السبت ١١ آذار (مارس) ٢٠٠٦
بقلم رياض أبو بكر

مفاوضات بائسة

وقف الزمان على شرفة الموت، ينتظر ابتسامات الغسق، في ذاك الحي الراقص على صرخة الحاضر، كانا على حافة الرصيف، يلهوان بمرارة الطفولة المعذبة وصرخات الأم المضرجة بحنينها، صرخاتٌ من سرير لم تجف دموعه بعد، ولدا على أطرافه، واليوم يمكثان على حافة الوقت المبهم المطرّز بتعاريج الحياة.

هناك الصوت يكتسح الربيع، وينسدل على العشب فوق غبارٍ لوثته ذئاب الأزمة المارة، ضوء من بعيد يخرج عبر مسافاتٍ بين البراءة والشقاء، الضوء الأحمر أوقف عجلات السير، معلناً أن الجميع سواسية أمام سيادة القانون، إلا من كان خارجاً من فوهة البندقية القاتلة كي لا نكون.

عليٌ ينادي براءً: لقد توقفوا لبرهةٍ، أركلْ الخوف بقدميك وانهض لنشتري الحلوى يوم غد، انهض ذاك الرجل يبتسم من فوق زجاج المركبة الفاخرة.

براء: لم تعد قدماي تحملني واليأس يقتلني، لا أعرف لمَ أحببت الجوع حيناً وكرهت الظلم أحياناً، لمَ لا تذهب يا علي بدلاً عني، قد يشتري بضاعتنا الظريفة، لا سيما وأنها رخيصة.

يعجب الشقيقان الشقيان من يدٍ تلوح من خلف نافذة المركبة: تقدما هيا أرِنا ما لديكما.

اقتربا بخطوات هادئة بين لذة القرش وأزقة العبودية، فقال براء بصوت متقطع راجف: تفضل يا سيدي هذا ما لدي.

الرجل بسخرية: بكم؟ لا تقل لي كغيرك من الملتصقين على جانب الطرقات الساذجة.

براء: بقرش ونصف، جرّبها ستجدها لذيذة رائعة، وستأخذ لك ولأبنائك الناعسين على فراش المركبة.

من خلف النافذة تتعالى الأصوات وترتفع شيئاً فشيئاً : ألم تخف الله يا غلام، قرش ونصف؟!!!!

تنهّد براء وتلوّن وجهه وكان يودّ لو يحترق أو يصرخ في وجه الكون ويقتنص أنفاس الفضاء ليوقف هزل أنياب البشر.

علي: ما هناك، يرد براء بصوت كسيح : لا شيء، لا شيء سوى بقايا من حياة، لا شيء سوى رصاصات قاتلة من وقت قاتل.

يقترب عليٌّ ويخترق الحوار بكلماته الثكلى: ماذا يا سيدي، هل إن في بضاعتنا ما يسيء الخلق؟!

كأفعىً سوداء تبتلع الوجوه، تقفز عبر النافذة : ما بكما، أتصرّان على الغش في وضح النهار؟!

ضوضاء وضوء أخضر وضجيج والمركبات تزاحم بعضها، إلا تلك المركبة لا تكترث بألوان القانون أو تضاريس الحياة بين سهولها وجبالها.

مرة أخرى يرجع اللون الأحمر من جديد، ويبدأ الحوار حيث لم ينته بعد، وهناك همس من بعيد بين الشقيقين، أحدهما للآخر: بقرش وربع، الآخر: كما تشاء يا أخي.

اقتربا من الرجل وقال براء: بقرش وربع، ردّ الرجل: على أية حال لا بأس، أحضراها كي أراها، فقد لا يروق لي شراؤها.

يركض براء باتجاه الجانب الآخر ليحضر البضاعة المسجاة على الإسفلت، ولم يدرك أن على الجانب الآخر يُمنع المرور للمارة، وفجأة بصرخة فتيّة تصاعدت مع الغبار المتطاير، وصداها صرخة علي : برااااااااااااااء
أُغلق زجاج نافذة المركبة ومرّت بسرعة الريح.

بعض أناس يلتفون حول المشهد الأخير، أحدهم: إسعاف..إسعاف…إسعاف…..
عينا علىٍّ تنزفان

وغداة ذاك اليوم جمهور من الواقفين، وعبرات أعين أمٍّ تنادي الكون حرقةً ووداعا، وطلبة يصطفون في رحاب المدرسة ومعهم علي في عودةٍ طالما كانت حلم من لم ينصفهم طاغوت الزمن المترَف.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى