الخميس ٢٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم أحمد مظهر سعدو

غزة تحاصرنا جميعاً

علــى مدى اثنين وعشرين يوماً أو يزيد، كانت غزة البطلة تحاصرنا جميعـاً، كل طفل جريح أو شهيد أو صامد، وكل امرأة ثكلى أو شهيدة، وكل شيخ شامخ يموت كما يموت الشجر واقفاً ، وكل قسامي أو مقاتل فلسطيني بتلاوين الساحة العربية الفلسطينية.. كانوا جميعاً وما يزالون يحاصروننا في حيواتنا، في قهرنا، وخذلاننا، في تخاذلنا، وفي الانتظار أمام شاشات الرائي وفضائياته. حصار ما بعده حصار .. بينما نهرب في أحسن الحالات إلى دموعنا، وقهرنا، إلى آهاتنا وقلة حيلتنا، وفي أضعف الإيمان إلى تجمهرنا أمام السفارات الصهيونية، أو الأمريكية، أو الأممية.. ومؤخراً وبكل أسف، أمام سفارات بعض أقطار الأمة العربية.

انتصرت غزة بشعبها وعشقها.. بإيمانها وصمودها، في امِّحائها بالأمة وزودها عن حياض الأمة كل الأمة .. انتصرت غزة لأنها عرفت كيف تستحق الحياة.. فو الله ما وجدتُ شعباً في حياتي يستحق الحياة كما يستحق الشعب الغزاوي.
إن حذاء أصغر طفل في غزة أطهر من أطهرنا، وعويل خُِدَّج أزكى من أزكى رائحة للبخور أو العطور العربية العريقة.. لا وأيم الحق ما عرفت أمتنا في عصرها الحديث والمتوسط أعظم وأنقى من شهداء غزة الذين ضحوا لنعيش، وارتقوا لنبقى على الأرض، صعدوا بأرواحهم ليستمروا بحصارنا ، بوضعنا الآسن ، وتقاعسنا الذي لا مبرر له ، وتقهقرنا الذي يصدق فيه قول الشاعر عمر أبو ريشة:

رب وامعتصماه انطلقت
ملء أفواه الصبايا اليتم
لامست أسماعهم لكنها
لم تلامس نخوة المعتصم

كم وكم من وامعتصماه أسمعتنا إياهــا نساء غـزة علـى فضائيات العهـر العربـي، لكنها لم تنل منا إلا البكاء، وقهر الرجال.. وها هي غزة من جديد تخرج من بين الأنقاض رافعة رأسها المفعم بالكرامة ، والمضمخ بدم طاهر مقدس سيساهم معنا في مستقبلات الأيام في بناء واحات للعشق والكرامة.. الفرح .. والعزة.. النخوة والشهامة.. آه يا غزة كم تحاصريننا، وكم نشتاق إلى أن نكون مثلك ومنك ، آه يا غزة ما أحلى مساءاتك الفوسفورية، وما أجمل عشقك للشهادة وولوجك جوانية الخريطة الربانية .. حاصرينا يا غزة حاصرينا ما أرقى حصارك وما أروع عطاءك .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى