الأحد ١٠ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم
كحبتي تين ناضجتين
أنتِ والسماءُ كحبَتَيْ تينٍ ناضجتينيسيل العسلُ من ثغريهما،لا تَطْرُدي نحلة أحزاني عنكِفالخوف يملأ قلبي،وأنا أطير بأحلاميبين أسلاك كهرباء نحاسيةنُصِبَتْ على أعمدة التيّارالعالي على قمم الجبال.أضمّ جناحَيَّ وأنشرُهما،وأنتِ في يقظة،وبُشراك تراودُنيفأطير مُرَنّقاً * كطائرٍ جارحٍيكتشف ببصره الحادّما تحته على الأرض من قنابر* الحقول.كان لي فيما مضى صخرةٌ أليفةعَمِلَت التعرية على تجويفها ونحتهاكشُبّاكِ معبدٍ لوثنيٍّ يونانيٍّلتحدبَ عليَّ شتاءً وصيفاًإذ كنتُ أرعى الحِمْلانوأقسِّم على شبّابة نحاسيةأبياتاً من العتابا* الفراقيةليتني أعود إلى صخرتيفارتع في حضن طمأنينتهاوأوقد بجانبها ناراًبالنفخ عليها بأنفاسي الحارة،وقد كنت ولا أزالأشتهي رائحة دخان أعواد شجر الوعرونباته من قندول وميرميةوخرّوب وزعرور وسنديان،أشتهي وهج نار السنديانأُقَمِّر على جمراته ساقيَّ العاريتينكما كانت جدّتي تقمّر رغيف خبز الطابونلأحفادها،وأنشر عليها وَجْديكما كانت تنشر جارتنا " زليخا أم مصطفى "قنباز زوجها على مُرْباد * من الحطبعلى سطح بيتها الطينيّتذكّرت مساءَ أمسِما قاله لأمّيالدكتور اللبناني الجرّاح الشهير " حمزة "الذي جاء إلى بلادنا في العشريناتمن القرن الماضي من جبال " الشوف "،وأقام في مدينة " حيفا " مستشفىًدعاه الناس باسمه:" مستشفى الدكتور حمزة "نعم تذكّرت ما قالهذلك الدكتور النّطاسيّ * لأمّيإثرَ عملية جراحية أجراها ليوأنا طفل صغيرإثرَ إصابتي بداء الخُناق:" شوفي يا أمّ سعودإنّ ابنك بعد أن وصل حالة النزع الأخيروأودعناه غرفة عزرائيليأساً من شفائهتحدّى الموتَ بكلّ إصرارورفضه بكل عناد،وها هو ينهض معافىًويسير على قدميه،خذي بيده !وأبشّرك بأنّه لن يموت إ "لقد صدق الدكتور حمزةفأنا ما متّ ولو مرّة واحدةوقد متّ عشرات المرّاتعلى موت من ماتوا قبلي من أقربائيومعارفي وأهالي قريتيولاجئي المخيمات.وكالأيّل الذي يتشوّف أنثاهعلى سفح جبل صخريّأتشوّف تلك المرأة الحسناءالشاعرة على مسافة في أبعد مدىوَلَكَمْ قرأتُ قسمات وجهها الجميلوحروف كلماتها المذهّبةحتى حفظتها غيباً،ومن لا يحفظ وجه امرأة حسناءوكلماتها غيباًلا يكون ـ مهما ادّعى ـعاشقاً وراوية أشعار !وقد صرت أروي أشعار شاعرتي الحسناءللرائح والغادي،حتى أقسَمَ لي من لم يقرأْ شعراًولم يحفظْ منه شطراً في حياتهأنّ هذه الشاعرةهي الشاعرة بأل التعريفآه كم لألِّ التعريف مثلما للنساءمن محاسن ومفاتن !ولمّا كنت طالباً ضعيفاً في الحسابوخاصةً في جدول الضربفقد نشأتُ على حُبِّ الشعر وحفظهمنذ سنوات دراستي الإبتدائيةوها أنا لا أزال أقرأ الشعر الجميلوأحبّ حفظه،وإذا توقّفْتُ مرّة عن هذه العادة المتأصّلة فيَّفإنّني أوقن عندها أنّ هناك شيئاً ما حدث لذائقتيأو بصراحة أكثر لذاكرتي التي تفلقُ الصخروعندها فمن الممكن ألاّ أصدِّق نبوءة الدكتور حمزةـ رحمه الله ـيوم قال لأمّيـ رحمها الله ـ" إنّ ابنك لن يموت "أدرك موسم المطرهذا العام تربة أرضنا العطشىوهي على آخر رمقوأنا كتربة أرضنافتحت فمي للمطر المنهمروأنا أحبّ البلل بالمطرمن كعبي لقمة رأسيوالمطر مثل امرأةولو بلّلتنيلا تُطفىء ظمأي الأزليّ إليها،لأنه مكتوب عليّ منذ البدءألا أرتوي من أنثى حسناء !وإذا كان قد زارني داء " الخُناقٌ "في طفولتي الأولى،وكاد يؤدّي إلى اختناقيونجوت من ذلك الداء قاتل الأطفالبلا أمصال من المضادّات الحيويةوقد كانت مخصّصة لجنرالات دول الحلففكمْ تمنيّتُ أن أكونَ فَسْخاً * في الترابكبصلة نرجس تُورق وتُزهر كلّ عاملتتحقّق نبوءة طبيبي الشهير الأولبأن الموت لم يَعُدْ يقترب منّي !ِِ[1]