الجمعة ١٠ آذار (مارس) ٢٠٠٦
قصة قصيرة
بقلم رياض أبو بكر

لن اعترفَ بمن قتلوكِ

تربيت رئماً في حقولها وكانت العشَّ الذي يأوي إليه قلبي، كانت تحتويني بحنينٍ جامحٍ رغم الزمان، رغم لظى الظواهر الراهنة.
أخاف مطلعَ الليلِ واكتساحَ الضبابِ للروابي، أخافُ كلَّ شيءٍ لكنها منحتني طمأنينةً لم يعتد عليها سكانُ الوقت.

في ذاك اليومِ أشرقت الشمسُ تلسع سكونَ النّدى على أوراقِ النرجس، أخطو وكلّي ثقةٌ تبتلع رياحَ التشاؤمِ في لحظةٍ عاصفة، ماذا هناك؟ تغيرت معالمُ اللقاء، تومئ إلى من بعيد( اهربْ، هيا اهرب، عشْ واتركني أموت)، لا ما تعودتُ الحياة بموتِ حبيبتي الخضراء، ولا أودّ أن يأسرَني ألمُ الذكرياتِ ووجعٌ يقتلع الذات، ولا أودّ لوعةَ فراقٍ دامٍ، حوارٌ من بعيد بين جسدي وروحي، بين فكري وقلبي، لن أنصرف، قالت( لا تقترب، هنا الشياطينُ تلبس البلابلَ كي نغني للعذاب)، فقبلت الذهاب.

كانت بيننا أواصرُ أمتنُ من امتدادِ المدى، كانت بيننا رحلةٌ في زورق الأملِ وانتهينا قبل أن تنتهي، لا تقلقي يا حبيبتي ولا ترتبكي فلن اعترفَ بمن قتلوكِ.
لم يبقَ إلا رذاذٌ من رمق، وتحاصرني في حجرتي كلُّ أصنافِ الأرق، ما عاد شيءٌ يغريني، فقد كان لي قلبٌ واحترق،يا عينُ كفّي عن الدمعِ واحرقي أسماءهم.

تدثرتُ حين رجعت بأقلامِ الشجر، لم أصدّق ما أيقنَت مقلتاي، ولم أصدّق انتهاكاتِ البشر لنزعِ القدر.

تلفتُ خلفي وواصلتُ مسيرتي نحو الخلف، ثلاثةٌ اغتصبوها، الظلمُ والأحقادُ والترف، فترجَّلَت عن جوادِ الماضي الجميلِ وامتطاها الموجُ الغادرُ وغابت، وألقاها بحرُ الكفرِ في شاطئ النيران وأبواقِ الحيتان، وبقيتُ أحتسي الوقتَ الرذيلَ بشفةِ النسيان.
كنا نسير بجانبِ بعضنا، نستقبل الطيورَ الرقيقة معاً، أو نقابل بعضنا وبيننا مسافاتُ العفةِ والطهارة، واليوم لا مسافةَ بيننا، كلٌّ يسير إلى وحيِ الفراق والبعد يكبر ويكبر ويتلاشى ما تبقى من اشتياق، كان هاجسي منذ الصغر يجذبني من دموعِ البهجة إلى دموعِ الألم.

أعترف بأنني كنت أعرف أنك راحلةٌ لا محالة، احضري أوراقّ الزعترِ التي ذرفت عليها أدمعي، اجمعيها فقد اكتملت أحرفُ قصتِنا عليها.
هل الشمسُ التي تشرق كلَّ صباحٍ تجمعنا معاً؟!فاسأليها، بوحي لها بحرِّ عبراتنا، لطفاً، أية شمسٍ وأي صباح؟!، حبيبتي اعذريني إن كانت أحرفي غيرَ مرتبةٍ، فذاك ارتباكُ الحبِّ والحزن.

في جعبتي أصنافٌ من الهموم، فمن يفرغها يا حبيبتي؟!، علّها لا تمزق جسدي وتنساب لتحرّكَ دستورَ الألم، لا أعرف كيف أكتب جملةً مفيدةً وبين أقسامِها سطورٌ من الدمعِ المنهمر، لم أعدْ أتقن فنَّ الدعابة أو الركضَ تحت ظلالِ السحابة، فقد أضحت حياتي كآبة.

كان أبي يقول( المالُ والعلمُ والعملُ قبل الحبّ يا بني )، وكانت أمي تقول ( تناول الفطورَ إن أردتَ أن تحيى لها )، واليوم لا أحدَ يكلّمني، فالأب والأم قد غابا وغاب الذي من أجلِه نطقا.
كانت الصخرةُ الرقيقة تجمعنا، وتبكي فتاتها مرحاً حين ننقش أسماءنا، واليوم مكانها آلات فولاذية، فالإيمانُ والحبُّ والصدقُ والوفاءُ باتت أعداءَ البشر في زمنِ القوةِ والمصالح.

أعيش غربةً كأنني الوحيدُ في صحراءِ الحدث، كلّ شيءٍ تغير، حتى أنا لم أعد أنا يا حبيبتي، فلا الضوءُ ينفعني ولا النسيمُ يفرحني، انتظر الموتَ بفارغِ الصبر وأحفر من دموعي كلّ يومٍ ثغرةً في ثنايا القبر، ويودون ألا أتمرّدَ على حاضري وأعترف، فلن ولن اعترف بمن قتلوكِ، ولن أطفأ ثورةً كان أشعلها بنوكِ.


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى