الأربعاء ٢٩ نيسان (أبريل) ٢٠٢٠
قراءة جمالية في قصيدة
بقلم عصام شرتح

«لاتجرح ياسمين غنجها السكري ياصباح»

لاتجرح ياسمين غنجها السكري ياصباح

ودقت ساعة الصمت،
ورحيق الكلمات كناقوس تردده الأشواق وحيرة عيني الدامعة
لاتجرح ياسمين غنجها السكري
ياصباح
هي حبيبتي
ضحكتي لما أوزعها
ودمعتي لما أذرفها من حسرة وحدي
هي غفوتي وصحوتي
هي من روحك عطر الإقاح ياصباح
رديني إلى طهر عناقها يارياح
لشعرها لما يغزل ابتسامات بيضاء على جنحة المساء
لاتجرح ياسمين غنجها السكري
ياصباح
هي حبيبتي
التي دقت أجراس الروح
فأزهرت ورود محبتي كابتسامات الوليد
كضحكة الكلمات لماتعانق وجهها وتحوم كالنوارس البيضاء على شاطئ البحر
لاتجرح ياسمين غنجها السكري
ياصباح
هي حبيبتي لما أتلاشى حنيناً
كخيوط الدخان
هي ذكرياتي الحرونة
لما تعانقني
وتشم عطر عناقي الربيعي الطازج
وشهوات حنيني المعطرة بأنفاس الخزامى الجبلي
وشهقات عيني لما تمعن في الابتسام
وتملي نهديها الطريين كفرخي حمام

لاتجرح ياسمين غنجها يا صباح
ي
ص
ب
ا
ح
.....
هي خمر انفاسي
لما تشربني ظلالها البيضاء
ويعانق عينيها وجهي المبتسم

جمالية الإحساس الشعري:

إن الكثير من الدارسين يهملون أهم مقوم في العملية الإبداعية، وأكثر جانب من جوانبها إثارة وهو جمالية الإحساس الشعري، وكل من يدرس الشعرية بمنعزل عن الإحساس الشعري يقتل روح الشعر وبنية الحراك الشعري من الأعماق، وبتقديرنا:إن جمالية الإحساس الشعري هي روح الإبداع، كيف ندرس جسداً بلا روح، هذا هو شان دارساتنا ودارسينا للشعر والشعرية في عالمنا العربي أنهم يدرسون النص، ولايدرسون روح النص متمثلاً بجمالية الإحساس الشعري في النص، إن جمالية الإحساس الشعري ترتقي فوق جمالية اللغة الشعرية ذاتها،لأن اللغة في المحصلة مجرد قوالب لغوية منزاحة بطبيعة إبداعها،ولانقيس الشعرية أو جوهر الشعرية من قوالبها وإنما من روحها،أي من الحراك الروحي الذي شكل جمالية الإحساس الشعري نوتحكم في جسدها اللغوي الإبداعي، ففي هذه القصيدة يتجلى إحساس الشاعر الجمالي من عنوانها:"لاتجرح ياسمين غنجها السكري يا صباح"فالقصيدة صرخة في الإبداع والحراك الجمالي على مستوى الروح لا على مستوى اللغة، وهذه الصرخة اطلقها الشاعر منذ العتبة الاستهلالية، باحثاً عن صدى جمالي لترجمة صراخه وإحساسه الوجودي، فهو يحب، ويبحث عن حبيبة، وينادي الصباح أن يبحث معه عنها، ففي إشراقة كل صباح يصرخ للصباح الجميل ان يجمل حياته بالبحث عن الحبيبة وفي حال وجدها يطلب منه ان يزيد محبوبته جمالاً ولا يجرح ياسمين غنجها السكري؛ وقد حمل التركيب الوصفي قمة الجمالية إذ إن بحثه ليس عن امرأة جميلة فحسب، وغنما امرأة تحمل الغنج والدلال والمتعة والإشراق الجمالي، فلا يبحث عن امرأة جسد، وغنما يبحث عن امراة جمال وروح وإحساس توازي النبض الجمالي أو الحراك الجمالي الذي يومض في قرارة روحه، وهنا اعلن صرخته بقوله:"دقت ساعة الصمت)أي ساعة التمرد على لحظة الصمت التي خيمت على روحه زمناً طويلاً، وران إحساس اليأس في قرارة أعماقه فيصرخ ليكسره، عسى تخرج الكلمات العذبة لتحرك حياته المملة بالقهر والحرمان وطول الانتظار، وتجيب عن حيرته الدامعة: لماذا هذا الفقد وهذا الحرمان منادياً الصباح الجديد عسى يبشره بالتقاطها،وإذا ما التقطها ألا يجرح ياسمين غنجها السكري، وقد جاءت لفظة غنجها السكري مؤججة للنسق الشعري بأكمله،إذ أدمج الحسي بالمعنوي بلوحة جمالية لايستطيعها إلا من أشبعت روحه بفيض الجمال والتلذذ بالجمال، فالصباح عنصر جمالي بحد ذاته، وكأنه يطلب من الجمال إلا يعكر صفو محبوبته المدللة الجميلة المنتظرة، وإن وجدها لا يجرح ياسمين رقتها الغنوج، بل يضفي عليها الرقة والعطف والحنان، وهذا هو مصدر الإحساس الجمالي الروحي الذي امتازت فيها القصيدة؛ فالشاعر على ما يبدو لا ينظر إلى الأنثى نظرة سطحية غريزة وشهوة،وإنما ينظر إلىها على أنها أنثى الحياة،وقد جاءت إشارته لها بالضمير البوحي المعلن"هي حبيبتي"ليقنع القارئ أن ثمة محبوبة حقيقية ينتظرها وقد وجدها، وهذا الضمير وهمي إيهامي، فهو ما زال في حالة بحث عنها مع كل تكرار للازمة البؤرية:"لاتجرح ياسمين غنجها السكري ياصباح) ؛وهنا ليوهم القارئ انه وجدها، ليسلي روحه الموحشة مبيناً صفاتها وما تمثله في عالمه الوجودي، فهي"ضحكتي= دمعتي= غفوتي = صحوتي"باختصار تمثل له الحياة بلحظاتها المعتادة اليومية، ثم يعلي شأن الصباح بها،لتكون هذه المرأة روح صباحاته الجميلة المشرقة بإشارته الالتفاتية الملتقطة:"هي من روحك عطر الإقاح ياصباح"، ثم انتقل إلى الريح ليحول من طبيعتها القاسية لتحرك عالمه، وتحمله على عناقها إن وجدت، لشعرها لما يغزل ابتساماته البيضاء مسدلاً بريقه الذهبي على سواد المساء وخيوطه المعتمة، ثم يعود للصباح ليجدد إحساسه البحثي وتوقه لها كلما ازداد شوقه وحنينه لالتقاطها، وأقول التقاطها لأن الصباح والشاعر يبحثان عنها، الأول الشاعر يبحث عنها ليعيش الحياة الجمالية التي افتقدها في واقعه المعذب، والثاني الصباح ليزداد جمالاً وإشراقاً وخصوبة بها،وكلاهما يبحثان عن جمالها الأنثوي الرطيب ليزدادا جمالاً وإشراقاً بها؛ومن هنا جاءت اللازمة الاستهلالية بمثابة المتحول الجمالي الذي يشكل الرؤيا الشعرية،إذ إن الشاعر بانتقاله من رؤية إلى رؤية،ومن مدلول رؤيوي إلى آخر يبدأ باللازمة التكرارية البنيوية التي تشد محاور القصيدة إلى كينونتها الجمالية،إذ يقول:

لا تجرح ياسمين غنجها السكري
يا صباح
هي حبيبتي
التي دقت أجراس الروح
فأزهرت ورود محبتي كابتسامات الوليد

كضحكة الكلمات لما تعانق وجهها، وتحوم كالنوارس البيضاء على شاطئ البحر
لا تجرح ياسمين غنجها السكري ياصباح"

إن التحول النصي المثير على مستوى الأنساق تراكم الصور الجمالية، صورة تلو أخرى، وكلها تدل على عالم الجمال الذي تزدهي بها المحبوبة المنتظرة، تلك الحبيبة التي تدق أجراس الروح لا القلب فقط، وهي الحبيبة التي تظهر محاسنها الجمالية، فهي تارة كابتسامات الفجر الوليد دلالة على البراءة والصفو والجمال وتارة كالنوارس البيضاء التي ترفرف على شاطئ البحر، ومن هنا جاءت اللازمة التكرارية قمة في الحياكة الجمالية والإحساس الجمالي؛وكأن ثمة حراكاً جمالياً يرافق الدفقة الشعرية بالانتقال من نسق جمالي إلى آخر، مشعرناص الحالة الشعورية بكامل إحساسها الجمالي، كما في قوله:

لا تجرح ياسمين غنجها السكري
يا صباح
هي حبيبتي لما أتلاشى حنيناً
كخيوط الدخان
هي ذكرياتي الحرونة
لما تعانقني
وتشم عطر عناقي الربيعي الطازج
وشهوات حنيني المعطرة بأنفاس الخزامى الجبلي
وشهقات عيني لما تمعن في الابتسام
وتملي نهديها الطريين كفرخي حمام

إن الشاعر هنا، يؤكد أن هذه المحبوبة ليست أنثى عادية، بل إنها أنثى الحلم أو الخيال،أنثى الأماكن اللاملتقطة، أنثى الحنين وأنثى الذكريات الحرونة،أنثى الربيع الطازج، المنداة بأنفاس الخزامى الجبلي، وأنثى الرقة إنها أنثى الحرير والمخمل الرقيق،أنثى النهود البضة الطرية كفرخي حمام، وهكذا تأتي اللازمة التكرارية التي ترددت في العنوان وجميع مفاصل القصيدة لتشدها على محور جمالي بؤري عميق، يعدد فيه الشاعر المفاصل الجمالية التي ترتكز عليها القصيدة لتحقق غايتها، كما في قوله:

لاتجرح ياسمين غنجها يا صباح
ي
ص
ب
ا
ح
.....
هي خمر انفاسي
لما تشربني ظلالها البيضاء
ويعانق عينيها وجهي المبتسم"

إن الشاعر يختتم القصيدة كما بدأها،ألا وهي اعتماد شعرية الإحساس الجمالي، مخاطباً الصباح أن يتقبل صرخته وتشظي أنفاسه كما تشظي حروف النداء في مناداة الصباح بأنفاس متقطعة أن يحن على حبيبته أن رأها وأن يزيدها إشراقاً وجمالاً والا يعكر صفو جمالها، فهي خمر أنفاسه لما تشربه الذكريات البيضاء النقية الطرية كنقاوتها وصفاء روحها، لتكتمل اللوحة الجمالية وجهه المبتسم بجمالها وجمال عينيها، وهكذا يؤسس الشاعر هذه القصيدة على كتلة المتحولات الجمالية في الصياغة باعتماد الجملة المحور أو الصورة المحورية التي وحدت المحاور النصية وأدت على تماسك رؤى القصيدة من أولها إلى آخر كلمة في تكوينها وهذا ما يحسب لهذه القصيدة على المستوى الإبداعي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى