عالم جديد شجاع – ألدوس هكسلي
من هو ألدوس هكسلي؟
ولد ألدوس ليونارد هكسلي يوم 26 يوليو 1894، في ساري إنجلترا. الابن الثالث للدكتور ليونارد هكسلي وجوليا أرنولد. جزء من سلسلة طويلة من العلماء والمفكرين. كان جده توماس هنري هكسلي يحمل لقب "حارس داروين الأمين"، لدفاعه الشرس عن نظرية التطور، وشغفه بتدريس التقدم العلمي الفيكتوري للطبقات العاملة في بريطانيا.
ألدوس هكسلي يمت أيضا بصلة القرابة إلى الشاعر ماثيو أرنولد، من جانب والدته. وبذلك، تلتقي جينات العلوم والأدب، في ألدوس هكسلي، الروائي والصحفي والإنسان.
تلقى ألدوس هكسلي تعليمه في إيتون، وأجبر على ترك المدرسة في سن السابعة عشرة، بسبب آلام في العينين. كان شبه أعمى لمدة سنتين أو ثلاث سنوات. بالتالي، لم يتمكن من استكمال التدريب العلمي الصارم الذي أراد القيام به. بالرغم من أن مشاكل عينيه قد رافقته بقية حياته، إلا أن هكسلي تمكن من استكمال دراسته في جامعة أكسفورد، وحصل منها على شهادة في الأدب الإنجليزي.
بدأت مهنة هكسلي في الصحافة، وشملت النقد الموسيقى والنقد الفني، بالإضافة إلى مراجعة الكتب. كما بدأ في كتابة القصائد والمقالات والدراسات التاريخية.
أول معرفة للمجتمع الفكري البريطاني بهسكلي، تمت أثناء عمله في مزرعة في جارسينجتون مانور. كانت المزرعة موقعا لملتقى مجموعة مثقفين عاملين، منهم برتراند راسل. هناك تزوج من ماريا نيس وأنجبا طفلا واحدا، ماثيو هكسلي.
كتابه الأول، هو مجلد شعري بعنوان "العجلة المحترقة". كتبه أثناء عمله كمحرر في مجلة "البيت والحديقة". خلال 1920s، كتب هكسلي العديد من الروايات بما في ذلك رواية "عالم جديد شجاع".
قضى هكسلي عدة سنوات في إيطاليا، حيث كون صداقة مع دي إتش لورانس. وظلا صديقين مقربين. رسائل هكسلي إلى لورانس تم جمعها بعد وفاته.
في عام 1937، ذهب هكسلي إلى الولايات المتحدة للعيش في هوليوود، كاليفورنيا، حيث ساعد في كتابة نصوص العديد من أفلام هوليوود في ذلك الوقت، بالرغم من أنه لم يكن لديه وظيفة دائمة في صناعة السينما.
بعد الحرب العالمية الثانية، اشتهر بمشاركته في حركة المواد المخدرة المبكرة. كان هكسلي من أوائل المؤيدين لاستخدام المخدر "إل إس دي" LSD، لتأثيراته التي تغيب العقل.
في كتابه الصادر عام 1954، بعنوان "أبواب الإدراك"، يقول إنه من خلال استخدام العقاقير المخدرة، سيتمكن الناس من "تطهير" أبواب الإدراك، من أجل احتضان الواقع اللانهائي للعالم".
هكسلي شخصية مثيرة للجدل في معظم حياته، توفي بسبب السرطان في 22 نوفمبر 1963، بعد ساعات فقط من اغتيال الرئيس جون كينيدي في دالاس، تكساس.
وقت وفاته، كان معروفا في بعض الدوائر كمثقف وكاتب من أعلى الطبقات. خاصة لإبداعه في روايته الخيالية "عالم جديد شجاع"، ومشاركته في موضوع التسويق في المجتمع الحديث.
مع ذلك، رأى آخرون أنه مفكر زائف، لإيمانه بالتقاليد الصوفية، وإصراره على أن التجربة، من خلال التأمل والأديان الشرقية وتعاطي المخدرات، يمكنها تغيير الحقائق. لإنجازاته الأدبية، حصل هكسلي على جائزة الاستحقاق للرواية من الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب عام 1959.
الرواية:
رواية "عالم جديد شجاع"، لألدوس هكسلي، التي نشرت عام 1932، هي رواية مخيفة جدا. تدور أحداثها في المستقبل بعد ستمائة عام. تصور عالما خياليا، يسعى لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسلام والسعادة لكل أفراده. لكنه، في سبيل ذلك، بات مجتمعا خاليا من العواطف والحرية، ومن الحب والجمال والعلاقات الإنسانية.
رواية هكسلي، هي في الأساس نقد للسياسات الاشتراكية، التي بدأت تنتشر بين الدول، منذ أوائل القرن العشرين. بحلول الثلاثينيات من القرن العشرين، لاحظ هكسلي الميل المتزايد في الحكومات الغربية إلى التدخل والسيطرة على حياة الناس. هذا التدخل، يحد من الحرية الشخصية، ومن القدرة على التعبير الفني، والإحساس بالجمال. وكلها أجزاء، لا تتجزأ من الشخصية الإنسانية.
من خلال الرواية، ومن كتاباته الأخرى، يقول هكسلي إن الإحساس بالجمال وملكة الإبداع، هما نتيجتان للمعاناة والشعور بالألم. وإن رغبة المجتمع في القضاء على الألم، تحد من قدرة المجتمع على التقدم والازدهار ثقافيا وعاطفيا.
تنتقد الرواية أيضا، الإيمان العشوائي بالتقدم والعلم بدون حدود. كان هكسلي نفسه، يرغب في مهنة علمية، قبل أن يمنعه ضعف البصر، الذي عانى منه منذ الطفولة، من تحقيق تلك الرغبة.
يعتقد هكسلي أن العالم الغربي، قد ركز كثيرا على التقدم العلمي، على حساب الحب والجمال والأدب والفن. تحاول روايته إظهار كيف يمكن لمثل هذا العلم، عندما يؤخذ إلى أبعد الحدود، أن يعمل بطريقة عكسية، ويحد من ازدهار الإنسان فكريا، ويستعبده بالمعنى الحرفي للكلمة.
في الحرب العالمية الأولى، شهدت البشرية الدمار الكبير الذي يمكن أن تسببه التكنولوجيا. لقد أنتجت القنابل والدبابات والطائرات الحربية والمدافع الرشاشة. يعتقد هكسلي أن هذا التدمير الذي يفوق الوصف، لا بسبب أسلحة الحرب وحدها، ولكن أيضا بسبب التقدم العلمي الذي أنتجها.
تباينت ردود فعل المجتمع، بالنسبة للرواية، بين مؤيد ومعارض وغاضب. إتش جي ويلز، مؤلف روايات الخيال العلمي، انتقد الرواية، باعتبارها مثيرة للقلق. لم يعجب نقاد آخرون إلغاء هكسلي للدين والطقوس، وكذلك وجهات نظره حول شيوع الحياة الجنسية وسهولتها بين الرجال والنساء، وتعاطي المخدرات كعلاج للألم والاكتئاب.
هذا يقود إلى التساؤل: هل الرواية مناسبة لجميع الأعمار أم لا؟ بالرغم من ذلك، فإن الرواية ينسب لها الفضل في إلهام أورويل بكتابة روايته بعنوان "1984"، كنوع جديد من الأدب، يدمج الخيال العلمي والرمزية السياسية في القضايا الأدبية.
ملخص الرواية:
تدور أحداث الرواية في المستقبل، بعد 632 سنة من تاريخ استخدام هنري فورد لخطوط الإنتاج الكثيف. في وقت أحداث الرواية، كان يحكم المراقبون العالميون العالم، ويضمنون استقرار المجتمعات من خلال إنشاء نظام طبقي من خمسة مستويات. أي أننا قد عدنا إلى نظام الطبقات والسادة والعبيد، ولتذهب مبادئ التنوير الخاصة بالمساواة إلى الجحيم.
ألفا وبيتا هما أعلى الطبقات، تشملان العلماء والسياسيين وغيرهم من كبار العقول. جاما ودلتا وإبسيلون، هم الطبقات السفلى، وتشمل الطبقة العاملة الصناعية والزراعية في كل أنحاء العالم. ألفا وبيتا وجاما، إلخ... هي حروف الأبجدية اليونانية. كل طبقة لها لباس بلون مميز، وعلامة مميزة تبين رتبة الشخص داخل طبقته.
هناك دواء أو مخدر، بدون أعراض جانبية، يسمى سوما، يجعل أي شخص لا يشعر بالألم أو بالاكتئاب. تحصل كل طبقة على حصص معينة من الدواء. هذا للقضاء على الألم والغضب لضمان الاستقرار الاجتماعي.
في بداية الرواية يقوم مدير مركز التفريخ والتكييف، أي البرمجة، في وسط لندن بجولة مع مجموعة من الطلاب الصغار، لكي يريهم بعض المنشآت. في أحدها، يشاهد الطلاب خط تجميع الأجنة، باستخدام أحدث الأجهزة والنظريات العلمية.
يشرح للأولاد أن البشر لم يعودوا يولدون من أب وأم. بدلا من ذلك، تنتج المبايض التي تمت إزالتها جراحيا بويضات، يتم تخصيبها في أوعية صناعية وحضانات مصممة خصيصا لذلك.
يوجه المفرخ كل جنين، بحيث يتم تجهيزه حتى يأخذ صفات طبقة معينة من الطبقات الخمس، حسب حاجة المجتمع. الطبقات هي: ألفا وبيتا وجاما ودلتا وإبسيلون.
ثم تخضع الأجنة المخصصة لطبقات جاما ودلتا وإبسيلون، لعملية بوكانوفسكي، التي تنطوي على تعريض البويضة الملقحة لصدمات كهربائية، لكي تنقسم إلى 96 جنينا، كلها متشابهة تماما. مثل الشغالات في عالم النمل أو النحل.
هذا يذكرنا بقصة النبي سليمان، الذي أراد أن يحصل على مائة فارس، فقرر المرور على مائة من نسائه ال 700 في ليلة واحدة. ولكنه نسي أن يقول "إن شاء الله"، فرزق بنصف مولود. هذا ما يقوله تراثنا الديني وكتبنا الصفراء.
هذه الأجنة المتشابهة، تتطور بعد ذلك إلى 96 إنسانا، كلها متشابهة طبق الأصل. أجنة ألفا وبيتا، لا تخضع أبدا لعملية الانقسام هذه، حتى لا تنتج شخصيات ضعيفة، أو ربما لعدم الحاجة للأعداد الكثيفة في هاتين الطبقتين. بعد ذلك، يتم استخراج الأطفال من حضاناتهم، وتكييفهم، أي برمجتهم سيكولوجيا.
يوضح مدير المركز أن عملية بوكانوفسكي، تسهل الاستقرار الاجتماعي، لأن المستنسخات التي تنتجها، مقدر لها مسبقا أن تؤدي أعمالا متشابهة كالتي كانت تحدث على خطوط الإنتاج الكثيف للسيارات في مصانع فورد. ومن ثم بدأ استخدام تقويم فورد من هذا التاريخ.
التكييف السيكولوجي، يستخدم نظريات بافلوف، العالم الروسي الكبير، الذي كان يجريها على الكلاب للتحكم في سلوكها. كما يتم أيضا استخدام التنويم المغناطيسي.
يدخل أطفال الطبقات الدنيا إلى غرفة مليئة بالكتب والورود. عندما يقترب الأطفال من الكتب أو الورود، تصدر ضوضاء عالية وصفارات إنذار، وتتلقى الأطفال صدمات كهربائية صغيرة، تؤلمهم وتخيفهم. تجعلهم عندما يواجهون هذه الأشياء في المستقبل، يرتعدون خوفا من مجرد رؤيتها.
لماذا يغرسون كراهية الكتب في نفوس أطفال الطبقات الدنيا؟ لمنعهم من الثقافة وإضاعة الوقت في قراءة كتب لا تفيدهم، قد تغير من حالة البرمجة النفسية التي نشأوا عليها.
ولماذا الورود؟ لأن حب الطبيعة بالنسبة للطبقات الدنيا، غير مجدي ومضيعة للوقت. هذا الحب، لا يستهلك منتجات ولا يخدم اقتصاد، ولا يساهم في استقرار اجتماعي.
التنويم المغناطيسي يغرس الأفكار اللازمة في عقول الرضع والأطفال أثناء نومهم، عن طريق تكرار عبارات أخلاقية معينة 200 مرة، فتصبح جزءا لا يتجزأ من عقل وإحساس كل طفل.
ثم يظهر مراقب غرب أوروبا، "مصطفى موند"، لكي يعطي الطلاب محاضرة عن الطريقة التي كانت تسير عليها الأمور من قبل.
في الماضي، قبل تأسيس النظام العالمي الطوباوي، اعتاد الناس على أن يكونوا آباء وأمهات، واعتادوا أن ينجبوا أطفالا عن طريق الولادة الطبيعية. أدى هذا النظام إلى وجود ارتباطات عائلية خلقت مشاكل عديدة، وأصبحت العواطف من حب والتزام وكره وغيرة وخلافه، عائقا في طريق السعادة والاستقرار.
حاول الأنبياء والرسل والإصلاحيون الأوائل تغيير الأمور، لكنهم فشلوا. ثم جاءت الحروب التي بلغت ذروتها باستخدام قنابل الميكروبات (القنابل الذرية لم تكن قد اكتشفت وقت كتابة الرواية). وجاءت حرب السنوات التسع، التي جعلت العالم يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة.
بعد أن أنهكتهم ظروفهم المعيشية الكارثية، سمحت الشعوب أخيرا للمصلحين العالميين بأخذ زمام الأمور. وسرعان ما قضى الإصلاحيون على الدين برمته، والزواج الأحادي، ومعظم السمات الفردية الأخرى. وحققوا بذلك الاستقرار في المجتمع، بالتكنولوجيا المتقدمة والعودة إلى النظام الطبقي، واستخدام مخدر السوما.
برنارد، من فئة الألفا. هو شاب قصير القامة داكن الشعر. يعتقد أنه قد تلقى، عن طريق الخطأ، جرعة زائدة من الكحول عندما كان جنينا على خط التجميع أثرت في تفكيره. يكرهه زملاؤه في العمل ويتحدثون عنه بعبارات مهينة.
برنارد شغوف بلينينا، وهي أيضا عضو من فئة ألفا. قامت لينينا بإخبار رئيسها بأن برنارد قد طلب منها الذهاب معه إلى مكان بعيد يدعى المحمية الوحشية. التوحش هنا بمعنى أن السكان لا يتبعون المجتمع الطوباوي المتحضر.
لينينا كانت تواعد هنري على مدى الأشهر القليلة الماضية. ولأن العلاقات الجنسية بين الذكور والإناث طويلة الأجل ممنوعه، خوفا من الوقوع في الحب والزواج، لذلك وافقت على الذهاب مع برنارد إلى المحمية الوحشية.
يذهب برنارد إلى توماكين، المدير، لكي يحصل على توقيعه للذهاب للمحمية. يروي المدير قصة ذهابه إلى هناك قبل خمسة وعشرين عاما مع امرأة. خلال عاصفة، تاهت المرأة في المحمية وأجبرته الظروف على تركها هناك والعودة.
ثم يستدرك المدير ويقول إنه ما كان ينبغي له أن يروي لبرنارد هذه القصة، ويبدأ في الصراخ في وجهه بشكل دفاعي. يغادر برنارد دون أن يزعجه هذا التصرف من المدير. ثم يذهب لكي يخبر صديقه الحميم هيلمهولتز، بما حدث في مقابلته مع المدير.
هيلمهولتز، هو ألفا متفوق فكريا. أصيب بخيبة أمل في المجتمع. كان قد سئم عمله، الذي يتكون من كتابة الشعارات والبيانات لإلهام الناس. يشير هيلمهولتز إلى أنه يبحث عن طريقة للتعبير عن شيء ما بداخله، لكنه لا يعرف ما هو. إنه يشفق على برنارد، ويدرك أن أيا منهما لا يمكنه أن ينسجم تماما مع هذا المجتمع.
يطير برنارد مع لينينا إلى المحمية الوحشية البعيدة. أثناء وجوده هناك أدرك أنه قد ترك صنبور عطر يجري في غرفته، لذلك اتصل بهلمهولتز ليطلب منه غلق المحبس. يخبره هيلمهولتز أن المدير على وشك نفي برنارد إلى أيسلندا، لأن برنارد كان يتصرف في الآونة الأخيرة بشكل معاد للمجتمع.
يدخل برنارد ولينينا المحمية ويشاهدان الهنود وهم يؤدون رقصة دينية لضمان حصاد جيد. يقترب منهم شاب يدعى جون ويقدم لهما نفسه. ولد جون لامرأة تدعى ليندا، قد تركت في المحمية قبل خمسة وعشرين عاما تقريبا.
جون، ويدعى أيضا جون المتوحش، حريص على تعلم كل شيء عن العالم الطوباوي. اتضح أن ليندا هي نفس المرأة التي أخذها المدير إلى المحمية وتركها هناك.
لم تتمكن ليندا من المغادرة لأنها كانت حاملا بجون، والمجتمع الطوباوي لا يحبذ فكرة الولادة الطبيعية ويعتبرها مثيرة للاشمئزاز، وأن الأمومة وولادة الأطفال تعتبر من المحرمات.
يدرك برنارد أن جون وليندا يمكن أن ينقذاه من النفي إلى أيسلندا. يتصل بمصطفى موند، ويتلقى الموافقة على إحضارهما إلى لندن. عندما يعود برنارد أخيرا، يتعين عليه مقابلة المدير.
يصر المدير على ذهاب برنارد إلى أيسلندا. فيسخر برنارد منه ويذكره بحكاية ليندا، الفتاة التي تركها في المحمية وابنها جون. بعد الكشف عن ماضيه، يشعر المدير بالخزي ويستقيل.
يصبح برنارد من المشاهير بين عشية وضحاها بسبب صلته بجون القادم من المحمية المتوحشة. مستمتعا بشعبيته المفاجئة، يبدأ برنارد في مواعدة العديد من النساء، ويصبح متعجرفا للغاية.
يقيم برنارد حفلا ويدعو له العديد من الضيوف البارزين لمقبلة جون. لكن يرفض جون الحضور، مما يحرج برنارد أمام ضيوفه. يغادر الضيوف في غضب بينما يكافح برنارد من أجل إصلاح الضرر. أما جون فقد كان أكثر سعادة، لأن برنارد سوف يعود إلى طبيعته وصداقته من جديد.
أصبح هيلمهولتز وجون صديقين حميمين للغاية. كتب هيلمهولتز قطعة شعرية تصف وحدته، قرأها لطلابه، مما أوقعه في مشكلة. يسحب جون نسخته القديمة من الأعمال الكاملة لشكسبير، ويبدأ في القراءة. يطغى سحر اللغة على هيلمهولتز، الذي يدرك أن هذا هو ما كان يحاول كتابته.
بدأت تميل لينينا نحو جون، لأنه مختلف عن الرجال المبرمجة التي عرفتهم، وقررت أخيرا الذهاب لرؤيته. بعد بضع دقائق، أخبرها أنه يحبها. لينينا سعيدة جدا لسماع هذا، وتتجرد من ملابسها أمامه لكي يضاجعها.
فوجئ جون بما فعلته لينينا، وأصبح غاضبا للغاية منها. هو لا يزال يؤمن بقيم العالم القديم التي تنفر من ابتذال المرأة الجنسي ومضاجعتها لكل من يريد ذلك. صاح فيها وأخذ يضربها ويطاردها في الحمام. لحسن حظ لينينا، جاءت مكالمة تليفونية لجون في ذلك الوقت لكي تنقذها من غضبه.
يذهب جون إلى المستشفى لزيارة ليندا، والدته، بعد أن مرضت لتناولها جرعات زائدة من مخدر السوما. في ذلك الوقت، تصل مجموعة كبيرة من التوائم المتطابقة تماما. يلاحظون ليندا ويعلقون على زيادة وزنها ومدى قبحها. ففي العالم الطوباوي، لا يهرم الشخص ولا يزيد وزنه.
يدفعهم جون بشراسة بعيدا عنها. ثم يتحدث إلى والدته، التي تبدأ في طلب حضور البابا، وهو هندي عاشت معه في المحمية. جون يريدها أن تعرف من هو، فيقوم بهزها. تفتح عينيها وتراه ولكن في تلك اللحظة، تختنق وتموت. يلوم جون نفسه على موتها. لاحظ هنا الارتباط العاطفي والشعور بألم الفراق. مرة أخرى تقاطعه مجموعة التوائم، فيترك الغرفة في صمت.
عندما يصل جون إلى الطابق السفلي، يرى عدة مئات من التوائم المتطابقة ينتظرون في الطابور للحصول على حصصهم اليومية من مخدر السوما. هو يعتقد بحماس أنه يستطيع تغيير المجتمع، فينصحهم بالتخلي عن تعاطي المخدر الذي يتلف عقولهم ويستعبد أرواحهم ويقيد حرياتهم.
يمسك بحصص السوما، ويبدأ في رميها بعيدا. يغضب أعضاء الدلتا من هذا التصرف، ويبدأون في مهاجمته. يتلقى برنارد وهيلمهولتز مكالمة هاتفية تخبرهما بالذهاب إلى المستشفى. عند وصولهما، يجدان جون وسط أعضاء دلتا، يضحك هيلمهولتز ويذهب لنجدته.
يتم أخذ الثلاثة لمقابلة مصطفى موند، الذي تبين أنه رجل مثقف. يخبر برنارد وهيلمهولتز أنه يجب عليهما الذهاب إلى الجزيرة، التي ينفى إليها المنبوذين اجتماعيا. الجزيرة مخصصة للأشخاص الذين أصبحت وجهات نظرهم أكثر استقلالية، ولم يعودوا قادرين على الاندماج في المجتمع الكبير.
ينخرط جون ومصطفى في نقاش طويل حول ضرورة أن يكون للمجتمع هيكله الحالي. جون مستاء من حظر الدين ودراسة التاريخ والعلوم. يخبره مصطفى أن المجتمع قد صمم على هذا الشكل، حتى يزيد من سعادة كل شخص.
التاريخ والدين والعلوم، لا تعمل إلا على خلق عواطف وارتباطات، تزعزع استقرار المجتمع، وبالتالي تؤدي إلى تعاسته. من أجل ضمان الاستقرار التام، يتلقى كل شخص جلسات التكييف والتنويم المغناطيسي، ويتعلم كل فرد تجاهل الأشياء التي تؤدي إلى عدم الاستقرار.
يواصل جون الاحتجاج. ثم تأتي ذروة الرواية، عندما يخبر مصطفى جون قائلا: "أنت تطلب الحق في أن تكون تعيسا". ثم يذكر مصطفى قائمة طويلة من علل البشرية وشرورها. فيجيب جون: "نعم، أنا أوافق عليها جميعا".
يرسل مصطفى برنارد وهيلمهولتز بعيدا إلى الجزيرة، لكنه يرفض السماح لجون بالمغادرة. يخبر جون أنه يريد مواصلة التجربة معه لفترة أطول قليلا. يهرب جون من لندن إلى منارة مهجورة على مشارف المدينة، حيث ينشئ حديقة صغيرة ويقوم بتصنيع الأقواس والسهام. أي أنه يعود إلى النظام العالمي القديم.
للتخفيف من ألم تأنيب الضمير، والشعور بالذنب لوفاة ليندا، لأنه السبب في ذهابها إلى المجتمع الطوباوي، يصنع جون سوطا ويضرب نفسه به. يشاهده بعض أفراد الدلتا وهو يجلد نفسه. في غضون ثلاثة أيام، يأتي صحافيون لمقابلته. فهم لم يروا قط شخصا قد شعر بالذنب وتأنيب الضمير من قبل. وبعد يوم واحد، وصلت مئات المروحيات، حاملة أشخاصا يريدون رؤيته وهو يضرب نفسه. لقد أصبح جون فرجة.
لم يستطع جون الهروب منهم جميعا. تصل لينينا وهنري أيضا. وعندما يرى جون لينينا، يبدأ في ضربها بالسوط. سرعان ما يبدأ الحشد في ترديد ترنيمة "أورجي بورجي"، وهي ترنيمة تستخدم لتوليد الشعور بالوحدة.
يفقد جون نفسه وسط الحشد، ويستيقظ في اليوم التالي بعد تناول مخدر السوما، وينخرط في الرقص وترديد الترنيمة. إنه غارق في الشعور بالذنب وكراهية الذات. في ذلك المساء تم العثور عليه منتحرا في المنارة، معلقا في أحد الممرات.
ملاحظات على الرواية:
"عالم جديد شجاع"، هي رواية قاتمة مخيفة، لكن قوية ومؤثرة، ولا تنسى بسهولة. تعكس بعمق المجتمع والطبيعة البشرية. وتجعلنا نرى المصاعب والشدائد من حولنا بطريقة مختلفة.
تصف الرواية عالما مثاليا وسعيدا بشكل مرعب. المواطنون يتم تفريخهم في المصانع مثل الدجاج، بدلا من الحمل البشري المعتاد. الطبقات الاجتماعية يتم تكوينها عن طريق التعديل الوراثي وغسيل المخ أثناء تكوين الجنين.
على هذا النحو، يتم برمجة عمال منذ الطفولة لكي تناسب وظائفهم بشكل مثالي. فلا يغضبون ولا يتذمرون ولا يضربون أو يثورون، ويرضون بقليلهم. فهم سعداء بوضعهم هذا.
لا علاقات عاطفية مسموح بها بين الجنسين، لذلك لا يمكن أن تحدث صراعات أو غيرة أو حسد، أو أي شعور بالحزن. يسمح بإشباع الشهوة الجنسية بحرية وبدون قيود الزواج، وما يستلزمه من تكوين أسرة وإخلاص وحب وتربية أطفال والعناية بآباء كبار السن، إلخ.
يتم تغذية المجتمع الطوباوي برسالة، مفادها أن الجميع أسرة واحدة، ينتمون إلى بعضهم البعض. يولد الأفراد وهم محصنين وراثيا ضد الأمراض. المكملات الغذائية تبقي المواطنين شبابا وأصحاء إلى فترات طويلة.
من خلال كل هذا، يتم إمداد المجتمع باستمرار بجرعات من مخدر السوما. وهو دواء بدون آثار جانبية، يضع المواطن في حالة انسجام، ويجعله يهرب من أصغر التفاهات والمنغصات التي تعتريه في حياته اليومية.
لا يوجد شيء سوى النعيم لسكان هذا العالم. الجنة أو الفردوس على الأرض. كل جانب من جوانب "العالم الجديد الشجاع"، يشبه تماما تعريف المدينة الفاضلة. فلماذا يبدو الأمر بائسا للغاية؟
لا توجد معاناة في المجتمع الطوباوي. حتى الدوافع الإنسانية الأساسية، يتم التحكم فيها عن طريق جرعات من الأدرينالين والدوبامين، التي يتم الحصول عليها من خلال جلسات شهرية. ولا يسمح لأي مشاعر إنسانية لا يمكن إشباعها بأن تتشكل أثناء نمو الجنين. كل شيء يعمل بسلاسة. فلماذا هذا القلق؟
يعمل البشر باستمرار من أجل عالم مثالي، تحل فيه المشاكل، ويتم فيه تقليل المحن إلى الحد الأدنى. لكن الرواية تبين أن الشدائد والمحن ضرورية. نحن بحاجة إلى المعاناة لكي نشعر بأننا على قيد الحياة. الخير يحتاج إلى الشر. الإيمان بالله يقابله الإيمان بالشيطان. الين واليانج شيئان متلازمان.
الشعور بالامتنان، يأتي فقط عن طريق الشدائد التي يواجهها الآخرون. أنت لا تشعر بالغني إلا عندما تقارن نفسك بالفقراء. ولا تشعر بالرضى إلا بعد حل المشاكل. مجتمع بدون معاناة، هو مجتمع بدون إنسانية.
لون المبنى وحجمه يمثلان بوضوح ما يفكر فيه المجتمع حول الموت. مبنى كبير بلون زهرة الربيع، الكلمات مكتوبة بحروف كبيرة لامعة، الأجنحة مشرقة بأشعة الشمس.
بسبب البرمجة التي يمر بها الأفراد، هم لا يخافون الموت، بل يرحبون به عندما يأتي وقته. في العالم الجديد الشجاع، يتم برمجة الأفراد على أن يرحبوا بالموت، ويطمئنوا إلى حقيقة أنه عندما يموت الفرد، يمكن إعادة تدوير جثته وتحويلها إلى مواد كيميائية.
تطبيقات مثل هذه لا حصر لها. وقد ثار الكثيرون حول احتمال أن يكون العالم "هي جيانكوي" قد توصل إلى أول إنسان معدل وراثيا. فاللعب بالجينات يتعارض مع النظام الطبيعي للأشياء.
"العالم الجديد الشجاع"، ليس فقط ضد الطبيعة بشكل عام، ولكنه ضد الطبيعة البشرية بشكل خاص. تتطلب الطبيعة البشرية أن يكون لدينا تحديات مختلفة، مثل القتال من أجل الدفاع عن النفس، ويبدو أن محو قضايانا الملحة، ببساطة يتناقض تماما مع هذه الضرورة.
الحرية الكاملة في الحصول على المتعة، جعلت كل شخص مثل الرضيع، غير قادر على التفكير والإبداع بنفسه.
لا يمكن للمجتمع، في رواية عالم جديد شجاع، البقاء إلا بعد تدمير كل ماله صلة بالعلاقات والروابط الإنسانية. لم تعد علاقات الأب والأم موجودة لأن جميع البشر يولدون في مختبر علمي. لم تعد العلاقة بين الزوج والزوجة ضرورية لأن المجتمع يتجنب الزواج الأحادي.
العلم، كما تقول الرواية، مسؤول عن عدد كبير من إنجازات المجتمع. والتقدم العلمي هو السبب في مستويات السعادة التي يحققها كل فرد. لكن، إذا كان التقدم العلمي بدون قيود، فسوف يؤدي ذلك إلى نقص في مستوى السعادة أو ربما تدميرها بالكامل.
في الرواية، يعدل المجتمع السلوك البشري بحيث يسعى الناس إلى استهلاك السلع والخدمات قدر الإمكان. إلى الدرجة التي يمنع فيها قراءة الكتب وحب الورود بالنسبة للطبقات الدنيا، لأن ذلك لا يؤدي إلى استهلاك اقتصادي.
هذا يعني أن كل من يصنع مثل هذه السلع أو يقدم مثل هذه الخدمات، سيكون قادرا على البقاء في العمل. وبالتالي، سيظل اقتصاد المجتمع مستقرا. هذا، بالطبع، مهم للحفاظ على النظام، لكنه ينتج أيضا بشرا مثل الآلة، يفعلون ببساطة ما تعلموه وليس لديهم القدرة على التفكير بمفردهم.
حدود العلم:
في حين أن المجتمع قد حظر بشكل رئيسي الفن والدين واستبدلهما بالعلم، يدعي مصطفى موند أيضا أن الكثير من التقدم العلمي، يمكن أن يقلل أيضا من السعادة القصوى لكل فرد.
العلم، كما تقول الرواية، مسؤول عن عدد كبير من إنجازات المجتمع. والتقدم العلمي هو السبب في مستويات السعادة التي يحققها كل فرد. لكن، إذا كان التقدم العلمي بدون قيود، فسوف يؤدي ذلك إلى نقص في مستوى السعادة.
على سبيل المثال، لا تقوم الحكومة بهندسة الأغذية في مختبر علمي، بالرغم من أنها أسرع وتطعم المزيد من الناس. زراعة الغذاء بشكل طبيعي، تعطي الحكومة المزيد من فرص العمل لسكان الطبقة الدنيا. وبالتالي تبقيهم مشغولين وسعداء. يوضح هذا المثال أن التقدم العلمي، لا يزيد دائما من السعادة، وهي حقيقة قد رآها جون المتوحش بوضوح في مجتمعه الجديد.
المجتمع السلعي:
ينظر هكسلي إلى المجتمع السلعي على أنه يضر بالإبداع البشري. في الرواية، يعدل المجتمع السلوك البشري بحيث يسعى الناس إلى استهلاك السلع والخدمات قدر الإمكان. إلى الدرجة التي يمنع فيها حب الورود بالنسبة للطبقات الدنيا، لأن حب الطبيعة لا يؤدي إلى استهلاك اقتصادي.
هذا يعني أن كل من يصنع مثل هذه السلع أو يقدم مثل هذه الخدمات، سيكون قادرا على البقاء في العمل. وبالتالي، سيظل اقتصاد المجتمع مستقرا. هذا، بالطبع، مهم للحفاظ على النظام، لكنه ينتج أيضا بشرا يفعلون ببساطة ما تعلموه وليس لديهم سبب يحثهم على التفكير بمفردهم.
الحرية:
تصر لينينا على أن كل شخص يتمتع بقدر كبير من الحرية. الحرية في قضاء أفضل وقت. تناول المخدرات يمثل هذا النوع من الحريات. لأنها تضع الناس في حالة من الغيبوبة، لم يعودوا يشعرون فيها بأنهم يجب أن يطرحوا أسئلة، أو يتحدوا هياكل المجتمع. لكن يصر برنارد على أن هذه ليست حرية على الإطلاق.
يدعي برنارد أن مثله الأعلى للحرية هو حرية أن يكون فردا بعيدا عن بقية المجتمع. يسعى برنارد جاهدا ليكون حرا "بطريقته الخاصة. يجادل هكسلي هنا بأن بعض الهياكل في مجتمعنا الحديث تعمل بنفس الطريقة التي تعمل بها المخدرات.
في هذه الرواية، غالبا ما يجادل هكسلي ضد استخدام الإعلانات، وخصوصا التي تقوم بتنويم الناس لكي يرغبوا ويقوموا بشراء منتجات معينة ليسوا في حاجة إليها. مثل هذه الأشياء تبقي الناس داخل هياكل محددة مسبقا، وتسحق الفكر الحر.
الدافع البشري:
في الرواية، تشجع السلطات جميع الناس على النوم وممارسة الجنس مع أكبر عدد ممكن من الجنس الآخر، بقدر الإمكان. في الأجيال السابقة، كانت مؤسسات مثل مؤسسة الزواج، هي التي تسيطر على هذه الدوافع.
من خلال إلغاء مؤسسات الزواج وتشجيع السلوك الذي اعتبره المجتمع ذات يوم غير أخلاقي، تخلص قادة العالم الجديد من المخاطر الكامنة في هذه الدوافع الجنسية.
لكن، يقترح هكسلي أن حرية هذه الدوافع تقوض إبداع البشرية. الحرية الكاملة في الحصول على المتعة، جعلت كل شخص مثل الرضيع، غير قادر على التفكير والإبداع بنفسه.
السعادة النفعية:
يهدف المجتمع النفعي إلى إنتاج أكبر قدر من المنفعة لأكبر عدد من الناس. في مجتمع هكسلي، هذه المنفعة هي السعادة. الحكومة والصناعة وجميع الأجهزة الاجتماعية الأخرى، موجودة من أجل تحقيق أقصى قدر من السعادة لجميع أفراد المجتمع.
جون، أو "جون المتوحش" كما يسمى في الرواية، يتمرد على فكرة السعادة النفعية هذه. يجادل بأن البشرية يجب أن تعرف أيضا كيف تكون غير سعيدة من أجل خلق الجمال وتقديره. استخدام المخدرات يدل على العكس.
يتناول الناس المخدرات من أجل أن يعطوا أنفسهم إجازة من التعاسة. لأنهم يرفضون تجربة التعاسة، فإن المخدرات تمنعهم من الإعجاب وتقدير الجمال، كما هو الحال في أحد المشاهد، عندما تطير لينينا وبرنارد فوق القناة الإنجليزية. فبدلا من أن ترى عرضا جميلا لمنظر طبيعي، ترى مشهدا مخيفا بشكل فظيع تريد تجنبه.
تحول العلاقات الإنسانية:
لا يمكن للمجتمع في رواية عالم جديد شجاع، البقاء إلا بعد تدمير كل ماله صلة بالعلاقات والروابط الإنسانية. لم تعد علاقات الأب والأم موجودة لأن جميع البشر يولدون في مختبر علمي. لم تعد العلاقة بين الزوج والزوجة ضرورية لأن المجتمع يتجنب الزواج الأحادي، ويتعلم الجميع، رجالا ونساء، المشاركة على قدم المساواة.
النتيجة، هي أن يفقد البشر القدرة على الحب. وعندما يبدأ كل من جون ولينينا في الشعور بهذه المشاعر القوية على مدار الرواية، لا يستطيعان التصرف بناء على هذه المشاعر بطريقة بناءة.