السبت ٢٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
تداول الشعوب لا السلطات
بقلم بسام الهلسة

وجــدتهــا

لا تربطني أية علاقة شخصية بالسيد "أرخميدس"، وهذا أمر يعرفه القاصي والداني، والعربي والسرياني!! ولا يحتاج إلى توضيح أو تبيان!!

والسبب في عدم وجود علاقة شخصية بيننا، هو أن السيد "أرخميدس" عاش قبل الميلاد، أي قبل ولادتي بكثير، ولهذا لم تتح لي فرصة اللقاء به والتشرف بمعرفته!!

أما السبب الثاني فهو أنني لست من جماعة "ما بعد الحداثة" الذين سبق لأسلافهم وأن أعلنوا موت الزمان مباشرة بعد اختراع الهاتف!! وهي عادة واظب الأحفاد على ممارستها بحماسة شديدة.. فاعلنوا "موت المؤلف" و"موت النص" و"موت المعنى" و"فناء المادة" حتى ظننت أنهم محررو صفحة الوفيات في الجرائد اليومية!!

ولأن الزمان لم يمت بعد، حسب رأيي "التقليدي"، لم أتمكن من اللقاء بـ"أرخميدس"...
لكن نفيي لوجود صلة شخصية به لا يعني أنني لا أعرف شيئاً عنه! ففي أيام المدرسة علمونا صيحته الفرحة المزهوة: وجدتها.. وجدتها!!

وبغض النظر عما وجده، فقد "وجدتني" هذه الأيام أردد هتافه الاكتشافي، رغم أنني لم أغطس مثله في حوض ماء، لكي لا أتهم بهدر "الماء العام"، الذي هو مخصص للبهائم والزراعة، ولكن الأنظمة العربية "الرشيدة" تفضلت وسمحت لنا مشكورة بشربه!! وهي واحدة من مآثرها الكثيرة والكبيرة التي لا ينكرها إلا حاسد أو جاحد!!

أما "ما وجدته" استناداً إلى "الملاحظة"، التي هي أساس المعرفة "الإمبريقية" (التجريبية)، فبسيط بساطة اكتشاف "اسحق نيوتن" لقانون الجاذبية حينما سقطت على رأسه التفاحة ولم يأكلها كما يفعل سائر الخلق الطيبين!!

فكل ما كنت أحتاجه لإنجاز اكتشافي، هو عمل ما قال "ماركس" أنه عمله بـ"هرم هيغل" أي: تجليسه على قاعدته بعدما كان مقلوباً قائماً على رأسه!!

ولكي أريحكم ولا أطيل عليكم، سأذهب إلى موضوع "الاكتشاف" مباشرة، مبيحاً لكل من أراد حق استخدامه والانتفاع به، بل وحتى نسبته لنفسه، فليست لدي أدنى رغبة في تسجيل "براءته" باسمي واحتكاره لنفسي!! فأنا ممن ينادون بـ"التداول" فهو سنة الله النافذة في خلقه إلى يوم يبعثون.. وعلى هذا جرت الأيام والناس، فأقر العاقلون منهم بتداول الثروة والسلطة .. فقننوا لذلك القوانين وشرعوا الشرائع ونظموا النظم التي تكفل التداول بشكل سلمي لكي لا يضطر الناس للجوء إلى العنف..

لكن الأنظمة العربية "الرشيدة" اياها، وقد فكرت ودبرت وقدرت، -(وهذا هو موضوع اكتشافي)-، رأت بما لديها من حصافة معروفة وحكمة موصوفة، أن تداول السلطة والثروة أمر لا يجوز ولا يصح (إلا فيما بين أفرادها) وهو من قبيل تقليد الأجانب الذي يدخل في باب "الاتِّباع"...
ولأن في الاتِّباع ضياع -كما يروى عن الثعالب والضباع- فقد "ابتدعت" أنظمتنا حلاً يتوافق مع شخصيتها المميزة ويعبر عنها... فبدل تداول السلطة والثروة، ابتكرت وطبقت طرقاً ونماذج فريدة لـ"تداول الشعوب" بما يضمن استعبادها واستغلالها على نحو دائم وبأشكال متعددة.. وهكذا حلت العقدة المستعصية بين رغبة الشعوب في التداول والتغيير، ورغبتها هي في البقاء... فجاء حلها رائعاً مثلها: فما دامت هي الثابت، فلتكن الشعوب هي المتحول!!

ولكي تدرأ عن نفسها شبهة الأنانية والظن بالاحتكار الذي حذر منه القرآن ونهى عنه (كي لا يكون دولةً بين الأغنياء منكم: سورة الحشر- آية "7")، فقد رضيت (طوعاً أو كرهاً) بأن تشاركها دول وشركات وبنوك أجنبية (يقول حسادها أنها إمبريالية!!)، متعة تداول شعوبها وثرواتها وحتى أوطانها!!

وبهذه الوصفة العبقرية الفذة، تم توزيع الحصص على الجميع: الإمبريالية –وخصوصاً أميركا- بـ"السيطرة والنهب"، والأنظمة بـ"البقاء"، والشعوب بـ"تداول الشقاء"!!

فاستمتعوا بـ"تداولكم" أيها العرب، واحرصوا على "تميزكم" الفريد والخاص بين الأمم...

وسامحكِ الله يا "وجدتها"!!... كنا مرتاحين مطمئنين حتى داهمتِنا والقيتِ بنا في لجة المعرفة، وحملتِنا قلق أسئلتِها وعبئِها!!

 أكان لا بد من "وجدتها" يا أرخميدس؟؟


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى