عقدة الوشق
في الظلام البهيم اتسعت أحداقها، فبدا وميضها رقراقا في كل مكان...عيون القطط تنادي بلغة الوميض، مواؤها الخافت من فرط الرعب يستحيل مواءً مجلجلا في السماء، هزيم رعد صداه يعزف الحان الحرية والكرامة، فهده لقطط الوديعة المتحضرة خَلقاً وخُلقاً لا تنشد غير حريتها وكرامتها.
الوشق المغتر بزعامته، المتغطرس عتيا وكبرياءً، يتجاهلها بكل وقاحة، ويقابلها بازدراء، فيضطرها إلى الإلحاح على رحيله عنها...يُقبِل الوشق محاطاً بالقطط البرية المتوحشة التواقة للقتل والدم... يصعد المنبر، يزمجر كالأسد،يتذكر أنه قط متوحش وهم قطط وديعة... فذكرهم بأنه أول الثائرين لما ثار على القط الأكبر، وأنه سيد لأولين والآخرين لما ثار على الوحيش من أسودٍ وفيلة ودببة وضباع ونسور..وتمرد على قوانينهم، وسن قانونا أسمى من دستورهم. فكيف بهم يجرؤون، وعليه يدعون، وهم قطط لاحول لها؟...يكفيهم قناعةً أن زعيمهم قط لكنه عميد أسود الدنيا جميعاً، و صاحب أطول زعامةٍ في كل العصور...وفي عهده عم الأمن والرخاء، فهو الذي أخرج لهم من بطون الأرض كنوزا وأقوانا تعففوا بها عن أكل لجردان، فغدت مطمئنة دون وجلٍ أو فزع...
وإذ لاحت له الجموع ثائرة مسترسلة، على رحيله مصرة وعازمة، اختلط في حنجرته المواء بالزئير، والعواء بالوعيد، وسرى منه الدم إلى العصب فأعماه الغضب، وتراءت له جموع القطط بعضها جرذان في لغط، وبعضها جراثيم تتكاثر، فأقسم أن يقضم الجرذان بأنيابه ويبيد الجراثيم بسائله النتن.