السبت ٢٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٤
بقلم مصطفى معروفي

عوامل ازدهار الأدب العربي الحديث

ازدهار الأدب الحديث لم يأت هكذا عفوا بل كانت هناك أسباب ثاوية من وراء تطوره وتقدمه،ولعل الحس الوطني والقومي كانا دافعين أساسيين إلى هذا الازدهار على مستوى كافة الأجناس الأدبية من شعر وقصة ورواية ومقالة إلخ.

لقد كان الحس الوطني المحلي بدأ يعم وينتشر تقريبا منذ بدأ الغزو الاستعماري للبلدان العربية،بحيث بات الحفاظ على الهوية الوطنية والدينية أمام محاولة الغزو لطمسها أمرا متعينا وواجبا ،فالبندقية وحدها لا تكفي لرد جماح المستعمر الغاشم والطامع،خاصة وأنه كان مدججا بترسانة كبيرة من العتاد والسلاح،فكان لا بد من إنشاء المدارس يتعلم فيها أبناء الشعب ويتشربون المبادئ الوطنية ليكونوا درعا لحماية بلدهم وصون هويته من المحو والاندثار.

هذه المدارس في نظري كانت هي اللبنة الأولى في الانفتاح على الأدب وعلوم اللغة العربية،وفيما بعد عززت بلبنات أخرى ساهمت إلى حد كبير في ازدهار الأدب حتى وصل الآن إلى ما وصل إليه من القوة والانتشار والعالمية ما يمكّننا من الاطمئنان على مستقبله ونموه،وإن كانت عالميته لم تبلغ بعد محل الرضى والاعتداد به.

وقد كان التقاء الشرق بالغرب هو أيضا عاملا في هذا الازدهار، وقد تجلى هذا الالتقاء في أمرين هما الهجمة الاستعمارية الشرسة على الوطن العربي من طرف القوى الامبريالية الكبرى لاحتلاله واستغلال خيراته من جهة، وإرسال البعوث إلى الغرب من أجل التحصيل العلمي هناك من جهة أخرى، بحيث إنه في آخر المطاف عادت هذه البعوث إلى الوطن وأحضرت معها ما تعلمته في الغرب وما شاهدته فيه من حضارة وتقدم، ولقحت بذلك ما هو موجود في الوطن،فحدثت ثلاثة أشياء كان لا بد لها أن تحدث، وهي الانبهار بهذا الوافد الجديد من الغرب والقبول به من طرف البعض، ثم الرفض وعدم قبوله من طرف بعض آخر، ثم هناك بعض ثالث بقي متذبذبا بين قابل ورافض، بمعنى بقي متوجسا لا يقر على قرار.

وقد لعبت الطباعة دورا كبيرا في ازدهار الأدب الحديث، إذ عمدت إلى طبع الكتب القيمة وأمهات دواوين الشعراء ،وسهلت وصول الكتاب إلى القارئ الذي كان يجد صعوبة وعنتا في الحصول عليه عندما كان الكتاب ينسخ باليد، وكان محدود العدد،وباهظ الثمن.

فالطباعة عملت على نشر الأعداد الوفيرة من الكتب،وصار ثمنها في متناول اليد، وهكذا صارت فئة عريضة من الشعب تستطيع أن تحصل على الكتاب وتقوم بقراءته.

وكما طبع الكتاب طبعت الجريدة والمجلة، وأحييت كتب التراث ،فوجد القارئ العربي في كل منها النصوص الرائعة التي عادت عليه بالفائدة العقلية والمتعة النفسية مما دفعه إلى التأثر بها وبالتالي النسج على منوالها.

ونحن نتحدث عن عوامل ازدهار الأدب الحديث في الوطن العربي علينا أن لا ننسى دور الترجمة في هذا الازدهار، فالترجمة عملت على قدم وساق على نقل الفكر الغربي إلينا، فكان غذاء انتفع به جسم ثقافتنا العربية من حيث المصطلحات الفنية والعلمية والأدبية وإحداث أجناس أدبية جديدة مثلما هو الشأن في القصة القصيرة و في المسرحية.

وقد أخذ الباحثون العرب ينسجون على منوال البحوث المترجمة في أبحاثهم العلمية والأدبية،ومنذ البدء سعت الترجمة إلى إحداث هذا المزج الذي نراه في الأدب العربي الحديث بين ثقافة الغرب والثقافة العربية القديمة.

وقبل أن أختم لا بد من الإشارة إلى ما للمكتبات العامة من الفضل في ازدهار الأدب ،وما للنقد الأدبي من أثر ملموس عليه.

إن الأدب العربي لم يزدهر بين عشية وضحاها، ولم يكن ليزدهر لولا تضافر العوامل التي أشرنا إليها أعلاه فيما بينها، فنحن ممتنون لها ولمن أوجدوها وفعّلوها تفعيلا منتجا وناجعا، فأسهموا في خدمة الأدب لا من أجلهم هم فحسب،بل من أجلهم وأجل الأجيال اللاحقة لهم، ونحن بدون ريب من هذه الأجيال اللاحقة.
والله من وراء القصد وهو ولي التوفيق.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى