هل فقد المسلمون الرغبة في اللعب؟
هل يضطلع مفهوم اللعب بدور محوري في تطور الحضارة؟
هل يمكن ان نجعل صفة اللعب خاصية انسانية تتساوى أو حتى قد تَفضُل خاصية الكتابة أو القراءة أو العقلانية أو الخلق أو التفكير أو حتى الابداع؟ الى غير ذلك من من الخاصيات نعت بها مختلف المفكرين هذا الكائن المسيطر على الأرض.
هذا ما يدافع عنه المفكر يوهان هوتسينغا في كتاربه الرائق "ديناميكية اللعب في الحضارات و الثقافات الانسانية" حيث يرى أن اللعب هو الدافع الذي حرك دوما سيرورة التطور الحضاري لدى الانسان.
رغم ان كتاب هوتسينغا تعرض للانتقاد الحاد من طرف العديد من المفكرين من أمثال الهولندي بيتر جيلفي الذي رغم اعترافه بروعة الكتاب الا انه و في نظره فان هوتسينغا بنى نظريته على افكار مغلوطة، لكننا نرى ان عمق الفكرة البعيد لم يتضح لمنتقديه رغم انه ينتقد الميتافيزيقا في تفسير الحضارة الا ان ما وراء الطبيعة هاته تتفق معه في فكرة ان اللعب جوهر الحياة الانسانية فلا يخفى على احد صدح القرآن بهذا المعنى في الآية الكريمة من سورة الحديد" إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد".
و هكذا فان مجموعة من العلوم التي طورها الانسان في نوع من التنافس فيما بين العلماء لم يكن الا نوعا راقيا من اللعب خصوصا علوم الرياضيات فهي في نظره تتميز بالصعوبة و حساباتها تتطلب نوعا معينا من الذكاء و الفطنة لكنها تبقى ألعابا تتمتع بجمال شكلي لافت.
يذهب هوتسينغا بعيدا عندما يعرف اللعب بكونه "نشاطا تفاعليا يتواصل على نحو مطرد في سياق زماني و مكاني محدد و في إطار تتابعي وفق قواعد حرة و غير ملزمة ليس لها علاقة بتحقيق المنافع المادية" و هكذا فاللعب و الجد في نظر هوتسينغا هما وجهان لعملة واحدة تختلف درجاتهما فحسب حتى يبدوان على أنهما متناقضان في حين ان اللعب في نظر هوتسينغا قد يشكل اعلى درجات الجدية و الاهتمام.
تشكل الهندسة فضاء كبيرا للتطور الحضاري و فضاء أرحب للعب كمجال الهندسة اللاكمية أو في نظرية الأرقام أو نظرية الهندسة الفراغية ففيها يمكن ممارسة الالعاب و الالغاز دون النظر الى المردودية المادية.
لا شك ان اللعب في نظر هوتسينغا شكل محور الدوافع للتطور الحضاري نظرا لان الانسان انما يكون في اوج مراحل الابداع و الابتكار و تركيزه الخلاق أثناء مزاولته للعب الذي يجعله في قمة مستويات التحرر من قيود الرغبات الانسانية الملحة و من مشاعر العداء.
قد يقول قائل بان اللعب ليس خصيصة انسانية لاشتراكه في ذلك مع حيوانات تترى، لكن هوتسينغا لا ينكر ذلك و انما ينبه الى فطنة الانسان في استغلال تلك الغريزة في التطور و التميز الحضاري رغم ان اي حيوان لم يستغل تلك الخصيصة البتة في تطوره الوجودي و انما بقي في ممارسات بدائية لخاصية اللعب.
اذا كان التراث الاسلامي سباقا للفت نظر العقل الى هاته الخصيصة الانسانية و الميزة الحضارية للانسان فكم يحتاج المسلمون اليوم الى اعادة النظر في مفهوم اللعب "بجدية تامة و لعب خلاق" لعلهم يستعيدون يوما ريادتهم الحضارية.