرة.

سوف يكون مهتما بنشر الثقافة والتطبيق العملي لها، لرفع المستوى الفكري للمجتمع. وأعتقد أننا سنكون في انتظار أن يكون الإنسان السوبرمان عطوفا جدا، عادل جدا، غير مهتم بالتنافس، وربما لديه طموحات لتحقيق إنجازات في مجال العلوم والفلسفة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى