قراءة في رواية ( نهاية سري الخطير ) للروائية زكية خيرهم
بما أن عنوان أي نص أدبي يشكل عنصراً أساسيا ً فيه لأنه مفتاح إجرائي يسهل للمتلقي الولوج
الى عالم النص وكشف أسراره وتكوين فكرة عن ماهيته فقد أجادت الكاتبة والروائية زكية خيرهم باختيارها لعنوان إيحائي ذي دلالة ضمنية مصاحبة للحدث الذي تدور حوله الرواية فــ ( نهاية سري الخطير ) عمل سردي يعالج مواضيع مهمة في المجتمع الشرقي المليء بتناقضات إجتماعية ومنها المرأة وحاجاتها الشخصية وكيفية التعامل مع هذا الكائن الذي يعتبر عنصراً فعالا فيه لامناص من الرضوخ لمتطلباته ومنحه فسحة أكبر من الحرية ليعبر عن رأيه في كافة مجالات الحياة . وقد كان طرحها لمواضيع ختان الأناث وكبت حرياتها ومنعها من اختيار الأطار الذي تريد أن تتحرك فيه بالإضافة الى النظرة الدونية لها من قبل العالم الذكوري طرحـاً جريئاً بأسلوب شيق ولغة رصينة وقد اختارت الكاتبة زكية خيرهم شخوصها من الواقع , وأضافت لها لمسات إبداعية ساحرة لتسهيل نقل وجهة نظرها للعقل الشرقي من خلال محاكاتها للشعور الانساني وعزفها على أوتار العاطفة التي تميز مجتمعنا عن باقي المجتمعات , وكان اختيارها لبطلة الرواية ( غالية ) اختياراً موفقاً الى حد مـــــا , فهذه الفتاة التي ولدت من أم مغربية وأب موريتاني عاشت في بيئة تتخللها عوامل قاسية نتيجة لعادات وتقاليد قديمة متأصلة في جذورها حتى باتت بعض الأسر والعوائل متطرفة في أحكامها على كل مايخص بناتها ووصل الأمر عند بعضهم للقتل خوفـــاً من إتهامهم بالعار والشرف أخذ منحىً سوداوياً غير قابل للنقاش وهذا أدى الى إصدار الأحكام بحق المرأة حتى بدون تحقق ودراسة للأ سباب المؤدية لهذا الأمر , فجاءت هذه الرواية لتكشف لنا جوانب خفية من ذات المرأة وهواجسها وآلامها وتسير بعقولنا الى مساحاتها الشاسعة بوعي وإدراك وحس عال ٍ ( العرابات يستعجلن العريس ليناولهن دليل الشرف والعفة , راية الانتصار المتمثلة بقطرات دم منقوع على منديل أبيض لايتجاوز طوله المتر الواحد ...... وإن تأخر ولم يستجب لطلبهن سيكسرن عليه الباب ) وبما أن ( غالية ) تظن أنها لاتملك هذا الدليل لأنها تعتقد بأنها قد فقدت عذريتها عندما كانت في سن السابعة بسبب سقوطها أرضا ً من مكان مرتفع وظل هذا الاعتقاد راسخاً في عقليتها فالمجتمع والعادات لاتسمح لها بالاستفسار عن مسببات هذا الدم فهي أنثى والتطرق الى هكذا مواضيع يعتبر عيباً يدخلها الى متاهات هي في غنى عنها فأخذت تركز على دراستها لانها تعتبر النجاح والتسلق الى مراتب العلم منفذاً لها تحقق أحلامها وتبعدها عن الزواج وبالتالي المسائلة والعقاب الذي سيكون قاسياً حتما .. بل مميتاً .
الزمن
للزمن أهمية كبيرة في الرواية باعتباره ركيزة أساسية تستند إليها العملية السردية فلايمكن لنا أن نحيط بكيفة الاشتغال على عامل الزمن في أي عمل أدبي دون التوقف عند دلائل تربط خيوط ذاك العمل , وبالتالي فإن وجود الزمن في النصوص السردية حتمية يتخذ أشكالا ً متعددة ربما تكون لحظاتها متتابعة أو متناثرة تقوم على الانتقائية التي تحدث ترابطاً يعمد اليها المؤلف عبر البحث عن علاقات تربط الأحداث بعضها بالبعض الاخر وهذا الأمر يتضح جلياً في رواية الكاتبة زكية ( نهاية السر الخطير ) ففي الفصل الأول نجد بأن الكاتبة تحاول تكريس عامل الزمن لخدمة النص ككل ( وصلت علية من تونس العاصمة الى مطار كوبنهاجن . كانت الساعة تشير الى العاشرة صباحاً لم تكن تعرف أحداً في هذا البلد , كما أنها لاتعرف الى أين ستستمر في رحلتها متسائلة في نفسها : لماذا النرويج ؟ فأنا لاأعرف لغة هذا البلد ولم أسمع عنه قط ........لم تحصل على رحلة قريبة , لابد أنها ستنتظر حتى الساعة الثامنة ليلاً ) وهذا الوقت كان كافيا لسماع غالية وهي تحكي لها وجعها وكيف كان الزمان يضخ في فضاءاتها أشكالا من الظلم فوصلت الى ما وصلت اليه .
الفلاش باك
كما كان لخاصية الاسترجاع أو ( الفلاش باك ) دوراً فاعلا في البناء الدرامي الفني للرواية وسببا ً لإظهار الاضطرابات النفسية التي كانت تصاحب ( غالية ) على الدوام ولبنة أساسة في هيكل الصورة السردية للحدث العام في النص وهذا ما أضاف له طابعا ً خاصاً وجاذبية تدفع بالمتلقي للغوص في مفازات الرواية ومتابعة أحداثها وبالتالي ربطها الموضوعي بالهدف المزمع إدراكه , فاستعادة الراوي لعناصر وأحداث من زمن الى زمن آخر بإتقان وحرفية ظاهرة في بنية العمل أضاف له بعداً آخر وهذا مانلاحظه في أغلب فصول الرواية التي بلغت سبعة عشر فصلا ً ( فغالية إتخذت من ( علية ) رفيقتها في السفر جمهورا ً تروي لها أحداث مؤدية لهروبها المستمر من مجتمعها المتزمت حسب تصنيفها المثبت بقرائن ودلائل من واقع تجربتها الغنية فهي قد قررت العيش في مجتمع متحضر متسامح مع المرأة أو بالاحرى مع سرها الخطير الذي يعتبر مأزقها الأزلي ( - أمسكت يدها وتوغلت بين أشجار الصنوبر .
– أختي لقد رأيت دما أحمر في ... ولا أعرف من أين جاء ؟؟
ابتسمت إبتسامة خبيثة وقالت أريني هذا الدم .
– أطلعتها على بقعة الدم فنظرت اليها بإمعان ثم تطلعت الي ّ من غير أن تتفوه بكلمة .. كنت أرى في عينيها مئات الاسئلة .....لكنها لم تقل شيئا ً بل وقفت بسرعة والتفتت يمنة ويسرة لتتأكد إن كان هناك أحد إخوتي أو شخص بالقرب منا , ثم قالت : لنذهب بسرعة الى الحمام لكي أغسل بقعة الدم ولاتخبري أحدا عن هذا السر الخطير ... ماذا تقصدين ؟؟. هل أنا مريضة ؟؟).
المكان
للمكان حضور فاعل وضروري في حياة كل منا فهو الذي يرسخ فينا الانتماء للأرض والشعور بالمواطنة وهو بالتالي رمز وواقع وتاريخ , و ان علاقة الانسان بالمكان لايختلف عن الشعور بالزمان وذلك بمقتضى التآلف والترابط بين الإثنين فالطبائع والصفات والسلوك من تشكيلات المكان والبيئة وقد حاولت الأديبة زكية خيرهم إبراز هذا الجانب ومدى تأثيره على شخصية ( غالية ) حيث كان تنقلها المستمر بين المغرب وليبيا مروراً بصحراءالجزائر ومن قبلها أمريكا التي زرعت فيها بذرة التفاؤل بمستقبل مرموق واستقلال بذاتها عاملا ً أساسياً في بناءأفكارها وفتح مسامات رؤيتها وطروحاتها بل تحديها لكل ماهو ضد المرأة والطموح في سبيل الحرية والوصول الى مبتغاها فتواجدها في ليبيا وأمريكا أحدث عندها تغييرا ً في المكان لكنها لم تيأس ولم تستسلم للمغريات الكثيرة التي صادفتها مع انها تلك الفتاة الخجولة الغريبة عن هذا البلد بل ازداد لديها الاصرار للبقاء وشق الطريق نحو مراقي العلم ( بعد أربع ساعات تقريبا ً توقفنا في مدينة صغيرة أخرى في الجزائر . دخلنا الى مطعم لم يكن يختلف عن ذلك الذي تعشينا فيه .. كل شيءكان لونه أخضرا ً غامقا ً الكراسي والطاولات ولون الجدران .. وكالعادة إنزوى العجوز مع زوجته في زاوية ف يالمطعم .... كان سهيل وزكريا ينظران الى سمير ويتغامزان عليه ويضحكان .. احمر وجهه خجلا .. )
نهاية سري الخطير رواية جريئة ذات طرح مميز وبناءمتكامل لواقع المجتمع الشرقي وهي رسالة واضحة تدق جرسالانذار في العقول المتحضرة للعمل على نشر الوعي السليم للحاق بركب التطور وعدم الوقوف موقف المتفرج ومنح المرأة مساحة أكبر من الحرية لتأخذ دورا اوسع في كافة مجالات الحياة .
ما تمتاز به هذه الرواية هو الكيفية الحاصلة في مجتمع قيدته شروط القبلية المتزمتة بعادات وتقاليد جعلت من المراة لها حدودا غير مسموح بها في التداول لذا كانت هذه الرواية هي أداة شرط ديمقراطي ينفتح على أفق واسع في المجتمع الشرقي ولأجل خلق الحوار بين البيئات كي لاتحصل مثل هذه النهايات التي يفتض بكارتها السر الخطير إن الاندماج في خلق عقلية متنورة من خلال الروائية مع المجتمع هذا بحد ذاته تحد مغامر في كشف إشكاليات المجتمعات التي تقبض روح المزايا النبيلة عند المرأة .