الخميس ١٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٨
بقلم عادل عامر

الاغتراب الديني والإرهاب

إن عمق الانتماء للإسلام هو ما ‬يعطي ‬المجتمع الإسلامي ‬قيمته، ‬ويحفظ عليه تماسكه، ‬ويجعل الفرد إنساناً ‬ذا قيمة ولحياته معنًى وهدفًا وغايةً. ‬وحين تتضارب القيم السائدة في ‬الواقع المعاصر مع القيم والعقيدة الإسلامية، يحدث الاغتراب ‬ما ‬يولّد الصراع في ‬حياة المسلم، ‬وبمقدار وعي ‬الإنسان وجهوده المبذولة في ‬ساحة ذلك الصراع تتفاوت مواقفه وتأثره وكيفية تفاعله معها. فبينما ‬يضطرب البعض، ‬يفقد البعض الآخر الثقة، ‬فهم ما بين متشدد ومفرّط، ‬وبين هؤلاء وأولئك ترى فئة تصحح المنهج، ‬وتؤدي ‬رسالتها. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ومن هنا ‬يمكن فهم معنى حديث النبي ‬صلى الله عليه وسلم: «‬بدأ الإسلام ‬غريباً ‬وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء»، ‬قيل: ‬ومن الغرباء ‬يا رسول الله؟ قال: ‬«الذين ‬يصلحون إذا فسد الناس».‬ وفي ‬الواقع المعاصر الذي ‬تكثر فيه الفتن، ‬وتسود قيم الباطل والظلم والعدوان والاستكبار وعدم الاعتراف بالآخر، ‬يشعر المسلم بالغربة والنفور من واقع الحياة، ‬ولكن المسلم المصلح القوي ‬بانتمائه إلى دينه ‬يستثمر ذلك الشعور بالاغتراب ‬بشكل إيجابي ‬محدود، ‬حيث ‬يبادر بإصلاح نفسه، ‬والقرب من الله تعالى، ‬ويتابع واجبه في ‬إصلاح مجتمعه، ويتحمل ‬الأذى صابراً، ‬ويذلل الصعوبات التي ‬تواجهه بالتعاون والترابط ووحدة الصف راجياً ‬الأجر طالباً ‬رضى الله تعالى والفوز في ‬الدنيا والآخرة.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ويفسّر البعض الآخر الذين لا ‬يراعون فقه الواقع الغربة بالجمود والانعزال، ‬درءاً ‬للمفاسد من الاختلاط بالمجتمع، ‬مما ‬يؤدي ‬بهم إلى الانفصال عن الواقع، ‬ويفقدهم الهدف والقدرة على التأثير والإصلاح وذلك هو الاغتراب ‬السلبي ‬المذموم. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

إن الدخول في ‬هذا الموضوع ‬يتطلب التعرف بدور المسلم الذي ‬يشعر بالاغتراب الديني ‬في ‬العصر الحاضر وتفاعله مع الواقع واحتوائه للمستجدات وفق المنهج الإسلامي ‬الحضاري ‬والتعرف بدور المؤسسات التربوية الإسلامية في ‬تكوين وتمكين ثقافة الانتماء لديه. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

من أبرز الأسباب التي أدت إلى انتشار واستفحال التنظيمات المتطرفة والمتعصبة وتسمين منابعها وتقوية شوكتها في العالم العربي بوجه خاص، هو افتقاد الشعوب لثقتها في أنظمتها السياسية، والثقة في المؤسسات الحكومية التي تدير شؤون المواطنين وحياتهم اليومية، الثقة في المسؤولين القائمين على تلك المؤسسات الرسمية، الثقة في الدستور والقوانين المنبثقة عنه والتي يفترض أن توجه سلوك الناس إلى ما فيه خير الوطن والمواطن بعدالة ودون استثناء

وتمييز بين حاكم ومحكوم، او بين غني وفقير، وما إلى ذلك، وكذلك الثقة في الخطط والمرئيات والتوجهات الرسمية التي تحرك عجلة التنمية والبناء والتقدم وتدفع الحاضر القائم إلى مستقبل مزدهر بكل قوة واطمئنان، الثقة في الواقع السياسي ككل، كل ذلك وغيره يدور فيما يطلق عليه او يسمى اصطلاحا بالثقة السياسية والتي ترتبط من جانبها بما يمكن أن نطلق عليه بالحكم الرشيد او المستنير.

بشكل عام تؤكد الكثير من الدراسات والبحوث واستطلاعات الرأي الدولية منها والإقليمية بان عودة التيارات والاتجاهات الدينية في العالمين العربي والغربي كانت نتيجة مباشرة لانهيار الأيديولوجيات العلمانية التي أظهرت الأيديولوجيات الدينية من جديد في أواخر القرن العشرين، لكي تؤدي دورا رئيسيا في الصراعات الدولية في بدايات القرن 21، لان شرعية الايدولوجيا تنبع من استجابة العقل إلى حاجات أخرى غير الحاجات العلمية والتقنية، لذلك نرى الناس يعملون على إحياء الجذور الدينية للحصول على دواء لمشاكلهم التي لا تستطيع الدولة القيام بأي شيء تجاهها، وفي الأحوال كافة

كما يقول مكيافيللي: فان احترام العبادة السماوية يكون مصدر العظمة للجمهوريات، وان إهمالها يؤدي الى تدهورها وخرابها، لأنه حيث يوجد الافتقار إلى الخوف من الله، تكون المملكة إما قد أصابها الخراب او سيطر عليها الخوف من الأمير، وهو خوف يستعاض به عن الدين.
وبمعنى آخر – نجح مفكرو ومخططو تلك التيارات وحركات الإسلام السياسي او التنظيمات المتعصبة لفكرة التشدد والغلو والتعصب الديني في فهم نقطة ضعف النفسية الجماهيرية والاجتماعية العربية نحو تزايد رصيد الكراهية والحنق تجاه أساليب إدارة الحكم والثروات لتلك الأنظمة السياسية العربية التي لا زالت تنظر إليها الجماهير الغاضبة على أنها أنظمة قمعية وعميلة للغرب والاستعمار، ولا هم لها سوى ملئ بطون وجيوب أتباعها ورعاياها، حتى وان كان ذلك على حساب الشعب وقوته ومستقبله.

فكانت تلك النقطة مدخل أيديولوجي استطاعت تلك التيارات والأحزاب من استغلاله والعزف على وتره مع بعض اللمسات العاطفية والدينية لسحب البساط من تحت تلك الأنظمة القائمة، (وغالبا ما تقبل أيديولوجيا معينة بسبب عناصر نظرية خاصة تفضي الى مصالحها، -
وليس بالضرورة على عناصر أصيلة فيها، وإنما قد ينبثق ذلك الاختيار من مواجهة عرضية ولحظية -فحين تكافح مجموعة فلاحيه فقيرة مثلا ضد مجموعة حضرية استعبدتها ماليا، فقد تتجمع حول عقيدة دينية ترفع من قيم الحياة الزراعية وتلعن الاقتصاد النقدي ونظامه الائتماني بوصفه غير أخلاقي)

نستطيع أن نؤكد وبما لا يدع مجالا للشك بان من أخطر التحديات التي تواجهنا اليوم في طريق احتواء ظاهرة الإرهاب والتطرف والانضمام لتلك التنظيمات التي تعمل ليل نهار على تقويض الأمن والاستقرار في العالم، والتي نجحت في استقطاب العديد من الشباب حول العالم إليها هو المعالجات الأمنية والسياسية الخاطئة لاحتوائها،

فمن الملاحظ أن المعالجة التي بدأت توجه لظاهرة الإرهاب ـ في السنوات الأخيرة على وجه التحديد ـ هي معالجات سياسية وأمنية أساسا، واخشي أن تظل تدور في هذا الإطار الذي لن ينجح وحده في حل مشكلة جوانبها القانونية والاجتماعية والدينية، ومن ثم يجب استخدام الفكر والعقل والفن القانوني في المواجهة).

وعليه ومن منطلق هذه التحديات الناتجة عن امتداد منهجية والية البحث عن حلول منطقية لهذه الظاهرة إلى ما هو ابعد من اشكالياتها الخارجية والواضحة، فإننا نوجه عناية القائمين على صياغة القوانين وسياسات العمل في هذا الإطار، على مراعاة بعض العوامل الخفية والمهمة الناتجة عن تحديات منهجية البحث الجاد، كوجود بعض الاعتبارات العملية والعلمية والعوامل المهمة والرئيسية الموجهة والمحفزة لهذا الوباء،

كالعامل النفسي والاجتماعي والديني، وأخذها بعين الاعتبار عند وضع تلك القوانين والسياسات الإقليمية والمشاركات الدولية في إطار التعاون الدولي للحد من انتشار واستفحال هذه الظاهرة وهذا الوباء الفتاك في بيئتنا الإقليمية والدولية.

فعلا لا مكانة وسطي بين التشبث بفكرة صناعة اعداء اي خلق الاجواء المهددة التي تجعل العالم متمسكا بخدمة اطماع الامبريالية التوسعية او من اجل احكام القبضة على الشعوب في الداخل، وبين الرغبة الملحة في الحصول على استراتيجية اجتماعية ثقافية تتميز بالموضوعية والعقلانية فارغة من اية خلفيات توسعية او استبدادية.

من شأنها ان تقوي الثقة بين الدول والمجتمع الدولي تم بين الشعوب ونظمها السياسية لتنتقل بين الفرد والمجتمع حيث توفره على حقوقه تبعده كل البعد على كل انواع التطرف والسخط على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية

ولقد انتهج الشباب العربي عدد من المناهج والطرق المؤلمة للخروج من تلك الحالة من الاغتراب الوطني، فمثلت الهجرة أولى الطرق لذلك، مما أفقد أوطاننا العربية العديد من العقول والأدمغة التي استفاد منها الغرب وكان أولى بأوطانها أن تستفيد منها ومن علمها، أما الشكل الثاني فقد اتخذ حالة من العنف السياسي والعسكري المنظم، مدعوما من الخارج بالمال والأفكار المستوردة والخارجة عن تعاليم الدين الإسلامي،

وكذلك من خلال الانضمام إلى التنظيمات المتطرفة والمتعصبة والإرهابية، وليس اصدق على ذلك من التفجيرات والمواجهات المسلحة مع الأنظمة في العديد من الدول العربية، -وباختصار فان حالة الإحباط التي يعيشها الشباب العربي على الصعيد السياسي والاقتصادي نشطت حالة العنف لديهم، فتبلورت في العقل الجمعي بصفة عامة وفي عقل الشباب العربي على وجه الخصوص وباعتبارها أفضل السبل لنيل الحقوق وأفضل الطرق لحل الكثير من القضايا وتلبية العديد من المتطلبات المعيشية.

عليه يمكننا وباختصار شديد أن نؤكد على أن الثقة السياسية بمختلف جوانبها وتوجهاتها، هي اليوم وكانت بالأمس وستبقى من أبرز عوامل استمرار الأمن والاستقرار والطمأنينة في أي وطن، واهم ركائز التنمية والديمقراطية والوفاق بين أطراف الإنتاج والعمل الوطني في أمة، وكل ذلك بالطبع يدور في إطار تحقيق ما أطلقنا عليه بالدولة المطمئنة في زمن الفوضى والاضطرابات والصراعات وفقدان المناعة الوطنية ضد كل أشكال الاختراقات الخارجية،

وعلى رأسها بث روح التعصب والتطرف بين المواطنين ضد أنظمتهم السياسية وحكوماتهم، وحتى ضد بعضهم البعض، حيث اللجوء للانتقام السياسي او العسكري، ومحاولة تدمير تلك الأنظمة والحكومات التي لم تستطع توطيد تلك العلاقة الحتمية مع مواطنيها، وما بد أبدا لأي نظام سياسي مستنير وحكومة واعية من وضع الثقة السياسية على قمة الأولويات التي تصب في إطار بناء الدولة الآمنة المستقرة المطمئنة، واحتواء الأفكار القائمة على التعصب وأشكال العنف والتطرف السياسي.

حيث يعد ضعف الاقتصاد جانب مهم للغاية في تنمية العنف في المجتمع، وهو ما يؤكده هارولد لاسكي في كتابه – الحرية في الدول الحديثة – في قوله: (انه حين يبدأ اقتصاد المجتمع بالانكماش، حينئذ تكون الحرية في خطر، فالتقلصات الاقتصادية دائما تعني الخوف، والخوف يولد الشك باستمرار، -وهو ما يجعل أفراد المجتمع-أكثر استعدادا للسماع الى أصوات الجديدة، وأنهم في الغالب يطالبون بتغييرات جديدة، وفي هذه الحالة لا تستطيع الدولة الاحتفاظ بسلطتها لذلك تلجا إما الى القمع الداخلي او الحرب مع الدول الأخرى).

هكذا نفهم أن (هناك علاقة تناسب عكسية بين التنمية الاقتصادية والعنف، -أي – كلما تزايدت مظاهر الإصلاح الاقتصادي، انحسرت مظاهر العنف السياسي ومعدلاته، -بمعنى – ان العنف ينخفض في النظم السياسية التي تعتمد الحداثة والإصلاح نظرا لوجود مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية وسيطة تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتضبط ظاهرة الحراك الاجتماعي، فالحركات السياسية الكبرى كالشيوعية والفاشية

كما يقول ذلك – كارل بولانيي – نبعت جزئيا من ردود الفعل الشعبية على حالات انعدام المساواة التي رافقت حرية العمل التجاري، والذي هو كذلك بسبب عدم تدخل سلطة الدولة واضطلاعها بمسؤولية المساعدة والمشاركة وليس السيطرة والتحكم والتسلط في حل تناقضاته الداخلية وتحدياته النابعة من ضربات العولمة العابرة للقارات والحدود، فليس من الممكن تسويغ كل التدخلات الحكومية في الاقتصاد تحت عنوان النزعة المؤسسية، ورؤية أن المجتمع المدني لا يمكن أن يتحقق إلا عبر الدولة كما أراه شخصيا.

خلاصة الأمر: بأنه وحيثما حاز مجتمع ما اقتصادا قويا ومتوسعا، شعر الناس فيه بالأمن وبإحساس بالرفاهية والرحابة وتوفر فرص العمل وإمكانية التطور والتقدم إلى الأمام، وسيكون هذا المجتمع واثقا من نفسه، فهو مجتمع لا يسيطر الشك على أفراده، فالاقتصاد القوي يجعل الناس يحسون بان الأمل موجود أمامهم، وأتصور أن الأمل هو شرط حيوي ومحفز قوي يدفع الناس لاحترام القانون،

أما حين يفقد الأمل فان الشك يبدأ بالتغلغل إلى النفوس والأفكار، وحيث يتواجد الشك ينتشر الخوف، وبكل تأكيد فان الخوف والشعور بالقلق من الناحية الاقتصادية من أهم أسباب التحايل على القوانين والسعي لاختراقها، فالفرد منا حين يشعر بأنه مهدد من الناحية المادية والمعيشية يبدأ بالبحث عن وسائل أخرى للوصول إلى هدفه الذي حالت الظروف الاقتصادية او بعض القوانين دون الوصول إليه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى