السبت ٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٠
بقلم توفيق الشيخ حسين

عشر صلوات للجسد حكايات مؤلمة

قلبها يخلق من صمته دفئا ً وحياة، تخترق فضاءات الوهم وتعود الى الواقع، كل شيء صامت، كل شيء ما وراء الأشياء، ما وراء الأكوان، لا تستوعبها كل الكلمات، لذا كانت كل شيء في كل شيء، تتخيل صورة الكلمة امرأة جميلة، الخيالات لها روح أحيانا ً تبعث الحيوية في الجدب وتنتمي لذاتها، تتوكأ على عناد الوقت الممُل ّ في الدار، تخرج الكلمات من روحها، شعرت بحراراتها، وهم ّ اللحظات أخذتها بعيدا ً، تبحث في كل الأمكنة، في الوجوه، في أعالي الأشجار، وفي بريق قطرات المطر، عن الخلاص من تراكمات الحياة لتعيش أجمل وأنقى اللحظات، تبحث عن ارتعاشات الجسد تحت شتاء الشمس اللندني.

تتعثر الهواجس بين الاقتراب من الحلم والخوف من الحقيقة، تنهض وتتحصن بكتابها المفضّل، كلما عاندتها تجاعيد الأيام لجأت اليه، تتلمس الورق وتدخل عمق القصيدة وتعيش مع كاهنة، ضاقت الدائرة عليها منذ أول يوم خرجت به عن وطنها، حلمها المراهق يقاد الى سنوات مهملة، يلوك بها التصحرّ الذئبي بوحشية، فتسقط مثل حجارة من جبل الى قعر ٍ متحجر.

تجمع الكاتبة "وفاء عبدالرزاق"في روايتها"عشرة صلاة للجسد"الخيال بالواقع وقررت أن تختبيء خلف قناع أسم وهمي"أزاهير"لتسقط على لسان شخصياتها أفكارهم ومشاعرهم دون خوف، التي أعطت صوت لبطلتها التي تجسد قهرها كما تجسد أحلامها في تجاوز بؤس واقعها، في أعماق قلبها امرأة اخرى صورة مغايرة عن التي تركتها وهاجرت، تفتح لها قلبها ولم تمتلك ذاتها.

أعتمدت الكاتبة وفاء عبدالرزاق في رسم وأستحضار بطلاتها من قراءاتها للنص التاريخي من عهد الحضارة السومرية لأول شاعرة أكدية أبنة الملك العظيم"سرجون"ومن على منصتها تقرأ قصائد للسيدة ذات القلب الأعظم"إنانا وأبه". صديقتها الحبيبة الى قلبها، شاعرتها الأثيرة"إنهيدوانا"حين دخلت عوالمها في معبدها المقدس من أولى قراءاتها تيقنت جيدا ً لماذا كل صلواتها كانت لـ"إنانا"انها تؤمن عن قناعة بأن المرأة إله الحياة، لذا عشقت صلواتها وسط إندهاش الجميع وتقديسها لـ"إنانا وأبه"لعل ثقتها تزعزعت بالألهة الذكور وخاب ظنها حين تعرضت لأقسى درجات الألم وشعرت بروعة ذاتها، فمن يتحمل الأقسى يبقى الأقوى والأهم.

من هنا تدخلنا الكاتبة"وفاء عبدالرزاق"الى عشر صلوات سومرية عبر روايتها"عشر صلوات للجسد"**، الرواية تجسد خيبة بحث النساء عن الحرية والديمقراطية في لندن، التقت الساردة"الراوية أزاهير"بالكثير من النساء اللواتي تعذبن ّ وما زال العذاب متوارثا ًفالظلم يدفعهم لتحقيق الذات، في قلب كل منهما قصة مؤلمة، حين تكتب عن المرأة فهي تثق في وعي ومسؤولية، وبكتابتها تهب حريات تليق بتطلعاتها الإنسانية، هي تجيد الكتابة عن بنات جنسها وما تعانيه المرأة في مجتمع ذكوري، في رواياتها وقصصها نصا ً إبداعيا ً دالا ً على ثقافتها وملكتها في التصوّر والخلق.

يظل الصندوق الأكثر إثارة في الرواية، حُفرت عليه كلمات غريبة، أشكال وصور، من أين جاء هذا ؟ تساور أزاهير"الراوية"الحيرة دائما ً عمن جلبه هنا دون علمها، هي لم تشتره سابقا ً ولا قريبا ً، تشعر كأنها عمياء يبحث عن مجهول لهذا الصندوق، تنظر اليه بقلب صامت ومتيقظ قد يخرج منه ثعبان أو جني أو مارد، ما تعنيه من حركاته، ماسر صوته، ترى في داخله نساء وحركة مجتمع وأحاديث، فتحته وتركته مفتوحا ً باحثة عن سر اللغز.

تسير ومعها كتابها المفضل"صلاة إنهيدوانا"وتتخذ ظلا ً لشجرة تطل ّ على النهر، تقرأ عن الزواج المقدّس وكيف هو فرض من فرائض ديانة"إنانا"، هكذا تسير الحكايات، غصّة بغصّة وحكاية موجعة بحكايات أكثر منها إيلاما ً وكانت رائحة الألم تفوح من معاني الكلمات، النص ّ السردي ّ يقوم على اقتناص الأحداث الواقعية وبلورتها وتحويرها لكينونة لغوية تحيلها من الواقعي الى الجمالي ّ في اطار بنية سردية، وتعد ّ الشكل الأكثر توثيقا ً للفضاء الزماني والمكاني.

الرواية تتحدث عن حياتها وتجربتها كونها عاشت مشكلات المرأة العربية والأجنبية المهاجرة وحكاياتها عن عالم المرأة الموحش، شخصياتها كلها من النساء ومختلف الثقافات والجنسيات وتجمعهن هموم إنسانية واحدة.عرفت في قلب كل من صديقاتها قصة مؤلمة، المتعة التي يشعر بها الرجل وهو يقسو ضربا ً على زوجته، يلوث قدسية العشرة الزوجية، هذا ما نلاحظه بحكاية "بربارة"انجليزية

تشارف الخامسة والثلاثين من العمر، تؤمى ّ همسا ً وبالكلام أحيانا ً، واحيانا ً بصوت عال، خاصة حينما يأخذها حماس المعاناة، رأت دفء الألم يتساقط مع دمعات هطلت غيظا ً على خدّها، بدا تحت عينها اليسرى ورم ٌ مزرق حاولت أخفاءه بخصلة ٍ من شعرها، حتى هنا ضرب ٌ وإضطهاد في بلد الحرية والديمقراطية ! أقتربت شابة أفريقية منها:

"كلنا مثلك سيدتي، لذا ننظر الى أجسادنا المُباحة على أنها لها الحق في لذّتّها ونشوتها"من كثر الأضطهاد والألم أصبحت تبدو أكثر نحولا ً ووجه شاحب، لا تقوى على التركيز والسياقة والرؤية مشوشة عندها وتشعر بحمى ّ أحيانا ً ونشفان في الريق، سيدتي نطقها الطبيب إنك مصابة بمرض"الايدز"، جمدت كأنها تمثال، عيناها شاخصتان بوجه الطبيب وجسدها متصلب، زوجها هو السبب في نقل العدوى، فقدت الوعي وأغمي عليها وأدخلت المستشفى، بعدها جاءها الخبر سيدة"أزاهير"نحن من مشفى"أيلنك"يؤسفنا أخبارك أن"بربارة"توفيت بالسكتة القلبية.

تجربة المرأة عند حرمانها الأمومة وأنهيار حياتها الزوجية من خلال حساسية العلاقة مع أطفال زوجها وما تتعرض له من قلق وخوف، في صالون الحلاقة
أصغيت "أزاهير" الى امرأة من المغرب تزوجت من رجل مصري كان مطلقا ً وله أربعة أولاد ذكور جاءت معه الى لندن، عانت من إضطهاده وأتضح لها إنها مربية لأولاده وليست زوجته، كان سليط اللسان، غليظ القلب، منعها من الإنجاب مدعيا ً أن له أولاد وحرمها من الأمومة ومن أنوثتها وإنسانيتها وكانت أيامها في لعنة الموت الحي.

عندما تتعرض المرأة الى شتى أنواع القهر الجسدي وخاصة الأغتصاب، حكاية
"هينار"من بلد عريق مثل الهند سليلة"غاندي وانديرة وطاغور"سليلة الديانات والمعتقدات، المرأة مضطهدة في أعرق البلدان حضارة وثقافة، تروي لهم عن أختها"أنوشكا"التي تعمل نادلة في أحد البارات في الهند، لم تبق غير ثلاثة شهور وذلك لنظرة المجتمع أن النادلة عاهرة وعليه لابد من معاقبتها لأنها تجلب العار لمدينتها وأهلها، تعرضت"أنوشكا"الى الإغتصاب فأعتبروها عار على الأسرة والقرية وتأمروا كلهم على قتلها، قطع أبوها رأسها وراح يدور به في القرية إعلانا ً عن انتصاره لشرفه وحتى تكون"أنوشكا"عبرة للباقيات كي لا يعملن نادلات.

تجسيد ما تعانية المرأة في أعماق شخصيتها بأنها سلعة وتُحرم من الحب والزواج حكاية"مهيرة"من باكستان تتأمل الوجوه والأحاديث وكأنها تحترق مع إيامها التاسعة عشرة، لكن الإحتراق قهرا ً جعلها تبدو في الأربعين، لا تختلف حكايتها عن حكاية "هينار"وكأنها مخلوقة اخرى غير التي تركتها في بلدها، بلد "بناظير بوتو"فالمرأة سلعة لا صوت لها ولا حق في الأختيار، فقد قتلتها العشيرة بقتلها كرامتها وصوتها لأنها رفضت الزواج بطريقة الأسرة وأختارت من تحب، أحتشدوا لقتل إرادتها وإنسانيتها، هرّبها أخوها الأصغر الى مركز خاص برعاية النساء المطلوبات بتهمة العار والزنىّ وبعرفهم الزانية من تعترض ليس إلا، وبواسطة هذا المركز طلبت اللجوء الى بريطانيا، وهناك أيضا حالة بشعة في أفغانستان، امرأة أُخرجت من خيمتها وأمام ابنائها تم تصويب الرصاص على رأسها بتهمة الدعارة، قاتلها بعد استمتاعه بها ليلا ً قرر قتلها مدعيا ً الشرف والشهامة.

اكدت الناقدة العراقية "نادية هناوي" أن الرواية النسوية هي الأكثر تماشيا ً مع المرحلة ما بعد الحداثية بسبب عوامل بعضها سياسية وإجتماعية ونفسية وبعضها الآخر فني وذاتي، ولا يعد السرد نسويا ً الإ إذا أعادت الكاتبة صياغة صوتها بتمثيلات أدبية ذات صور ونماذج أنثوية، تعكس ثقافة انفتاحية لا تؤمن بالحدود المرسومة، ولا تتحدد بالمعايير التي تجدها أو تقمعها.

هنا حكاية "دلكش" امرأة بريطانية من أصول ايرانية سحلو أمها من شعرها على الأرض وأغتصبوها جماعيا ً وقتلو اباها أمام عينها ثم سنحت لها ولأمها الفرصة للهروب الى لندن.

في "تايلند"تدفن المرأة حية في القبر قبل زوجها المتوفي، توضع هي على أرضية القبر وفوقها ثقل كبير من الخشب والطابوق ثم توضع جثة الزوج.

في بعض قبائل الهند تطبق أسوأ العادات جرما ً وذلك بحرق المرأة مع زوجها المتوفي، تربط مع جثته ويصب عليهما زيت سريع الأشتعال، أي ّ جرم ٍ وأي ّ إضطهاد هذا!!.

حددت الراوية "أزاهير"يومين من كل أسبوع للقائها بصديقاتها لتقص ّ كل واحدة قصتها وللإطلاع على مأساة كل واحدة منهن ويكون أختيارها في كل لقاء مكان يتفقن عليه، أماكن فيها من مغزى ّ ومعنى ّ ثقافي وأجتماعي"قلعة لندن، المتحف البريطاني، نهر التايمز، جسر البرج، محطة البرتن، مطعم سوهو".

الكاتبة "وفاء عبدالرزاق"مسكونة بوطنها العراق، هي عاشقة له يتمخض فيها وجعا ً ومحبة قالت: "أنا اراه محبوبي الأوحد الذي به توحدت، أبحث عن الوطن في ّ وأبحث عن نفسي فيه"

في عتمة الليل يبدو كل شيء صامتا ً، تباع المرأة وتورث مثل باقي الأملاك بعد وفاة الزوج ويحق للرجل بيع ابنته لرجل اخر كعبدة، بعض من عشائر العراق تأخذ المرأة "فصلية" لأهل القتيل، تساق للزوج ليحق له إهانتها كعبدة وضربها والحاقها بالضرر منه ومن أسرته، وايضا ً ما دار في الصحف والأعلام المرئي عن زواج القاصرات وأهلية الفتاة للزواج في سن التاسعة.

تمر أمامها صور ٌ كثيرة عن الزواج المقدّس أو الجنس المقدّس، المتعة والمسيار أتراهما إرث قديم؟ أو نحمل هذا العبء على أكتافنا لنورثه للجيل القادم كما أورثه لنا آباؤنا وأجدادنا!

"على هذه الأريكة تمدّد جسدي المنهك من عُقم الأيام، لم تنجب بطن اللحظات ساعة فرح تهزني من أعماقي، لم تفارق نظرة الحزن عيني، بصمة حدقتيها البنيتين وسِمتها الخاصة، كيف تكون الملابس ذئابا ً، المجوهرات عناكبا ً، والحلي مجرد ثرثرة على معصمي أو عنقي".

قسوة المجتمع من معتقدات الدين في قضية ختان البنات، حكاية "خضرة" امرأة
يهودية ذات أصول صومالية جاءت الى بريطانيا مع أسرتها لطلب اللجوء، كيف قاست من معتقدات دينها في قضية"ختان البنات"وهي في الخامسة من العمر والذين يعتبرون ختان الفتيات وخياطتهن بعد ذلك أفضل طريقة لعفتهن وعليه تكون عفة عوائلهن.
"ايملي"فرنسية رغبت دراسة الأدب الأنجليزي، تزوجت بعد أن تعرفت عليه في مرقص صغير، حبلت منه لكنه تمادى في بيعها لناس لا يعتقد إنهم اصدقاء له، مرضت وبسبب عدم قدرتها على مواصلة الدراسة فصلت من الجامعة، كانت فرحة بخلاصها من الجنين وهو في الشهر الرابع، تركته وبعدها أتممت دراستها وحصلت على عمل مدرسة لغة أنجليزية لغير الناطقين في أحد المعاهد في لندن.

حكاية "إيف" أمريكية الأب وبريطانية الأم، خلال تواصلها في التواصل الأجتماعي"الفيس بوك"تعلقت بشاب عراقي من مدينة الشطرة، كانت سعيدة في علاقتها معه عبر الأثير ومن خلال الشاشة، في ذات يوم حصل على منحة سفر الى لندن كونه رجلا ً اكاديميا، فوجئت في المطار بشخص آخر ليس كما وصف نفسه، استغربت منه واخذته الى الفندق الذي حجز فيه ثم تركته يعيش كذبته.

الجسد جزء لا يتجزأ من الكيان الإنساني وهو قيمة مقدّسة تحتاج الى فكر حر ونقاء قلبي وصدق مع الذات لإبراز جماليتها كما تقول"مادونا عسكر":

"المرأة كائن يخضع للتجربة الإنسانية والأختبار الحياتي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لكن المحيط العائلي والإجتماعي والتربوي والديني يقمع بشكل أو بآخر قدرتها على النمو ما يحول بينها وبين التعبير عن هواجسها وأفكارها".

"سارة" لها قلب طفلة وعينان غارقتان بالدموع، طفولة ألم وصمت، تزوجت أبن خالها المتعجرف الذي يرى نفسه ملك حياته، أوصلها الى الإنتحار ثلاث مرات والمرة الرابعة لم تنج منه، فقدت الوعي وشل ّ نصف جسدها ولسانها، كان يضطهدها بالعزلة عن العالم، العزلة من الواقع والحياة.

تعاني المرأة من قضية منع الزواج من الرجل الذي أحبته بسبب أختلاف الدين،
"فتنة" سيدة من مصر، مسيحية الدّيانة تعرفت على شاب مسلم، مجرد التفكير باختلاف الديانتين يشعرهما بالشلل والعجز، الحب قهر كل الأختلافات، قرر علي أن يعقد دون علم أسرتيهما، أوقفت الفكرة المحكمة كون فتنة عمرها أقل من السابعة عشرة، نسيت نفسها بين يديه، تحرك الحمل في بطنها، جل خوفها من إخوتها الثلاثة وأبيها المتعصب لمسيحيته، صديقتها المسيحية الثرثارة سربت خبر حملها لوالدتها، أصبحت خائفة حتى من ظلها، أتصلت بعلي واستعدا للسفر الى تركيا ومنها يطلبان اللجوء الى بريطانيا، وفعلا ً وصلا الى بريطانيا وكان لجوئهما باعتباره إضطهاد ديني.

"Bella" امرأة نحيفة قصيرة القامة، أجبرت على الزواج من أهلها وهي في سن المراهقة لأقطاعي ثري كبير السن، كون البنت عالة على أهلها في الصين، فالمولودة الأنثى حالة شؤم لإهلها، كانوا يتركون البنات وهن صغيرات في الحقول لتأكلهن الحيوانات المفترسة، يتابع عينها إذا سار معها في أي ّ مكان، زوجها مقيم في لندن منذ خمسين سنة وله مطعم كبير، مازالت عذراء والعذرية عندها نسيان الجسد والرغبة.

"ميلفا ماريك "زوجة" أنيشتاين"تخاطب أزاهير جئت أخذ قلمي منك الذي كتبت به أبحاثي في الفيزياء وجادلت به"أنيشتاين"بمعادلات كيميائية حتى وصلنا الى نظريتنا "قانون التأثير الكهروضوئي"التي نال عليها جائزة نوبل لوحده حين قدمها مذيلة بإسمه فقط وضاع كل تعبي وسهري معه، قصّر بعلاقته معي ومع أولاده، اذاقهم اليتم وهو على قيد الحياة، كان يعاملني كخادمة له ولا أتوقع منه علاقة زوجية طبيعية أو مودة وحتى صداقة، تركت المنزل لسنوات حتى حصلت على الطلاق.

حتى الفلاسفة يريدون المرأة ظلا ً صامتا ً، الفيلسوف "كونفيشوس" في بحثه عن امرأة يريدها أن تكون زوجة لا تسمع ولكن ليست صماء، لا ترى ولكن ليست عمياء، لا تتكلم ولكن ليست خرساء، فأين يجد هذه المرأة؟ إنه مازال يبحث عنها.

"كوريانا" تعني الرمح وأختها "لونجين" تعني الملكة من رومانيا، كانا باتجاه ركوب الحافلة عندما مرت سيارة واختطفتهما وغادرت بهم مسرعة وتم تكميمهما بكمام فيه مخدر، كانا في غرفة صغيرة مظلمة مرميتان على الأرض، تم التناوب على اغتصابهما، بقيا على هذه الحالة ثلاثة شهور حتى حبلت أختها، ثم هربوهما الى المانيا الوكر الكبير للدعارة، ماتت أختها وهي تنزف من الاجهاض، حتى جاء اليوم الذي انقذها شاب يهودي تعلق بها واستخرج لها وثيقة وعقد زواج وجواز سفر وسافرا الى لندن.

"زبيدة" أحب امرأة الى قلب"هارون الرشيد"، تمنت لو انها امرأة من عامة الناس تحب وتعشق وتتزوج من تعشقه، أم زوجها"الخيزران"تتدخل في حياتها، يحبها الرشيد وتعرف كل ليلة بأحضانه عددا ً من النساء، كان يعذبها بنسائه، رزينة ذات عقل ورأي وفصاحة وبلاغة، تنظم الشعر، أقسى ساعة مرت بها عندما دخل عليها الخليفة المأمون يُعزيها بإبنها، وعليها أستقبال قاتل إبنها بالتبجيل والترحاب.

"خولة" الأبنة الكبرى لوالديها، لم يفكر والدها بتوفير مستقبلهم كأسرة، حين تخرجت من الجامعة لم يفرح لها كباقي الآباء، كان يحاسبها حتى على شُرب الماء بينما أشترى لأخوته كلهم دورا ً، سافرت الى لندن لإكمال دراستها بعد أن جمعت من راتبها مبلغا من المال وحصلت على الدكتوراه في المحاسبة وعملت لدى شركة كبرى وحصلت على إقامة عمل ثم الجنسية البريطانية.

"جان دارك" حكم عليها بالموت حرقا ً بتهمة العصيان والزندقة، اسرها البريطانيون في حربهم مع فرنسا وحكمت عليها الكنيسة، خلّدتها الكنيسة الفرنسية بعد خمس وعشرين سنة حين اذن البابا "كاليسيوس الثالث" بإعادة النظر في محاكمتها من قبل لجنة مختصة التي قضت ببراءتها من تُهم وجهت اليها وأعلنتها بناء ً على ذلك شهيدة وقدّيسة، تعد ّ بطلة قومية فرنسية قادت الجيش الفرنسي الى عدة انتصارات مهمة خلال حرب المائة عام ممهدة الطريق لتتويج "شارل السابع" ملكا على البلاد وحين اسرت لم يتدخل"شارل السابع"لإنقاذها من الاسر، هكذا تساق النساء للحرق أحياء وتلفّق ضدّهن التُهم من أجل مصالح الكراسي والحكام والأساقفة!

تعانق كل مرايا الدار كالمجنونة، في الصالة اثنان، أمام غرفة نومها واحدة، في الغرفة اثنان تتحدث معها، تناقشها، تسألها، ترقص فرحة أمامها، تتصور أن تقول لها: أنها آتية بكل ما تملك من ضوء، تمجدها وتحبها،المرايا الوحيدة التي تحملتّها وصبرتّها وساندتّها ووجدت فيها ذاتها، والتي لم تصبح ظلا ً لأحد وبقت في محرابها وفي صلواتها العشر، هل هذا انتصار للمرأة؟ أم اللجوء اليها؟ إذا ً لا أحد يعرف المرأة بكل ما تمتلك من أحاسيس إلا المرأة.

تعرضت"هاريت توبمان"الأفريقية في صغرها للضرب على يد الكثير من أسيادها في مقاطعة "دورشيستر" بـ"ماريلاند"وتعرضت الى جرح كبير في الرأس وتسببت الإصابة بصداع ونوبات وتخيلات ورؤى، هربت عام 1849 الى "فيلادلفيا" لكنها سرعان ما عادت الى"ماريلاند"لإنقاذ عائلتها، اخرجت عائلتها من الولاية ببطء على مجموعات وقادت العشرات من العبيد الى الحّرية، كانت أول امرأة تقود حملة مسلحة في الحرب، وقادت حملة حُرر فيها 700 من العبيد، أنهكها المرض ودخلت في بيت للمسنيّن الأمريكيين من أصل أفريقي.

"بولا" خياطة للأسر الثرية الى أن اصبحت الخياطة الخاصة بالأميرة، كانت تجمع المعلومات وإيصالها الى الثوار في مدينة "بوغوتا"، وكانت تتسلل الى السجن بواسطة أحد الحرس وتزود السجناء بالأكل والماء، كشف أمرها وحين ساوموها بالقتل أو الأعتراف بمخابيء الثوار لم تتفوه بكلمة واحدة، أعدموها رميا ً بالرصاص وسط الساحة في العاصمة، بعد ذلك أصبحت رمزا ً للثورة حين نال شعبها حريته واستقلاله.

رواية متميزة تجعلك مشدودا ً تبحث عن حل اللغز، ومسألة وسؤال، هي نقد بأسلوب أنثوي، هي صرخة أحتجاج تكشف عن وجود أزمة حقيقية في الواقع.

**عشر صلوات للجسد / رواية / وفاء عبدالرزاق / افاتار للطباعة والنشر /
القاهرة / 2020 / لوحة الغلاف / الفنان العراقي صالح كريم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى