غفلة
استلقى على فراشه، تململ مرات دون جدوى، فقد طار النوم من أجفانه، أحس بدوار في أم رأسه، تناول قرصا من الأسبرين، عاود الاستلقاء من جديد لعلّ النوم يداهمه، لكن دون جدوى. انقضى وقت طويل دون جديد، أحس أن شيئا ما ينقصه، يعكر صفوه. تساءل في نفسه: يا ترى ما الذي أزعجني هكذا وكنت طيلة اليوم أسعد الناس، ربّاه كيف يمكن أن ينقلب مزاجي هكذا، فجأة، وبدون مقدمات. تصفح جدول أحداث يومه يبحث عن حدث هنا أو حدث هناك، كانت الصور تمر أمام مخيلته، مرة تلو مرة لعله يجد شيئا، لكنه لم يجد ما يرشده إلى ضالته. أعاد المحاولة بعد المحاولة، ثمة فراغ يثير أعصابه، يمزق كيانه. طرح على نفسه ألف سؤال وسؤال: ألم يغضبك أحد؟ كلا .أحدث مكروه؟ لا. كان كلما طرح سؤالا بادر الجواب إلى سد الفراغ سريعا. كان متأكدا من أن يومه مر ممتعا، وأصدقـاؤه وأهـله كانوا جميعا حواليه يحتفلون بمناسبة حصوله على المنصب الجديد
ما الذي يمكن أن يعكر صفاء بمثل هذا النقاء؟! آخر الضيوف كان أخوه " احمد " الذي ما كان إلا كنسمة خفيفة تهب على قلبه.
نهض، وأخذ يقلب في أوراقه، وفي محفظته لعله يتذكر شيئا. مضى جزء من الليل، والأفكار تغزو عقله والأوهام تملأ صدره، لا تتوقف، تحدث وخزا، كيف وأنا الذي اعتدت على أن أنظم كل أموري، فجأة أجد نفسي أمام هذه الحيرة وهذا الذهول . فتح المذكـرة لعله يجد ما ينقصه: مواعيد ...حسابات...لا فائدة .
كان ابنه الصغير ينظر إليه، ينتظر منه المساعدة، حاول أن يفـر من الفراغ، كان يحاول ردم الهوة بكل قوة وتأبى إلا أن تتسع . أخيرا قرر أن يلتجئ إلى ابنه الصغير وقد اعتاد منه أن يحكي له الحكايات التي كان يقرأها في خزانة المدرسة، لكن ابنه هذه المرة مشغول بالتمارين المنزلية، رأسه مطأطأ على الدفاتـر. قال: يا بني هات الدفتر أساعدك. أجاب الابن بهدوء: ولكنك يا أبت لا تتقن غير اللغة الفرنسية . تلعثم الأب: من قال لك هذا يا بني ؟ هات السؤال وسترى !
فاجأه الصبي باندفاع: ما هي مبطلات الصلاة يا أبي ؟
ارتبك الأب، وظهرت على وجهه علامات الذهول والانزعاج، " الله يرضي عليك يا وليدي، لهلا إنسّينا فالشهادة " قبـّل جبهة ابنه الذي بدا عليه التحير .
هرول الأب إلى غرفة الضيـوف، وابنه يصيح من ورائه : أبي ألا تساعدني؟!
أما الأب فكان قد وجد الجواب عن حيرته : إنه في غمرة الاحتفال، نسي أن يصلي صلاة العشاء .