عمود السماء
ان السماء لا ترتفع عن الارض الا بفضل عمود قائم بينهما، وهذا العمود هو الذي يمنح القداسة للارض كما تعتقد كثير من الشعوب، فامكنة العبادة هي امكنة مقدسة لانها تقوم على اعمدة مقدسة ولا يجوز ان يتم فيها ما من شأنه ان يؤدي الى الدنس، لكن تقديس المكان يرتبط بوسائل وطرق معينه تربط الارض بالسماء، حسب ماهو شائع لدى قبيلة اشيلبا الاسترالية.
تعتقد قبيلة اشيلبا بان الكائن الآلهي نومباكولا هو الذي منح الصفة الكونية لارضهم في الازمنة الاسطورية الاولى، من هنا اهمية قدسية الارض التي يقيمون عليها، لانها ليست من صنعهم بل من صنع اجدادهم الذين وهبوها لهم ليقيموا فيها ويحفاظوا عليها مهما كلف الامر .
وقد اصبحت الارض مقدسة لدى قبيلة اشيلبا بعدما صنع نومباكولا العمود المقدس وبعد ان ربطه بالدم تسلق عليه وغاب في السماء، اذ ان نومباكولا هو الذي خلق جدهم الاول، وهذا العمود السماوي هو الطريقة الوحيدة للاتصال بالسماء، اي الاتصال بالآلهة لذلك عندما ينتقل الاشيلبا من مكان الى آخر فانهم يحرصون على ان ينقلوا معهم عامود السماء، وهم يختارون اتجاههم بحسب ميله، لانه يعرف صالحهم ويعرف جيدا ما هو خيرا لهم .
وهذا العمود المقدس المرتبط بالسماء يجعل ارضهم مقدسه على الدوام، لان الاتصال مستمر مع السماء طالما العمود لديهم، اما اذا تحطم العمود فهذا نذير شؤوم لانه يعني بطريقة او بأخرى "نهاية العالم"، وتحكي الاسطورة كيف كسر العمود المقدس ذات مرة فأمست القبيلة كلها فريسة القلق والخوف، وتاه افرادها في الارض غير المقدسة التي ليست من صنع اجدادهم، ثم جلسوا آخر الامر على الارض واستسلموا للموت.
وتتصل الارض بالسماء عبر العمود المقدس الذي تكون في اعلاه فتحة تؤدي الى السماء اما في الاسفل فالفتحة تؤدي الى العالم السفلي او الجحيم .
فالخلاص هو وظيفة هذا العمود المقدس، لانه يربطهم بالمجال السماوي، ولما كان الوجود البشري لدى قبيلة الاشيلبا الاسترالية متعذرا لولا هذا الاتصال المستمر بالسماء فانهم بغير هذا العمود تنقطع صلتهم بالسماء مما يدعهم يستسلمون للموت، لانهم بكل بساطة لا يمكنهم العيش الا في عالم مقدس هو الذي نظمه نومباكولا الجد الاول حيث يستحيل العيش اذا ماتخلى عنهم اي اذا ما انقطعت الصلة معه عبر كسر او تحطم العمود السماوي.
ويقيم الاشيلبا احتفالات سنوية يسيرون فيها على الدرب الذي سبقهم اليها الاجداد قبل ان يصعدوا الى السماء اي في ذاك الزمن الذي يسمونه "زمن الحلم"، ويتوقفون في اماكن لا تحصى حيث توقف الجدود ويكررون الحركات عينها التي قاموا بها في ذاك الزمان ولا يحملون سلاحا ويمتنعون عن مباشرة نسائهم ويغرقون كليا في "زمن الحلم"، فالعيد بالنسبة لهم ليس الا مناسبة لاستعادة الزمن الماضي، الذي يشمل على لحظات الخلق الاولى لذلك من الضروري استعادتها دوريا كي يصبحوا في كل لحظة معاصرين للاجداد الاوائل من هنا قدسية الاعياد، فالناس يمارسون في الاعياد نفس الاعمال المقدسة التي قام بها الاجداد الالهة.
وقد توارى الاله لدى الاشيلبا في الاعلى بعدما تعب من خلق الكون والحياة والانسان فانسحب الى السماء ليرتاح، لكنه ترك مدبرا مكانه لانه رحوم بشعبه ولا يمكن ان يتركهم وحدهم دون راعي، ولكن هذا الكائن السماوي لدى الاشيلبا هو كائن ابدي عالم بكل شيء وقادر على كل شيء، وما العمود المقدس الا الطريق للتواصل معه.