الخميس ٤ أيار (مايو) ٢٠٢٣
بقلم عارف محمد نجدت شهيد

وأنا أحب الأوهام

تمتلك الحقيقة قداسةَ لا يمتلكها ما سواها، ومع ذلك، فهي مرعبة بما يكفي لتدفعنا إلى تعاطي الأوهام التي تنقذنا من الكمد العاطفي. لقد عرفت الكثير من الحقائق المخيفة ووعيتها جيداً وخضت معها صراعات عنيفة كنت الخاسر فيها دوماً، ثم توقفت عن خوض تلك المعارك واتخذت نهجاً مغايراً في مقارعتها، ففعلت ما يفعله الجميع، تناولت شهد الأوهام لتزول مرارة الحقيقة!

ولكل حقيقة وهم خاص بها، كما يوجد لكل داء دواء، ولكل مشكلة حل، ولكل أجل كتاب! والحقائق القاسية كثيرة كحبات الرمل، وأشدها وطأة حقيقة زوال كل شيء. تظهر هذه الحقيقة جليةً أمام المرء حين يفقد من يحب فوق الأرض أو تحتها! لست مبالياً للنهايات الحتمية التي تفرض نفسها وتسلب مني الأشخاص وتخلف ورائها حفنة من الذكريات لتحملها رياح الزمن بعيداً عني فلا يبقى من أثرهم إلا ندبات تشهد على وجودهم في قلبي ورحيلهم عنه! لقد قضيت سنواتي الأخيرة كمحارب عجوز أنهكته الحرب، زاهد في الحياة، فذهبها كترابها، والناس عنده سواء، والأيام فيها لا تتبدل!

أما وقد عرفتك، وملئت عيناي من حسنك، ونبتت الورود في قلبي الذابل، فاندثر الشيب، وامتشقت سيفي لمبارزة الحقيقة التي كانت تقض مضجعي لتذكرني بنهاية ما أنا عليه الآن، فماذا أفعل؟ اعلمي يا سيدتي أنني أعي قواعد لعبة القدر جيداً، إذ أنه يفسح لنا المجال لنشيد أحلامنا ثم يفتك بها وبنا، إنني قادرٌ على اغتيال المسافات وتحطيم الحواجز التي تفصلنا روحاً وجسداً، ولكنني لن أفعل! لن أفعل هذا فيفطن القدر لنا ويفرقنا، وعوضاً عن ذلك، سأفعل ما أشاء في أحلامي التي لا يملك القدر طريقاً يسلكه إليها، وسأبقى معك في البدايات، أنعم بقليلها ولا أطمع فأفسد الامر برمته. أعلم جيداً أن القدر سينتصر، وسيهوي علينا بسياطه لا محالة، ولكن اطمئني، فقبل أن يتمكن من ذلك ويصل إلينا، سيجد كل تلك المسافات والحواجز صرعى على قارعة طريقه إلينا!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى