الجمعة ٢٣ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦
بقلم سعود الأسدي

قصيدة محترقة بماء دِجْلة

يا دِجْلةُ !
يا ذا الكَفِّ السَّمْحْ !
يا مَنْ حَوْلَكَ أمواجٌ من نَخْلٍ عالٍ
فاقَ الفوقَ ،
وَقوسُ من قُزَحٍ من وَجْدٍ ،
وَطيورُ قَماريٍّ تشدو
وَحكايا قمْحْ !
 
بأعينِنا يا دجلةُ تجري
دمعاً ونجيعاً ،
وَقصيدا ًمن غَزَلٍ صُوفيّ
غَنّاه جَدِّي الجيلانيٍ
يلهجُ طَلاّ ،
ينسجُ ظِلاّ ،
أنقى أسمى من كل المَدْحْ
 
فاغسِلْ بيديكَ مدامعَنا
ومرابعَنا ،
وشوارعَنا ،
وجروحاً فينا قد باتَتْ
تشكو فينا من مِلْحِ الجَرْحْ
 
وَاصْفَحْ عَنّا !
عن حاضرِنا ،
إنا نرجوكَ وما أحلى
أنْ يأتينا منكَ الصّفْحْ
 
وَامْسَحْ عنّا إثمَِ الماضي !
من مِنّا لم يأثمْ إثْماً ؟!
يُغْرِقُهُ في الوَحْلِ عميقاً
يُغْرِقُهُ في الخِزي عميقاً
يَنْشُرُه جَهْراً فوق السَّطْحْ
 
إمسحْه بالموجِ العالي !
عَلِّمْنا نكتب أغنيةً !
تِبْراً ،
ذَهَباً ،
نُمْسِكُ قَصَباً
نرسُم للحُبِّ خياماً
وَالمحْنا لمحاً يا عالي !
يكفينا من عينيكَ اللَمْحْ
 
أقرِئْنا لوحَ حمورابي !
وَالشّمسُ تُناولُه سِفْراً
قرآنا ، معجزةً ، إرثاً
للناسِ فإن نَشَدُوا عَدْلاً
قرأوا ما سَطَّرَه اللوحْ
 
أو جلجامشَ في ملحمةٍ
رائعةٍ تبحثُ عن خُلْدٍ
فاتحةٍ لم يسبقْها فَتْحْ
 
وَاسمحْ كي تأتيَ عشتارٌ
بالحنّا تصبُغُ كفّيها
بالطهرِ تُغَسِّل قدميها
وَتُطلُّ وتُشرقُ للدّنيا
من بغدادٍ
من أعلى صَرْحْ
 
يا دِجْلةُ !
إنّا تشبهُنا
في بابِ الطّاِق مُطَوَّقةٌ ،
قد ناحَتْ للذكري نَوْحاً
فشجاها النّوْحْ
 
يا دِجْلةُ !
ها نحن نرنو
للموعدِ أخضرَ يأتينا
بعيونِ الأطفالِ التَحْبُو
معنا حَبْواً ،
تمشي مشياً ،
تركضُ رَكْضاً ،
بنجومِ الليلِ بأنليلٍ
بأريجِ الليل ِبتمّوزٍ
يزهو بشقائقِ نعمان ٍ
معنا شوقاً ،
معنا توقاً ،
لعيون الصُّبْحْ !

الهوامش

 الجَيْلاني : هو الشّيخ عبد القادر الجيلاني من كبار الصّوفيين ،
مؤسّس الطريقة القادريّة ، عاش في بغداد ، وله فيها مسجد جامع
ومن آثاره الفتح الربّاني ، والغنية لطالبي طريق الحق ، وفتوح الغيب ،
ومن نسله جدّي الشيخ محمد الأسد منشيء دير الأسد على اسمه .
 حمورابي :أشهر ملوك بابل وأعظمهم .اشتهر بشرائعه " شرائع حمورابي "
أول دستور إنساني مدوّن .
 جلجامش (كلكامش ) :بطل أسطوري كان ملكاً على بلاد مابين النهرين ،
روت أخباره ملحمة سومرية بابلية ، ووصفت مغامراته مع صديقه أنكيدو ،
ويموت هذا فيروح كلكامش يبحث عن سر الوجود وكيف الوصول
إلى الخلود ، ولكنه يخفق . وتعني الملحمة قلق الإنسان وتشاؤمه على أبواب
الآخرة . تأثّرت بالأسطورة حضارات الشرق القديم والحضارة اليونانية .
 عشتار : إلهة الحب والحرب عند البابليين ، عشتروت الفينيقيين : الهة الحب
والخصب والجمال .
 باب الطاق : اسم سوق قديم في بغداد كان يباع فيه الطير ، مرّ به الشاعر
المنازي البندبيجي ، فرأى حمامة مطوقة حبيسة في قفص ، فاشتراها وأطلقها
وقال قصيدة " ناحتْ مطوّقةٌ بباب الطّاقِ " وهي من روائع الشعر العربي .
 أنليل : إله سومري بابلي .
 تمّوز : إله الخصب عند البابليين ، هو أدونيس الفينيقيين .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى