السبت ١٩ شباط (فبراير) ٢٠٢٢
بقلم رندة زريق صباغ

أسبوع ترقّب في كييف

ساد جو من القلق والترقب علينا جميعًا في كييف خلال الاسبوع المنصرم، حيث وصلتنا الكثير من التحذيرات والمطالبة للعودة الى البلاد خوفًا من اندلاع غزو روسيا لأوكرانيا الذي سيؤدي لا محالة لاندلاع حرب عالمية ثالثة تؤدي لدمار شامل. كل هذا وأنا مع ابنتي في العاصمة الأوكرانية حيث تدرس طب الأسنان في احدى أفضل جامعات هذا المجال (جامعة كييف الطبية الدولية)…

ما أرغب بقوله ومن أرض الواقع إن لا خوف من اندلاع الحرب وإن بوتين أذكى من أن يوقع نفسه وبلاده في مطب كهذا وهو أقوى من أن تستغله امريكا والغرب لتحقيق مآربها في شرق أوروبا على حسابه ولن يسجل التاريخ أن بوتين هو سبب أو مسبب لحرب عالمية ثالثة لن يستفيد منها سوى أمريكا.

وافقت الجامعات على جعل التعليم عن بعد مما سمح للعديد من الطلاب الذين أذعنوا لطلب دولهم بالعودة الى بلادهم ومتابعة التعليم من هناك حتى اشعار آخر.

تجدر الاشارة الى أن شركات الطيران استغلت هذه الظروف ورفعت اسعار التذاكر مما أثقل كاهل الطلاب والأهالي ماديًا ومعنويًا. في حين أن بعض الجامعات لم توافق على التعليم عن بعد مما قد يؤدي لخسارة الطلاب للسنة الدراسية.

مدينة جميلة، أهلها طيبون مستعدون للخدمة والمساعدة، مهذبون جدًا لا تسمع لهم صوتًا لا في الشارع ولا في السوق، شعب تعمل نساؤه تمامًا كما رجاله، ترى المرأة في كل مرافق الحياة والعمل، الملحمة، المسمكة، دكان الخضار، دكان الأدوات الصحية، تراها سائقة حافلة وتاكسي وأيضًا سيارة نقل كبيرة، عاملة نظافة وموظفة حراسة، بائعة بيض أو عسل في السوق، كما ترى الكثير من النساء في مناصب عليا في الشركات والمكاتب الحكومية، الكثير من المحاميات، الطبيبات، المحاضرات والإعلاميات.

الشعب الاوكراني يتحلّى بجمال الشكل وطيب الخلق الذي فاجأني إيجابًا، شعب يعيش يومه بهدوء وصبر لدرجة تظنها لا مبالاة وعدم اكتراث، قد يكون ذلك بسبب شدة البرد والثلوج حيث تصل درجات الحرارة الى أقل من 20 تحت الصفر اضافة لتاريخها الحافل.

كييف عاصمة عريقة تحوي الكثير من الجمال المعماري والانساني كما الطبيعي، والدولة عمومًا تتمتع بموقع جغرافي مهم يربط بين روسيا والشرق الأوسط من خلال البحر الأسود، وبالتالي فإن خطوط الغاز الروسية تمر من خلالها، تُعتَبر كييف مركزاً صناعيّاً وتعليميّاً وثقافيّاً مُهمّاً في أوروبا الشرقية فهي موطن للصناعات التكنولوجية الفائقة والعديد من مؤسسات التعليم العالي والجامعات، كما أنها موقع للعديد من المناطق الأثرية المشهورة. وتمتلك المدينة بنية تحتية واسعة النطاق ونظاماً متطوّراً للنقل العام، بما في ذلك مترو كييف.

تعد مدينة كييف واحدة من أقدم المدن شرقي أوروبا، ومرَّت بعدة فترات اكتسبت فيها مجداً كبيراً أو انحطت انحطاطاً بالغاً. وربما كانت المدينة عبارة عن مركز تجاري قبل القرن الخامس الميلادي حتى استولى عليها الافرنج في منتصف القرن التاسع. وقد أصبحت تعرَّضت المدينة لتدمير كامل جرّاء الغزو المغولي 1240 وفقدت معظم نفوذها في القرون التالية.

ازدهرت كييف مرة أخرى أثناء الثورة الصناعية أواخر القرن التاسع عشر، ثم أصبحت في عام 1917-بعد استقلال الجمهورية الأوكرانية الشعبية عن الامبراطورية الروسية- عاصمة للجمهورية الاوكرانية الجديدة ومنذ عام 1921 أصبحت كييف مدينة مهمة وتحولت عاصمة لها عام 1934. عانت المدينة خلال العالمية الثانية مرة أخرى وتكبدت أضراراً كبيرة، لكنها تعافت بسرعة في السنوات اللاحقة للحرب، وقد كانت آنذاك ثالث أكبر مدينة في الاتحاد السوفييتي وظلّت كييف عاصمة أوكرانيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي واستقلال أوكرانيا 1991.

2014 تم عزل الرئيس الاوكراني الذي عاث بالأرض فسادًا وعاش حياة البذخ والترف على حساب شعبه الفقير وقد هرب الى بلدته في اقليم دونباس في جنوب شرق اوكرانيا الموالي لروسيا. منذ أكثر من ثماني سنوات، تشهد دونباس نزاعا مسلحا عنيفا بين القوات الحكومية وميليشيات محلية مدعومة من روسيا. والآن، تحذر دول غربية من أن موسكو تخطط ربما لغزو وشيك لأوكرانيا، قد يحصل في أي لحظة.

ورغم أن روسيا نشرت حوالي 130 ألف جندي، مجهزين بكامل العتاد من الدبابات والمدفعية والذخيرة إلى القوة الجوية، بالقرب من الحدود الأوكرانية، نفت موسكو مرارا بأنها تخطط لغزو أوكرانيا.

في بداية هذا العام، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الدول الغربية إلى عدم إثارة "الذعر"، قائلا إن التحذيرات من غزو روسي وشيك تتسبب بأضرار للاقتصاد الأوكراني وتعرضه للخطر.

وأجرت روسيا وبيلاروسيا تدريبات عسكرية مشتركة بالقرب من الحدود مع أوكرانيا. كما أجرت أوكرانيا تدريبات عسكرية في المنطقة الشرقية من أراضيها.

وقد عزز حلف شمال الأطلسي (الناتو) وجوده في أوروبا الشرقية، ونشر سفنا وطائرات حربية إضافية وقوات النخبة الأمريكية 82 المحمولة جوا، والمتخصصة في الاستجابة السريعة لحالات الطوارئ في الأزمات في أي مكان في العالم.

وهكذا يتم النزاع ببن المعسكرين على حساب أوكرانيا، لكن كل ذلك لم يزعزع ثقة الاوكرانيين ولم يشعرهم بالخوف والاغلبية العظمى تؤمن بأن بوتين لن يقوم بغزو بلادهم ولن تندلع الحرب على أراضيهم، يدركون جميعًا بأن كل ذلك سجال واستعراضات سياسية بهدف الحصول على أهداف غير معلنة.

(كييف)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى