أشد صور الاعتداء على السلامة البدنية للمرأة
ختان الإناث أشد صور الاعتداء على السلامة البدنية للمرأة، لا تبرره ضرورة طبية أو فائدة صحية كما يؤكد أهل الاختصاص. ولا يمكن ربطه بالدين الإسلامي بأي وجه أو التذرع بالدين لتبريره، فهو يرتبط بمفاهيم وعادات اجتماعية خاطئة تتعلق بالنشاط الجنسي والضغوط الاجتماعية.
وتوجد مصطلحات زائفة ترسخ المفاهيم الاجتماعية الخاطئة عن ختان الأنثى، مثل “الطهارة” الذي يوحى بأن غير المختنة ليست طاهرة أو أن إيمانها ليس كاملاً. وقد اتخذت الجمعية العالمية لاتحاد أمراض النساء والتوليد قراراً أصدرته في سنة 1994 أدانت فيه ختان الأنثى لأضراره الصحية والنفسية والاجتماعية، وبوصفه يمثل اعتداء على حقوق الإنسان، لأنه ممارسة ضارة تجري على طفلة لا يمكنها إعطاء موافقة مبنية على المعرفة.
أ- الموقف الديني من ختان الإناث:
حسم الدكتور محمد سليم العوا المفكر الإسلامي مسألة حكم الدين في ختان الأنثى عندما قرر “أن حكم الشرع في ختان الأنثى أنه لا واجب ولا سنة، ولم يدل على واحد منهما دليل، وليس مكرمة أيضاً لضعف جميع الأحاديث الواردة فيه، بل هو عادة ضارة ضرراً محضاً لا يجوز إيقاعه بإنسان دون سبب مشروع”.
وتؤكد المرجعيات الدينية في مصر عدم وجود أي سند ديني يعول عليه لإقرار عادة ختان الإناث، فلم يرد في نص قرأني أو حديث متواتر، وإنما هو اجتهاد فقهي اختلف الرأي بشأنه. هذا فضلاً عن أن الموضوع ليس موضوعاً فقهياً يخضع لآراء واجتهادات الفقهاء، بل هو مسألة طبية لا يجوز لغير أهل الاختصاص حسمها، فقطع جزء من جسم إنسان خلقه الله لا يمكن أن يتقرر بآراء فقهاء الدين إلا أن يكون عقوبة ورد فيها نص شرعي قطعي الثبوت والدلالة. وليس ختان الأنثى عقاباً لها، بل هو اعتداء على سلامتها البدنية والنفسية، لا يجوز إلا باعتباره عملاً طبياً إذا قرر أهل الاختصاص ضرورته في حالة محددة بعينها.
ولو اتفق رجال الدين على جواز ختان البنات، فلن يكون ذلك حكماً شرعياً ولا واجباً، وإنما هو نتاج فكر بشرى في العصر الذي اتفقوا فيه. فإذا جاء العلم الحديث وأكد أهل الاختصاص فيه عدم صحة الحجج التي استندوا إليها لاتفاقهم على إباحته، وجب على ولي الأمر حظره وتجريمه. بل إنه يجب على رجال الدين في هذه الحالة أن يستنيروا بنور العلم ويعدلوا عن رأيهم وفتواهم بجواز ختان الأنثى، لا أن يصروا على ما قالوا بعد أن استناروا بنور العلم والمعرفة.
والدليل على أن الختان ليس له أصل في الدين الإسلامي أن هناك دولاً إسلامية لا تمارس عادة ختان البنات مثل دول الخليج ومنها السعودية مهبط الوحي وسوريا ولبنان وماليزيا وأندونيسيا. كما أن بعض المسيحيين العرب يمارسون عادة الختان، فهل هم يطبقون عادة إسلامية أو حكماً شرعياً؟ توجد قيادات دينية أزهرية في مصر تنفي وجود أي نص شرعي قطعي الثبوت والدلالة يوجب ختان البنات، وتؤكد أن الإصرار على ممارسته في بعض المناطق لا يخرج عن كونه عادة قديمة لا علاقة لها بالدين ولا يصح إلصاقها به لإكسابها شرعية وقبولاً لدى عامة الناس. وطالبت قيادات دينية إسلامية بضرورة حظر وتجريم ختان الإناث الذي لا يقره الإسلام، فقد طالب المؤتمر العالمي لعلماء المسلمين المنعقد في القاهرة نهاية العام 2006 بحضور رجال دين من 23 دولة إسلامية بذلك.
وتؤكد القيادات الدينية المسيحية أن ما يسمى ختان الإناث ليس له أي سند ديني في المسيحية إطلاقاً، ولا سند أخلاقي ولا توجد آية واحدة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد تتحدث عن ختان الإناث. ويقرر رجال الدين المسيحي أن ما يسمي “ختان الإناث” خطأ وخطيئة، وهو ممنوع دينياً وإنسانياً وصحياً.
ب- موقف الهيئات المهنية من ختان الإناث:
تحذر نقابة الأطباء المصرية دوماً من قيام الأطباء بممارسة عادة ختان الإناث ، وتقرر الجزاءات المهنية لمن يمارسونها باعتبارها خروجاً على مقتضيات الواجب المهني.
لكن ما هي الأسباب التي تدفع بعض الأطباء إلى ممارسة عادة ختان الإناث، على الرغم مما يقرره بعضهم أنه لا توجد في مراجع الجراحة دراسة تتعلق بهذه الممارسة؟ هناك عدة أسباب أهمها:
1- وجود آراء لبعض رجال الدين التي تقدم دعماً لهذا السلوك، فتوفر لبعض الأطباء ذريعة دينية لممارسة هذه العادة.
2- اعتقاد بعض الأطباء أن واجبهم المهني يفرض عليهم ممارسة الختان لحماية البنات من الظروف السيئة التي يمكن أن تمارس فيها عادة الختان، فتعرض حياة البنات للخطر.
3- غياب حملة وطنية منظمة ومستمرة لتوعية العاملين بالقطاع الصحي والمواطنين بخطورة الختان وأضراره التي يكشف عنها العلم الحديث.
4- تدني دخل بعض الأطباء يجعلهم يبحثون عن مصادر لتحسين ظروفهم المعيشية دون اكتراث بالاعتبارات الأخلاقية أو الدينية أو الصحية.
5- غياب النص التشريعي المجرم مباشرة لختان البنات. فالقانون المصري يعتبره مجرد ظرف مشدد لعقاب جرائم الاعتداء على السلامة البدنية للإنسان وليس جريمة في ذاته، وهناك من يطالب اليوم بإلغاء هذا الظرف المشدد للعقاب رغم عدم فاعليته في مكافحة ظاهرة ختان البنات.
ج- ختان الإناث من المنظور الحقوقي الدولي والوطني:
1- ختان الإناث اعتداء على السلامة البدنية والنفسية للمرأة، لذلك تحظره المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، بداية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
2- أدانت الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) كل صور العنف ضد المرأة، ودعت الدول الأطراف إلى ضرورة اتخاذ التدابير الملائمة للقضاء على هذه الصور.
3- نص إعلان القضاء على العنف ضد المرأة (1993) على اعتبار ختان الإناث من صور العنف الذي يحدث في إطار الأسرة، وألزمت المادة 4 من الإعلان الدول بإدانة هذا العنف ضد المرأة، وعدم التذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبارات دينية للتنصل من التزاماتها بالقضاء عليه.
4 – أدانت منظمة الصحة العالمية في كل مؤتمراتها ختان الإناث لآثاره الصحية الضارة، ودعت الدول إلى تجريمه والعقاب عليه.
5 – اعتبرت لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة (لجنة سيداو) ختان الإناث من الممارسات الضارة بصحة المرأة وحقوقها وتمثل نوعاً من العنف ضد النساء، وأوصت اللجنة الدول الأطراف في الاتفاقية باتخاذ التدابير المناسبة والفعالة للقضاء على هذه الممارسة.
6- يعتبر المجلس القومي لحقوق الإنسان أن قضية ختان الإناث تعد من أبرز أساليب العنف ضد المرأة، فالفتيات مازلن يتعرض للختان في سن صغيرة، وهي عادة تعتبر انتقاصاً لكرامة المرأة وإنسانيتها، وتتجاوز نسبتها 90٪ من الفتيات.
7 – يولي المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للأمومة والطفولة وكافة جمعيات حقوق الإنسان والمرأة في مصر قضية ختان الإناث اهتماماً بالغاً يتمثل في التوعية بمخاطره الصحية ومواجهة الدعوات والممارسات التي تروج لهذه العادة. ولا شك في أن هذه المنظمات سوف تواجه مقاومة ضارية لنشاطها في هذا الخصوص مع تنامي التيارات الدينية التي تشجع على ممارسة عادة ختان الإناث التي يلصقونها ظلماً وعدواناً بالدين الإسلامي.
د- الموقف التشريعي المصري من ختان الإناث:
1- نشير بداية إلى أن هناك دولاً عديدة في العالم، وفي القارة الأفريقية مصدر عادة ختان الإناث، وفي دول عربية وإسلامية أصدرت تشريعات تجرم هذا السلوك وتعاقب عليه.
2- وعلى الرغم من أن معركة المجتمع المصري ضد ختان الإناث قديمة بدأت منذ سنة 1920، بل قبلها حيث كان قانون العقوبات المصري سنة 1883 يجرم كل اعتداء على السلامة البدنية للإنسان ذكراً كان أو أنثى، إلا أن إرادة حسم القضية لم تكن أبداً صريحة وواضحة لدى المشرع.
3- أيد القضاء الإداري القرارات الصادرة من وزارة الصحة بحظر الختان للبنات في وحدات وزارة الصحة إلا في حالات استثنائية.
4- أخيراً أضاف القانون رقم 126 لسنة 2008 إلى قانون العقوبات نصاً متواضعاً في صياغته ومضمونه هو نص المادة 242 مكرراً الذي شدد عقاب جريمة الإيذاء العمدي إذا حدث الجرح عن طريق إجراء ختان لأنثى مع مراعاة حكم المادة 61 من قانون العقوبات الخاصة بحالة الضرورة. ويلاحظ على هذا النص الجديد ما يلي:
– أنه لم يجرم بطريقة مباشرة ختان البنات، وإنما اعتبر الختان ظرفاً مشدداً لعقاب جريمة إحداث جرح عمداً.
– أنه جعل حالة الضرورة مانعاً من موانع المسؤولية والعقاب على الختان للأنثى، وهو ما يفتح الباب واسعاً للتحايل على الحكم المستحدث بادعاء أن الختان كان ضرورياً لوقاية الأنثى من خطر جسيم على نفسها، والمعلوم أن الضرورات تبيح المحظورات.
– أنه أعطى القاضي سلطة تقديرية واسعة في الاختيار بين الحبس أو الغرامة، والغرامة حدها الأدنى ألف جنيه لا يتناسب مع ما يمكن أن يجنيه المتهم من الجريمة.
– أن النص المستحدث جعل موقف المتهم أفضل مما كان عليه في غياب النص. فقد استقر الفقه الجنائي على أن الختان يشكل اعتداء على السلامة البدنية للأنثى، وهو اعتداء يعاقب عليه قانون العقوبات، ويشدد العقاب إذا أدى هذا الاعتداء إلى وفاة المجني عليها، لأن الجريمة تكون جناية جرح عمد أفضى إلى وفاة المجني عليها (م 236 ع). وإذا اعتبرت الوفاة قتلاً خطأ، عوقب المتهم بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين والغرامة من مائة إلى خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين.
– لازلنا نناشد المشرع التدخل للنص على تجريم ختان الأنثى بنص صريح دون استثناء، مع تشديد عقاب من يقوم بالختان من أصحاب المهن الطبية، وجعل عقوبة الحبس وجوبية في حالة العود أو إذا كان المتهم من المعتادين على ممارسة الختان للأنثى. لكننا لا نعول كثيراً في الوقت الحاضر على التدخل التشريعي في الاتجاه الذي نتمناه.