الفســـــــــــــــاد
بالملح نداوي ما دبَّ الفسادُ بِهِفكيف إذا دبَّ بالملح الفسادُ
مقدمـــــــــــة
الفساد وباءٌ قديمٌ منتشرٌ في الدول الكبيرة والصغيرة الغنية والفقيرة، تُبرَم من أجل مكافحته الاتفاقيات وتُعقد المؤتمرات العربية والدولية، وتسنُّ القوانين الوطنية، وتحدث في فيينا أكاديمية (منظمة دولية) لبحث جوانب الفساد والتدريب المهني على مكافحته وتشجيع التعاون الدولي بهذا الشأن..
ومعلومٌ أنّ آثار الفساد تطغى على اقتصاديات ومجتمعات الدول النامية، من خلال إعاقة خطط التنمية وزيادة حدّة الفقر.. ويمكن أن تصل إلى تهديد أمن المجتمعات.
وشأن الفساد في سـورية كشأن الفساد في الدول النامية الأخرى – أشكالاً وانتشاراً وآثاراً ضارةً – مع فروقٍ نسبيةٍ.
ومن أجل مكافحة الفساد في سورية صدرت قوانين تُجرِّمُ أفعاله وتُعاقب عليها, كما صدرت قوانين بإحداث أجهزةٍ رقابيةٍ, وأُعطي مجلس الشعب – بموجب الدستور – حقَّ تشكيل لجانٍ للتحقيق في الأمور التي يراها (المجلس) في معرض ممارسته اختصاصاته, واعتبر – الدستور- مجالس الوحدات الإدارية المحلية مجالس شعبٍ محليةٍ يحدِّد القانون اختصاصاتها..
ورغم وجود الإرادة السياسية لمكافحة الفساد، وبذل الجهود الحثيثة بهذا الشأن، لم تَرْقَ النتائج إلى المستوى المطلوب – وهو ما لا خلاف عليه – وظلَّ الفساد محلَّ شكوى المواطنين واهتمام الباحثين والهمَّ المؤرِّق للقيادة السياسية، فقد أصاب الفساد بعضاً من شاغلي الوظائف العامة المعيّنين أو المنتخبين وبعض أعضاء المنظمات والنقابات والقطاعات الاقتصادية..
سألت أحداً شريفاً نظيفاً لماذا لا تتصدى للفساد ولو باللسان، وذلك من أضعف الإيمان، ؟ قال: أخشى أن يعتبرني الفاسدون فاسداً!
أقول: إن ما حدا بي إلى طرق هذا الموضوع عاملان:
أولهما: وهو أن هذه الظاهرة المستفحلة زالت عنها كل أقنعة الحياء والناموس والخجل والأخلاق والتربية، بل وأصبحت لدى البعض ربما (شطارة)!!
ثانيهما: هو أنني استقصيت أسباب انهيار الامبراطوريات والدول السابقة فوجدت أن من الأسباب نسبياً تفشي الفساد في أواخر عهودها، من هنا رأيت أن من المهمة الوطنية أن أحوض مع المجتهدين في توجيه النار على هذه الظاهرة الخطيرة على مصير الوطن الحبيب.
تعريف الفساد
قال الإمام عليٌ رضي الله عنه: "لسان الحال أصدق من لسان المقال" أقصد بهذا أنني لن أخوض في التعاريف اللغوية أوالاصطلاحية للفساد، إنه ظاهرة مشهودة بلا شاهد عيان. كما لن أخوض في الأسباب والآثار لأن الغريق لا يهمه إلا النجاة.
الفساد, بحسب الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد ” ظاهرةٌ إجراميةٌ متعددة الأشكال ذات آثارٍ سلبيةٍ على القيم الأخلاقية والحياة السياسية والنواحي الاقتصادية والاجتماعية “.
والفساد لدى منظمة الشفافية العالمية هو" استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة..”.
أما البنك الدولي فيعرِّف الفساد بأنَّه “..إساءة استعمال الوظيفة للكسب الخاص".
أصولية الفساد
الفساد قديم قدم المجتمعات البشرية، وقد تحدث عنه المصلحون والمفكرون والفلاسفة من "حمورابي" و "أرسطو طاليس" إلى غونار ميردال".
حرمت شريعة حمورابي في القرن ااثاني عشر قبل الميلاد الفساد حيت اعتبرت المال والحبوب التي يقدمها إنسان للموظف العام رشوة تستوجب العقوبة المقررة.
وكذلك فعل فرعون مصر "حور محرب" في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، عندما أصدر مرسوماً ملكياً يفرض عقوبة على كل موظف وكاهن يقبل الرشوة أثناء تأديته لوظيفته.
وعلى الطريق نفسه سار الملك الآشوري "باني بال" في القرن السابع قبل الميلاد عندما أصدر قانوناً يحرم الرشوة، إلا إذا كانت بهدف الحصول على المعلومات من العدو.
أما في روما القديمة فقد صدر قانون عام 159 ق.م يحرم على كل من يأخذ الرشوة تولي الوظائف العامة أو عضوية مجلس الشيوخ طيلة حياته، كما خول القاضي حق الحكم على المرتشي بالنفي أو الإعدام. (جريدة القبس الكويتية 9 ــ 3 1989)
الفساد عبر الأديان
ورد في موسوعة الثقافة السياسية الاجتماعية الاقتصادية العسكرية / عامر مبيض:
أدانت الأديان جميعاً الفساد وبخاصىة الأديان السماوية،
في العهد القديم (توراتهم) ورد ذكر الفساد سبع مرات على نحو أو آخر، فقد جاء فيها: "الرشوة تفسد القلب" (سفر الجامعة /7ــ7).
كما ورد ذكر الفساد في الإنجيل على نحو أو آخر ست مرات، فقد جاء في رسالة بطرس الثانية (2 ــ19): يَـعِـدون هؤلاء ــ المعلمين الدجالين ــ بالحرية، وهم أنفسهم عبيد للفساد. كما أن قصة يهوذا الأسخريوطي الذي باع المسيح لجلاديه بدراهم معدودة مدونة ومعروفة.
جاء في (عمدة الحفاظ / السمين الحلبي):
قوله تعالى: "ألا أنهم المفسدون" (البقرة /12) الفساد لغة: خروج الشيء عن الاعتدال والاستقامة، قل ذلك الخروج أو كثر، ويكون في الأعيان والمعاني ومنه فساد العقائد، وفي الحديث: "إذا فسد القلب فسد سائر البدن" والإفساد يعم إهلاك الحرث والنسل: " وإذا تولى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل" (البقرة /205). وحذر الله من انتشار هذه الظاهرة الذميمة الفتاكة " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الروم /41) وأفصح القرآن الكريم عن كراهية الخالق للفساد: "والله لا يحب الفساد" (البقرة /205). ثم شدد على نحو أقصى من الجزاء كما في الآية الكريمة: "(إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً إن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم عذاب عظيم) (سورة المائدة الآية33)
وورد في المصدر نفسه حول مادة "سحت"، قوله تعالى: " أكّـالون للسحت" (المائدة /42)، السحت: الحرام وما لا يحل تناوله لأنه يسحت صاحبه أي يذهب بدينه ومروءته ويلزم صاحبه العار، وأشار بذلك إلى الرشا التي كان الأحبار يأخذونها ليحكموا لسلفهم وملوكهم بما يهوونه. والسحت يذهب البركة، وفي الحديث: " لحم نبت من سحت النار أولى به".
ثانياً:- مظاهر الفساد:
والفساد من حيث مظهره يشمل أنواعاً عدة منها:
1ـــ الفساد المالي:- ويتمثل بمجمل الانحرافات المالية ومخالفة القواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في الدولة ومؤسساتها ومخالفة التعليمات الخاصة بأجهزة الرقابة المالية كالجهاز المركزي للرقابة المالية المختص بفحص ومراقبة حسابات وأموال الحكومة والهيئات والمؤسسات العامة والشركات، ويمكن ملاحظة مظاهر الفساد المالي في: الرشاوى والاختلاس والتهرب الضريبي وتخصيص الأراضي والمحاباة والمحسوبية في التعيينات الوظيفية.
2ـــ الفساد الإداري:- ويتعلق بمظاهر الفساد والانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية وتلك المخالفات التي تصدر عن الموظف العام إثناء تأديته لمهام وظيفته في منظومة التشريعات والقوانين والضوابط ومنظومة القيم الفردية التي لا ترقى للإصلاح وسد الفراغ لتطوير التشريعات والقوانين التي تغتنم الفرصة للاستفادة من الثغرات بدل الضغط على صناع القرار والمشرعين لمراجعتها وتحديثها باستمرار. وهنا تتمثل مظاهر الفساد الإداري في: عدم احترام أوقات ومواعيد العمل في الحضور والانصراف أو تمضية الوقت في قراءة الصحف واستقبال الزوار، والامتناع عن أداء العمل أو التراخي والتكاسل وعدم تحمل المسؤولية وإفشاء أسرار الوظيفة والخروج عن العمل الجماعي.
والواقع إن مظاهر الفساد الإداري متعددة ومتداخلة وغالباً ما يكون انتشار أحدها سبباً مساعداً على انتشار بعض المظاهر الأخرى.
3ـــ الفساد الأخلاقي:- والمتمثل بمجمل الانحرافات الأخلاقية والسلوكية المتعلقة بسلوك الموظف الشخصي وتصرفاته. كالقيام بإعمال مخلة بالشرف الوظيفي بمناسبة العمل، أو أن يستغل السلطة لتحقيق مآرب شخصية له على حساب المصلحة العامة أو أن يمارس المحسوبية بشكلها الاجتماعي الذي يسمى (المحاباة الشخصية) دون النظر إلى اعتبارات الكفاءة والجدارة.
ظاهرة فريدة
من خلال اطلاعي على الواقع خلال نصف قرن قضيتها في العمل العام، أقول:
منذ نصف قرن أذكر أن مرتكب الرشوة كان يعد من سفلة القوم وكان يشار إليه عن كثب، الرشوة كانت هي (البرطيل) وهي مفردة صحيحة (القاموس المدرسي) ومنه مبرطِل وتبرطل وهي ذات معنى شائن ومخل بالشرف الشخصي.
ثم تصاعدت الظاهرة وظهر شعار (إرشِ تمشِ) و(الدراهم كالمراهم) وتسربت الظاهرة حتى إلى الأدب العربي، وكان الشاهد قول الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد الذي تم تشويهه بإضافة البيت الثاني:
إذا كنت في حاجةٍ مرسلاًوأنت بها كَلِفٌ مُغْــــرَمُ(أرسلْ حكيماً ولا توصِــهِوذاك الحكيمُ هو الدرهمُ)
ثم أشيع مصطلح (المفتاح) بحيث يوجد للمسؤول المتورط بالفساد عميل سري هو الذي يفاوض ويساوم ويدبر الأمور من وراء حجاب.
ثم بدأ التطبيع الاجتماعي مع مسيرة الفساد حتى أصبح مصطلح (المعلوم)
ملازماً لأية معاملة أو تسهيلات أو الوصول للمطلوب، وتطور أسلوب القبض نقدا أو إيداع مبلغ في مصرف خاص أو تسجيل عقار أو سيارة وربما سجل (المعلوم) باسم أحد الأقارب البعيدين عن احتمال الشبهة.
لقد اصبح الفساد في العالم حقيقة يومية أو تقليداً مرعياً بعدما أصبح تقييم المرء فيه سلعياً، لا إنسانياً أو أخلاقياً.وإن المرء ليدهش من تعامل المجتمع الإيجابي مع الفاسدين بعد تبرئتهم الشكلية من فساد فاضح و بعد خروجهم من السجن بسبب، إذ ظلوا يملكون مظاهر الوجاهة المادية التي وفرها الفساد لهم، أو غطوه بمظاهر التدين وطقوسه.
وإنك لترى أو تسمع عن تنافس مثقفي البلدان التي استشرى فيها الفساد للوصول إلى مواقع اتخاذ القرار، لا لرفع مستوى الأداء وتحقيق التقدم، وإنما للحصول على نصيب من الكعكة أو الغنائم والامتيازات التي جاءت بها عقود التنمية المليونية أو المليارية، بينما يتنافس بعض الموظفين في القواعد على ما يتساقط من فتات من موائد رؤسائهم.
ورد في الموسوعة المذكورة آنفاً:
لقد صارت أدبيات الفساد تتحدث عن مستويين أو نوعين من الفساد:
1 ــ مستوى الفساد الأكبر، وهو الفساد الذي يرتكبه الكبار ذوو النفوذ.
2 ــ مستوى الفساد الأصغر، وهو فساد الموظفين في القطاعات المختلفة.
وفي الأنظمة الفاسدة أصبح الأمين النزيه في عمله والمستقيم في سلوكه شاذاً أو معتوهاً أو مغفلاً في نظر الطبقة المتثاقفة من قومه.
– أهم المقترحاتٌ بشأن الوقاية من الفساد كما وردت في تقرير اللجنة المكلفة بتحديد جرائم الفساد وآليات مكافحته “ والمشكلة بقرار رئاسة مجلس الوزراء رقم /6080/ تاريخ 5/5/2011 المنشور على موقع سورية التشاركية:
ــ الإسراع في الإصلاح الإداري والاقتصادي والضريبي والإعلامي والقضائي.
ــ إصلاح أنظمة إدارة شركات ومؤسسات القطاع العام، وترسيخ أسس الإدارة الرشيدة فيها..
ــ ترشيد الإنفاق الحكومي، ومنع هدر المال العام، من خلال المراجعة المالية العلمية الجادة للإنفاق الحكومي، في مختلف القطاعات.
ــ رسم السياسات الكفيلة بمكافحة التهرُّب الضريبيّ والحدِّ من الفساد في الجمارك، فهما يفوِّتان على خزينة الدولة مبالغ طائلة..
ــ إعادة النظر في الأحكام الناظمة لطلب عروض الأسعار (حيث اللجان العامة والمالية والفنية وعلامات الجودة والتقييم المالي وكسر الأسعار).
وليس بخافٍ، أنّ بعض الأشخاص، وبعض الشركات الوطنية والأجنبية، تساهم، أحياناً، في إفساد الذمم عن طريق الاستعانة بالوسطاء ولحظ عمولات كبيرة، لا تدخل سورية أحياناً.
ــ إعادة النظر بكافة التشريعات واللوائح والإجراءات الإدارية الناظمة لعمل إدارات الدولة ومؤسساتها، باتجاه تبسيطها، وتوضيحها، وسدّ ثغراتها، والاستغناء عن إجراءات وتواقيع زائدة لا تشكِّل قيمةً مضافةً ولا تسهم في ضمان موثوقية عمل الإدارة، والتقييم الدوري لهذه التشريعات واللوائح لضمان كفايتها لمنع الفساد.
ــ اعتماد مبدأ الشفافية في الأداء الإداري، كسياسة عامّة تطبقها إدارات الدولة ومؤسساتها.
ــ تطبيق مبدأ “الثواب والعقاب” بكل الشفافية والنزاهة والجديّة والعدالة.
– اعتماد الجدارة والنزاهة أساساً وحيداً لاختيار شاغلي الوظيفة العامة – من خلال معايير انتقاء موضوعيَّةٍ – بعيداً عن المحسوبية والمحاباة والقربى والوساطة …
تدريب والتأهيل المستمر، حيثما كان لازماً أو مفيداً
– التقييم المستمر للأداء، وترتيب آثاره القانونية من تسميةٍ لوظيفة أعلى، أو إعفاءٍ من وظيفة، أو إحالةٍ إلى مرجع تأديبي..
ــ وضع معايير موضوعية للترشيح للمناصب والوظائف العليا.
ــ تسريع إنجاز الحكومة الالكترونية، وأتمتة العمل في إدارات الدولة ومؤسساتها، واعتماد أسلوب النافذة الواحدة.
ــ اعتماد إدارات الدولة ومؤسساتها سياسة “الباب المفتوح” لسماع شكاوى المواطنين والعمل على معالجتها،:.
ــ وضع آلية تكفل استمرار الرقابة على الأداء الإداري، بشكلٍ عام، وفي منافذ الحدود ومرافق السياحة ومجال الاستثمار، بشكلٍ خاص، للأثر السلبي الذي يتركه الفساد على سمعة سورية..
ــ إعلان الأنظمة والقرارات التي تهمّ المتعاملين مع إدارات الدولة ومؤسساتها، في أمكنةٍ بارزةٍ من مقارّها، لتسهيل الإطّلاع عليها.
ــ إعادة النظر بأنظمة الرقابة الداخلية لتكون أكثر فاعليةٍ وموضوعيةٍ وجدوى. وإعادة النظر، أيضاً، بالعاملين في مديريات الرقابة الداخلية وأن يُنتقى لها من هو مثالٌ يُحتذى من العاملين سلوكاً شخصياً.يليق بالواجبات الوظيفية
ــ تشجيع المبادرة والإبداع والاختراع والإثابة عليها, والحدّ من هجرة الأدمغة الوطنية.
ــ محاسبة الفاسدين والمفسدين، وعدم الاكتفاء بإعفاء الفاسدين من مهامهم، ومصادرة الأموال الناجمة عن الفساد واستردادها..
ــ التخفيف من المركزية الإدارية من خلال التفويض وتعزيز اللامركزية..
ــ إصلاح القضاء، وتأكيد استقلاله،وتنفيذ الأحكام القضائية التي اكتسبت الدرجة القطعية، دونما تأخيرٍ
ــ وجوب تواضع الموظف وعدم ترفعه على المواطنين
– تعزيز الدور الرقابي لمجلس الشعب، والمجالس المحلية
ــ تعزيز دور المنظمات الشعبية والنقابات المهنية في مكافحة الفساد بأنواعه.
ــ تعزيز دور الإعلام الحرّ والمسؤول في نشر قيم الفضيلة وانتقاد المظاهر الاجتماعية السلبية (من محسوبيات ومحاباة – وواسطة وسلبية).
ــ محاربة الانتهازية والوصولية.
وأضيف على ما تقدم: إنه يجب تفعيل قانون الكسب غير المشروع بجدية ومسؤولية وأعتقد أنه لو كان نافذا لما آل الحال إلى هذا المآل!
إن أحكام الفساد موزعة في عدة مصادر قانونية نافذة، وأرى من الضرورة مراجعتها وتحديثها وإصدارها أصولاً بمصدر واحد، وتعميمها بالمجان على الجهات والأشخاص حيث يتسلل الفساد أو يحتمل ذلك. على أن يشمل التقنين الجديد تطبيق أحكام الكسب غير المشروع (من أين لك هذا) على جميع العاملين وذوي الصلة بالعمل العام.
إن مبدأ " من أين يا هذا لك هذا؟" مبدأ تراثي خالد، انطلق منذ عهد الخلفاء الراشدين حين علم الخليفة عمر بن الخطاب أن لابنه تجارة في السوق، استدعاه وسأله "من أين لك هذا؟" ولما أعياه الجواب قال له: لو لم تكن ابن أمير المؤمنين هل بلغتها؟ أعدها إلى بيت مال المسلمين فهم أولى بها، وكذلك حين ساءل خالد بن الوليد عن أملاكه، والخليفة عمر بن الخطاب نفسه تعرض لهذا السؤال، فقد كان على المنبر حين قال: أيها الناس اسمعوا وأطيعوا، قال له سلمان الفارسي: لا سمعاً ولا طاعة! قال عمر ولمَ يا سلمان؟ قال: أرى عليك ثوباً أطول من ثيابنا؟ من أين لك هذا؟ أحال عمر الجواب على ابنه وكان حاضراً الذي قال: هو من بقية ثوبي لأن ثوب أبي كان قصيراً فأعطيته ما يستره.
فيما يلي رواية تاريخية عن النزاهة المطلقة وردت في عدة مصادر منها البداية والنهاية:
كان علي بن أبي رافع أمينا على بيت المال وفيه عقد لؤلؤ.
فقالت له زينب بنت علي بن أبي طالب: أعرني هذا العقد لأتجمل به يوم الأضحى, وأرده بعد ثلاثة أيام.. فأعارها.
فقال لها علي بن أبي طالب: من أين لك هذا؟ وقد عرفه.
فقالت زينب بنت علي: قد استعرته يا أبت لثلاثة أيام من علي بن رافع لأتجمل به في عيد الأضحى.
فقال علي -رضي الله عنه- لعلي بن رافع: يا أبا رافع أتخون المسلمين ؟!
فقال علي بن أبي رافع: معاذ الله يا أمير المؤمنين.. فقد أعرت العقد لإبنتك لتتجمل به يوم عيد الأضحى، وسترده بعد ثلاثة أيام.
فقال علي - رضي الله عنه -: ردَّ العقد من فورك, وإياك والعودة لمثل هذا, والله لو أنها أخذت العقد على غير عارية مضمونة لكانت أول هاشمية قطعت يدها في سرقة.
فقالت بنت علي - رضي الله عنه -: يا أمير المؤمنين.. أنا بنتك وبضعة منك .. فمن أحق بالتجمل بالعقد مني ؟!
فقال علي - رضي الله عنه-: يا بنت ابن أبي طالب.. لا تذهبي بنفسك عن الحق.. أكل نساء المهاجرين والأنصار يتجملن في مثل هذا العيد بمثل هذا العقد؟!
أولئك (أسلافي) فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا (زميلُ) المجامعُ