هلا هلا بكم في مونديال قطر 2022
كنت في مقالٍ سابق قد نشرته قبل عدة سنوات بعنوان: "لا مع ستّي بخير ولا مع سيدي بخير" قد كشفتُ عن أني أفهم في لعبة كرة القدم، كفهْمي لنصٍّ مكتوبٍ باللغة الصينية. مع ذلك، ها أنا الآن أعود لأكتب عن جوانب أخرى تتعلق بهذه اللعبة، وما كنت سأفعل، لو أن مباريات كأس العالم بكرة القدم قد جرت في دولةٍ أخرى غير دولة قطر. لقد أثارت استضافة دولة قطر لمباريات كأس العالم بكرة القدم / المونديال الكثير من الجدل عالميًا ومحليًا وقطريًا، وعلى مستوى الهيئات والمؤسسات، بل والأفراد أيضًا، ولم يُترك أي تفصيل يتعلق بهذا الحدَث إلا وكُتب عنه، سلبًا أو إيجابًا. هناك من انتقد دولة قطر بسبب العدد الكبير من العمّال الأجانب الذين لقوا حتفهم (6500 عامل)، حيث يدّعون أن هؤلاء العمال قد لاقوا حتفهم بعد أن عملوا لسنوات عديدة في مشاريع لها علاقة بكأس العالم، وبظروف تفتقر للأمان؛ غير أن قطر لها رأي مغاير. وهناك مَن انتقد قطر على صرفها لمبالغ ضخمة على التحضيرات لمونديال 2022، وعلى حفل افتتاحه بحيث بلغت تكلفة التنظيم للمونديال 220 مليار يورو، ويدّعون أن المردود المالي سيكون أقل بكثير على قطر.
كذلك هم يدّعون أنه كان من الأجدى أن تُصرف هذه الأموال على أمور أخرى (لا حاجة لذكرها هنا). وهناك مَن انتقد قطر على عدم موافقتها لرفع أعلام المثليين، وهناك من انتقد أغنية افتتاح المونديال، وأغنية مريام فارس وفستانها، وهناك مَن عاب على قطر بعدم السماح ببيع الخمور، وهناك مَن هاجم قطر واتهمها بعدم احترام بل وسلب حقوق الإنسان وحقوق شرائح مختلفة من المجتمع مثل: شريحة الأفراد مع احتياجات خاصة، والمثليين... بل وعاب عليها ثقافتها المحافظة، وتمسّكها بتعاليم الدين الإسلامي. وهنا يُسأل السؤال: هل كل مَن انتقد وهاجم قطر هو محقٌ؟ وهل كلّ ما كُتب حتى الآن عن مونديال قطر 2022، سلبًا كان أم إيجابًا، هو موضوعيّ؟ برأيي، ليس تمامًا، وباعتقادي ليس من المفروض أن يكون حُكمنا على الأشياء والأمور موضوعيًا 100%، لأنه باعتقادي أيضًا، أن كل الأمور هي نسبية، كما أن الحقيقة، وللأسف، لها أوجه عديدة. مع ذلك، يجب عدم شخصنة الأمور، وألا ننساق وراء مشاعرنا، وأفكارنا المسبقة، ونزعاتنا السياسية، والعِرقية والدينية، والثقافية 100% عند حُكمنا على الأمور، وعلى الآخرين.
لقد أزال مونديال قطر 2022 ورقة التوت عن عورات دول الغرب، كذلك عن جمعيات، وهيئات ومؤسسات، بل وأفراد لهم انتماءاتهم السياسية والحزبية... وأنا أكتب هذا، لا يعني أنني منحازة إلى قطر أو غيرها، أو منحازة إلى حزب معين؛ فأنا لستُ مُحزَّبة. وإن كان لا بّد لي من الانحياز، فلن يكون انحيازي إلا للمستضعفين في الأرض، وللشعب الذي يُذبح ويُشرد ويجوع ويعرى وتُسلب كرامته كل يوم في ظلّ الاحتلال، والحروب اللعينة.
لا مانع من الانتقاد، لا مانع من طرح وجهات النظر، لا مانع من الاختلاف في الرأي ووجهات النظر؛ لكن لا يحقّ لك أن تحرّم على غيرك وتحلّل لنفسك؛ ممنوع أن تعميك عنصريتك من تشويه الحقيقة؛ لا يحقّ لك أن تفرض ثقافتك على مجتمعات لها ثقافتها الخاصة بها، أو أن تسخر من هذه الثقافة أو تنكرها أو تعيبها. أمريكا، ودول الغرب وغيرها من الدول التي يوجعها قلبها، وتدعّي أن حقوق الإنسان في قطر مهضومة، عليها أن تخجل؛ لأن هذه الدول تكيل بمكياليْن، ولن أفصّل أكثر، حتى لا أطيل على القارئ، ولأن الكثيرين يعرفون التفاصيل. أما عن الهيئات التي ادعتْ أن قطر لن تجني الكثير من الفائدة من هذا الحدث/ المونديال 2022، فقد أخطأت؛ لأن قطر ما قبل مونديال2022 لن تكون هي ذاتها بعده؛ قطر البلد الصغير مساحةً وعددًا، كبُر في أعيْن الكثيرين بعد أن تمكّن من استضافة المونديال، ونجح بالتنظيم له، وفرْض النظام والأمن والأمان خلال إجراء المباريات، ورحّب بجميع زوّاره.
أملتُ أن تكون فترة مونديال قطر 2022 مساحة للفرح، وترْك الخلافات السياسية جانبًا، بل أملتُ أن تتوقف الحروب، ويتوقف القتل والعنف ولو مؤقتًا. صحيح أن بلادنا لا تنعم بالسلام، وأن المجتمع البشري ليس خاليًا من العنف، والظلم، والقهر، وأن التحديات التي أمامنا جِسام إزاء الكثير من القضايا كقضية، تلوث المناخ مثلًا؛ لكن مع هذا لن تخرب الدنيا إذا توحّدنا لمدة قصيرة، أقل من شهر، وشغَلنا مونديال يطّل علينا كل أربع سنوات.
فالمونديال، هذا الحدث الرياضي الضخم، يحمل في طيّاته الكثير عدا المباريات للفوز بكأس العالم بكرة القدم، وحساب الربح المادي والخسارة للبلد المضيف، أو تصنيف مهارة المنتخبات وتوثيق ذلك في كتب تاريخ الرياضة؛ هو يمنحنا الكثير من المواقف التي نخزنها في ذاكرتنا لنستعيدها كّلما سنحت الفرصة لذلك فنبتسم، أو نحزن، أو نبدي أسانا على ما فات. فكم من أحبائنا أو أقربائنا أو معارفنا لم يعودوا معنا اليوم، ونستذكرهم بموقف حدث معهم ومعنا خلال مونديال سابق؟! ذكرتُ آنفًا أنني لا أفقه شيئًا بلعبة كرة القدم، ولا يعنيني المونديال كمباريات بكرة القدم، وإنما تعنيني الأجواء العامة والأجواء الأسرية، التي تحيط بالمونديال. فلكلً منّا ذكرياته مع المونديال، وأنا لي ذكرياتي الكثيرة معه، ربما سأستعرض بعضها يومًا ما.
إذن، فالمونديال ليس مباريات بكرة القدم فحسب، وإنما مساحة للحياة من الحياة؛ فكيف إذا كان هذا الحدث في قطر التي أعلنت رسالتها دون تأتأة: نحن شعب حضاري ومتطوّر؛ نحافظ على تراثنا وحضارتنا العربيّة والإسلاميّة والإنسانيّة، ونعتز بها. نرحّب بكم جميعًا. وهلا هلا بكم.