لماذا أَكتب.. ؟
الكتابة، سفر تكويني الخاص، تسوية أخلاقية بين تجربتي الإنسانية وبين هاجس البحث عن سؤال الحرية، الحقيقة والعدالة في جو استثنائي شخصي وذاتي يبدأ من الصرخة الأولى ويمتد نحو التصاعد الغامض المتوتر والقلق الذي لا يتوقف على حال من أجل بناء تجانس كينوني بين الجماعي والفردي، بين الأنا والآخر، بين العشق والمرأة، بين الأرض والوطن.
ولكن يبقى سؤال الكتابة مبحراً في الأزرق كما يبدو، معاناة لا شفاء منها، دهشة مشبعة بالوعي والهوس، تحك المخيلة، تداعب اللاواعي كي تصل إلى الرغبة التي لا أحب الوصول إليها في هذا العالم الغائب، الضيق والسحيق.
وهكذا، ولدت من رحم المعاناة حاملاً جواز سفر في عالم الفن والجمال، أحك الفضاء الواسع المسكون بالإبداع والظمأ، أعانق رجالاً في الشمس، باحثاً عن أوراق الزيتون في هذا الزمن الخريفي، راسماً جدارية الحياة والموت حاملاً سؤال الحرية والحقيقة في عالم مختل، مدهش وغريب.
كنت أبحث عن الحلم الأول، عن الألم الأول مشعلاً الحرائق في كل مكان، محترفاً الحزن والانتظار، تائها في سبر غور حالة القدرة على معرفة نفسي وموسيقى الكون.
كنت أبحث عن الوعي الأول المثير، المغامر العنيد والمشتعل بنار العشق، طارحاً السؤال الثقيل: سؤال الحياة والموت.
في تلك الحالة الإستثنائية، الإنسانية الشاملة في جوهرها المتألق، المتوتر، الحائر والمأزوم، كنت أسأل لأعود مع أقرب عاصفة كي أخترق جدار الذاكرة، وكلما داهمتني هذه الحالة كنت أستعيد توازني في عالم لا يرحم. كنت أسترخي في غيبوبة الوجع، هناك، على شاطئ البحر، أتألم زرقته وأتمنى الخلاص حتى تفيض الروح دهشة، تمرداً ورؤىً.
هذا الرحيل المستمر، تعبيري عن التجربة الحياتية على حقيقتها؛ يتداخل صراخي في غمار الأحزان، تتشابك الصور المضطربة، يتسع الهامش.. وتمضي غيمة.
وهكذا استمر هذا الحضور اللامتناهي حتى يومنا هذا.
لقد أصبت بخيبات أمل عديدة منذ طفولتي الأولى؛ أخذتني حالات الخوف والقلق في غمرة الدفاع عن دفاعي الذي تجلّى أمامي كلمح الوطن. قاومت بشتى أشكال التعبير الإنساني الظواهر السلبية وعبّرت عن انفعالي بتطويعه الطوعي لذاك الصوت الذي يسكن شقوق السؤال.. ولكن هيهات يشبعني هاجس يسكن الأفق.
سكنت غابات عينيها، سكنت الضلوع، وقلت:
الحب دائماً...
واستمر قلبي يرفع صرخات الاحتجاج وهو ينادي:
القلب لا يتحمل زمنين رديئين. التفت فلم أجد إلا ظلي... وسقطت جميع الأقنعة.
أنا ألان وحدي أقاسي عذاب النص، أعانق بشغف ورغبة حرارة المرأة التي ما زالت النيران تشتعل في ثيابها، وتعود كما تعود الدائرة إلى نقطة البيكار، وكأن لسان حالها يهمس:
"أيها الفتى: أنت قد رأيت في غربتك مدناً كثيرة، فخبرني: أية مدينة أطيب؟
قلت: تلك التي فيها من اختطفت قلبي!
فدعيه يستدفئ حول بيتك، ونامي".