فوق ما يشعرون
كما تذكرني الآن سأعرفك غداً، الترابُ الذي تكوّرَ لحماً على روحِكَ قبلَ أن يمضغَه رحمٌ آخاني توأماً في كفّ امرأة،
نحنُ لا نكشفُ الغَطاء بل نألفُ الليلَ ونسبرُ العتَمَاتِ فوقَ ما يشعرون.
ألتمسُ العذرَ،
أعلمُ مخالفتي:
لقد لعبنا معاً في رمادِ الموتى على ضفاف (النهر الذي ينبع من إصبع قدم الإله) كم كنتَ تخشى أن تحردَ التينةَ منكَ، وكم كنتُ أعبثُ بها قبل نضوجها.
وأقول لك: ارضعْ من حليب ثمارها المقطوفةِ قبل الأوان.. حلَماتُ أمّي قطفها الموتُ عندما جفَّ حليبُ الرؤم من عاطفةِ الآلهة.
هل تذكر؟
كنّا طفلين.. نمرحُ فوق العشبِ ولا نغطّي من أجسادنا السمراء سوى ما نخشى عليه من حسدِ الجذوع المبتورة.
هل تذكر؟
كنتَ عارياً وكان وسطُكَ مشدوداً بحزامٍ من جلدِ غزالةٍ يتدلّى إلى ما فوق رُكَبِك كأوراق الدُّلْب، كنتَ لا تأبهُ لأنينِ الأعشابِ عندما تراك بهذا الحزام، ولكنّ ذاكرتَك آلمها الأنين، فحللتَ حزامَكَ وعلّقتَهُ في عضدِ غصنٍ مجموم، وانحنيتَ على الأعشابِ تربِّتُ على شعورها وهي تُخضِّبُ كفّيكَ بالندى راضيةً.. هامسةً
فيما بينها: سيسقطُ هذا الحزامُ ونأكلُهُ كالسماد.
هل تذكرُ؟
عندما خوَّضنا في ماء (الكنج) نلتقطُ الحصى وندّعي أننا من شكَّلَها هكذا،
كنّا نتسابقُ من يحملُ أكثر عدداً في كفّيه، ورأينا ظِلَّ المسافرِ يلقي عَصاهُ المعقوفةَ إلى الماء وصوتٌ يقول: بعدد ما حملتما في كفوفكما من الحصى ستسبحون في نفس الماء وستأكلونَ أحزانكم كالعشب مكروراً بما لا يتَّسعُ لهُ العدُّ.
هل تذكرُ؟
أنا بحتُ وصرتُ حشرةً
ابقَ على كتمانِكَ يا صديقي
سأحدِّثُكَ عن متعةِ أن يكونَ الشاعرُ حشرةً، مرّةً تُضيءُ في الليل وتارةً تملأ أبوابَ الظلام صرصرةً، وأخرى تنامُ طيلة الشتاء في الأسقف كي تُفقِّسَ أسرارها كرّةً تلو كرَّة.
الشارقة
18/10/ 2005