يوميات عابر سبيل
«يوميات عابر سبيل».. كتاب السيرة الجديد للكاتب الدكتور مصطفى عبد الغنى. وهو الجزء الرابع من السيرة الذاتية والسيرة الفكرية و«هوس الوثيقة» تحمل مشاهد أخيرة من أدب السيرة بتجلياتها المختلفة مستلهما فيها صاحبها رموزالاشكال المتباينة فى كتابة السيرة، فجمعت هنا بين الشكل التوثيقى- يوميات وشكل آخر من وحي الذاكرة أو بالاعتماد شبه الكلي على ما توفر من وثائق المرحلة المشتغل عليها.. ومع ذلك فما نشر منها لم يتعمق فقط عند الشكل الأول – اليوميات - ومن هنا، عمد صاحبها إلى رصد اليوميات فى عين المكان وتاريخ حدوث الوقائع محاولا رصد الواقع كما هو فى بدايات القرن الحادي والعشرين، فى هذه الفترة التي عاشها.
الكتاب سعى ليرصد ويوثق ويشهد فى الآن نفسه لهذه الفترة الصعبة الرحبة بعديد من الأحداث والمآسي على مستوى المنطقة العربية كلها؛ هذه المنطقة التي تؤكد انتمائها لهوية واحدة «الهوية الثقافية»، ومصير واحد «المستقبل»..
ويؤكد صاحب السيرة هنا أنه على الرغم ما ينصرف إليه الذهن حين نذكر «يوميات».. فإنها تعنى هنا خلطا واعيا من الإحداث اليومية التي تمضى عبر "ترميز" وتعميق للهم الانسانى والتعبير عن الفكر اليومي أو العام بشكل خلاق سواء بالتعبير عبر الثقافة الورقية فى التوثيق أو التحصيل العام أو عبر الثقافة الرقمية فى التدوين" بشكل جديد من هذا التعبير عبر العديد من الخطوط الاليكترونية –البرمجيات المتباينة وخطوط المذكرات الاليكترونية- فضلا عما أسهم به الكاتب هنا من التنبه لقيمة الوثيقة و«الشهادة الحية» عبر المشاهد اليومية فى هذا لشكل كما رصد تجليات التعريف – اليوميات - .. كان واعيا إلى حد كبير ليس بالهم الذاتي اليومي وحسب وإنما – أيضا- بالهم العام عبر رحابة الذات وتواترها، ومن هنا، وعبورا فوق التعبير المحدد لليوميات –كما يؤكد- كان علينا أن نكون أكثر وعيا بين الخاص- الذات- والعام – العام؛ فلا يمكن أبدا إن نرصد حركة اليوميات دون التنبه إلى خيوط التأثير بل أطياف التأثير العام فى المنظور الذاتي .. فيوميات الذاتي الفردي أصبحت وهما فى عصر اختفت فيه الحدود وغابت الجغرافية وراء التقدم التقني المذهل – وبالتبعية – وراء شراسة عنف الرأسمالية والامبريالية اليوم ، بحيث انه أصبح من الصعب أن نتحدث عن الذات فى غياب العام.. ومن الصعب الإشارة إلى التقدم العالمي دون التنبه "لإستراتيجية" الرأسمالية الغربية- الامبريالية فى العصر الحديث.
كما سجل الكاتب انه من الصعب على كاتب اليوميات أن يتحدث بشكل صارم عن الأحداث اليومية ببعدها السسيولوجى أو السيمولوجى دون التنبه إلى أهم المؤثرات على الإطلاق ونقصد بها هذا التقدم العالمي"العولمة" الذي اشرنا إلى تجلياته العلمية على عديد من مستويات الواقع..
ليس معنى هذا إغفال الذات، بالقطع لا.. فنحن واعين لطبيعة هذه المحاولة – وإنما نشدد على التنبه للعلاقة بين الذات والعام فى عصر اختفت فيه الحدود والسدود والقيم.. وذابت فيه الهوية القديمة الجامدة فى تجليات عصر جديد يحتم علينا إعادة النظر إلى العلاقة الأكيدة بين "الأصالة" و"المعاصرة" بمفهوم عصري وجديد..
وفى هذا ضرب مصطفى عبدا لغنى مثالا مهما.. ففي عصر الغرب لا يمكن اليوم إغفال كاتب مشهور مثل المرجع الكبير فى هذا الصدد مثل الكاتب فيليب لوجون الفرنسى الذي عرف أشكالا من السيرة وتمهل فيها عند ما يمكن أن نسميه مرجعية السيرة الذاتية فى أعماله عبر المسودات والمخططات التي حاول تأصيلها ، ففي حين كان صاحب مصطلح"الميثاق السردي" باجتهاده فى إضافة التعريف إلى التفسير كان أيضا – كما سعى هنا صاحب يوميات السيرة - فى مجال البحث الادبى فى إطار عصري، مما يشير إلى انه فضلا عن تماهى المسافات بين الذات والعام لدى كاتب اليوميات أو شكلها المحدد فى السيرة، فإننا لا يجب إغفال هذا الانجاز فى مجال البحث الادبى خاصة،فى الانفصال بين الموقع والموضع والارتباط الوثيق بين "الموقع والموضع" فى تعريف دال فى عبقرية جمال حمدان..
وقد حرص الكاتب هنا على أن يؤكد انه على المستوى الشخصي اذكر أن الإرهاق ها العقلي والبصري وصل به إلى مداه أثناء هذه المحاولة ليس لتيه الذاكرة فى الواقع الافتراضي البعيد عبر الويب وحسب، وإنما لتيه الذاكرة عبر الواقع التدوينى، الورقي أيضا بحيث تقاطع العديد من خيوط الطول والعرض فى الطيف العصري الذي نحياه اليوم..
لقد عانى صاحب هذه السطور من عديد من المعوقات كان واعيا لها اشد الوعي بدء من خيانة الذاكرة مرورا بعديد من الفضاءات الشاحبة فى الواقع الغامض مرورا بمراوغة المعاصرة وتحولاتها وصولا – وليس انتهاء – إلى هذه المساحات الافتراضية الجديدة البعيدة فى نسيج الواقع الحي ..وعلى هذا النحو ، كان عليه –كما أكد-أن يستعيد العديد من المشاهد والأحداث واليوميات والمواقف وسط كل هذا التيه الذي وجد الإنسان العربي نفسه فيه فى بدايات الألفية الثالثة.. وفى منحنى زمن لم يعد صانعه أو مؤثرا فيه بأي شكل؛ وهو الواقع الذي لابد أن نتنبه له ونبدأ منه.. وقد ذكر أيضا"انحنى عانيت كثيرا وانأ أدون اليوميات أو أحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأحداث الطارئة وما تبقى من العمر فى النهايات الثقيلة، ويزعم صاحب هذه السطور انه حاول تفسير حالة الوجد أو الحزن الشفيف أثناء الكتابة بما وصل إليه إلى درجة بعيدة من الوجد والهم الثقيل، لولا انه كان يردد دائما بينه وبين نفسه، قول الله تعالى من سورة الرعد" إنَّ اللهَ لا يغيّرُ ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسِهِم " ثم يستعيد عبارة الرسول "كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل"
ومابين الأمر بالتغيير والوعي بالواقع سعيت لأعبر عن "حالة" صاحب هذه السطور فى زمن جاوز فيه النصف الأخير من القرن العشرين بمكاسبه وانتصاراته إلى نهاية القرن وبداية القرن الواحد والعشرين بعديد من مشاعر المبادرة للتغيير وفى الوقت نفسه مزيد من مشاعر الحزن الشفيف الذي كان يسعى إليه صاحب "اليوميات"؛ وهو يعي ويعيش حاضره، هذا الحاضر بالمثقف بالواجب والألم أيضا..
وكما سعى الكاتب إلى رصد هذه اليوميات سعى إلى إرفاق العديد من الوثائق والشهادات الحية ..
مشاركة منتدى
20 كانون الأول (ديسمبر) 2014, 15:06
لا ماعجبني