الأحد ٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢١
بقلم جميلة شحادة

خواطر

سنواتٌ مسافرة

وتمضي السنوات مسافرة بنا دون توقف؛ لا تمل الرحيل، ولا تعبأ بمشقةِ السفر. ترحل عنا مسرعةً سنة تلو الأخرى، تاركة وراءها تلالا من الذكريات، وأكداسا مكدسة من تجارب سنوات العمر، وتواقيع الزمن على صفحات أيامنا. نلتقطها، نلملمها، نحفظها، وفي ملفات بنفسجة اللون نتولى مهمة تصنيفها، تحت أبواب متعددة المذاقات والنكهات، ومختلفة المشاعر والألوان: حلوة، مُرّة، وردية، محرجة، محزنة، مفرحة، مشجعة...
نحن نصنفها دون وعي منا، أننا نفعل ذلك استعدادا لخزنها في أدراج مخنا ومخيخنا خزنا محكمًا، خوفا من أن يطالها جفاف العجْز، وتشوش الفِكر. فما أحوجنا لها غدًا لتكون زادًا نقتات عليه؛ عندما تداهمنا أعوام المحل، وتصبح أنيسنا عند رحيل الضوضاء من حولنا، وعندما يسود المكان سكون قاتل.

المقاعد الفارغة

تثير المقاعدُ الفارغةُ بيَ الحزنَ؛ فقد لا يعود البعضُ ممَّن شَغَلها ذاتَ أُنسٍ إليها مرة ثانية.

ربما؛ ستظلُّ شاغرةً كتلك التي ما زالت تحتلُّ مساحةً من أركان بيتي، وتنتظر الأحبةَ الذين غادروها ولم يعودوا، لقدِ اكتفوا بأن تركوا عطرهم يفوح في كل ثنايا المكان والزمان، لكنّنا نحن، ما اكتفينا.

تلمع دمعتان في عينيّ، تترقرقانِ، تتوسلانِ أن أفكَّ قيْدهما، لكني أقسى من السجّانِ. أعيدهما سريعًا الى مخبئهما، لتناما حتى حلول الشتاء، حين تشتد حلكة الغيوم، ويلسع البرد القارس جسد الوحشة.

لستُ جاهزة بعدُ لأظهر حزني، لست جاهزة بعدُ، لأكشفَ لبيض الوجوهِ سَمار فقْدي، لستُ جاهزة بعدُ، لأسرقَ منَ الحديقةِ نَضارة الوردِ، فالليلةَ أُنسٌ، وبعدَها أمرُ.

عيد وتهنئة خجولة

كما النعامة التي تدفن رأسها في الرِّمالِ وتحسَبُ أنها أمِنتْ منَ الخطر، أُغمضُ عينيَّ وأتقدمُ بالتهنئة للمحتفلين بالعيد. وكأني ما عدتُ أرى اولئك المحزونين، ولا هؤلاء المحرومين، ولا أولئك المكبّلين بسلاسل القهر والظلم. كأن وجعهم ما عاد يوجعني، كأن حرمانهم ما عاد يؤرق نومي، كأن حاجتهم للاغتسالِ بنورِ الشّمس وتكحيل أعينهم بضوء القمرِ ما عاد ينهشُ روحي، كأن حاجتهم لتدفئة اللحم تحت الظفر ما عاد يفقدني توازن السكر في دمي، وما عاد يرميني بصداع مستديم، أخفقت وصفات الأطباء في علاجه، حتى بات رفيقي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى