زهرة قرنفل
تماثل غادة اسمها فهي جميلة رقيقة غير إنها تعيش تعيسة في وسط اسرة مضطربة لا يهتم بعضها ببعض بل حتى لا يبتسم واحدها بوجه الآخر لذا فغادة يعلو وجهها الوجوم ويظهر على ملامحها البؤس ولا تستطيع أن تنتزع عنها سمة التجهم والتعاسة في البيت ولا خارجه. تراها وحيدة دائماً الا من صديقها كتابها الذي لا يفارق كفيها ولا يدري أحد هل فهمت منه علما أم حفظت منه أدباً. وفي إثناء ذهابها الى المدرسة عثرت في طريقها ذات يوم على زهرة جميلة لم تكن تعرف اسمها ولا نوعها غير إن جمالها الطاغي استلفت نظرها بقوة فانتزعها من لا مبالاة مزمنة، فاقتربت منها على غير عادتها ثم انحنت لتقبلها أو لتشمها فجرى عطرها القوي الى روحها فأحست باسترخاء وبإحساس بالجمال وبالعذوبة يسري الى جوفها ورويدا رويدا وهي تمشي الى مدرستها علا وجهها احمرار وحماس ثم انفرجت ملامحها وخاصة شفتاها عن ابتسامة ملائكية. دخلت المدرسة ولا تزال الابتسامة تنمو على شفتيها، عجبت الطالبات لرؤية هذه الابتسامة ومن ثم تعجبت المدرسات من ارتفاع رأس غادة واستقامة ظهرها في جلستها ومن حضورها الفعلي في مختلف المواد ومن مشاركتها المجدية في ما يجري في الصف من إجابة على الأسئلة ومن اشتراك في المناقشات. في الفسحة تجمعت الطالبات والتففن حول غادة راغبات في معرفة السبب في الاختلاف الجذري في كل ما تقول وما تفعل وعن انفراجة وجهها غير أنها لم تعطهم السبب الحقيقي لما صارت عليه، أعجبها كتمان الأمر حتى عن نفسها. لم تكن غبية ولا كسولة إنما هي محبطة لحد كرهها كل شيء أما الآن... ؟!!. حين عادت الى الدار - وقد اقتربت من الزهرة مرة ثانية - أبدت شيئا من الصخب لا العنف وابتسمت في وجه أُمها المتجهم مما جعلها ترفع حاجبيها عجبا واحتارت الأُم ماذا تفعل لذا مرت بابنتها مرور الكرام فما أبدت تعليقا ولا اهتماما.
أصبح مرورها بزهرة القرنفل واستعارة شيء من عطرها ضمن جدولها الصباحي اليومي، مارست الألعاب الرياضية فازدادت بهجة وقربا من زميلاتها. بعد بضعة أيام عادت واحدة منهن تفعل ما يفعلن وتتفوق في الدرس واللعب. وحين تعود الى البيت تبتسم في وجه أمها مما أصاب الأُم شيئا فشيئاً بالعدوى فأخذت الأُم تبتسم في وجه غادة أولاً ثم في وجه بسام ابنها الصغير ثم في وجه الجميع وما هي الا أيام حتى استعاد البيت وأهلوه العلاقات الأُسرية الطبيعية والتعاطف المتبادل وهنا أخذت غادة أُمها الى حيث تنام الزهرة على غصنها بوداعة لتريها إياها وتشاركها سرها الصغير ثم لتخبرها أُمها عن اسم الزهرة الذي حفظته الى آخر عمرها (زهرة القرنفل) ثم طلبت غادة من أُمها بلطف كثير أن تملأ الحديقة والبيت بزهور القرنفل الفواحة بعطر السعادة والفرح.