صور العنف ضد المرأة
التحرش الجنسي جزء من العنف ضد المرأة، تجرمه كثير من التشريعات الأجنبية سواء كان لفظياً أو بدنياً بنصوص صريحة وعقوبات رادعة. وتنتشر ظاهرة التحرش الجنسي في مصر على نحو يدعو إلى القلق، ولا تفلح نصوص القانون في ردع من يمارسون هذا السلوك، بل إن البعض يجتهد في إيجاد مبررات لشيوع هذه الظاهرة من سلوك الفتاة أو ملبسها أو مظهرها العام. ولهؤلاء نقول إن التحرش لا يستثنى أحداً، فالفتاة المحجبة مثل المنتقبة، والصغيرة مثل الكبيرة، والمتزوجة مثل غير المتزوجة، والمصرية مثل الأجنبية، والمسلمة مثل غير المسلمة.
وحتى إذا سلمنا بأن مظهر الفتاة في بعض الأحيان لا يكون مناسباً، فعلاج ذلك لا يكون عن طريق التحرش بها، فالقول بذلك يحول التحرش من سلوك غير اجتماعي مجرم إلى عقوبة يطبقها المتحرش دون سند من القانون.
ولا يوجد نص في القانون المصري يستعمل صراحة تعبير التحرش الجنسي، لكن توجد عدة نصوص في قانون العقوبات المصري يمكن أن تطال بالعقاب أغلب صور التحرش، نذكر منها:
أ- النصوص الخاصة بهتك العرض: عندما يأخذ التحرش صورة المساس بجزء من جسم المجني عليها يعد من العورات، وهنا تكون الجريمة جناية (م 268، 269 من قانون العقوبات).
– النصوص الخاصة بجريمة السب العلني: عندما يتمثل التحرش في ألفاظ تخل بحياء المجني عليها (م306 من قانون العقوبات). ويعتبر من قبيل الأمور الخادشة للحياء اقتفاء أثر السيدات في الطرق العامة وتوجيه عبارات الغزل إليهن، سواء كان ذلك يتضمن مدحاً لهن أو حثاً على سلوك مخل بالحياء.
ﺠ- النصوص الخاصة بالفعل الفاضح العلني المخل بالحياء (م 278ع): فالفعل المخل بالحياء هو الذي يخدش في المجني عليه حياء العين والأذن، سواء وقع الفعل على جسم الغير أو على جسم المجني عليه، مثال ذلك تقبيل امرأة على وجنتيها علناً، أو الإمساك بيدها، أو ذراعها، أو وضع المتهم يده على خدها أو لمس شعرها.
د- التعرض لشخص على وجه يخدش الحياء: هذا سلوك تعاقب عليه المادة 306 مكرراً (أ) من قانون العقوبات، وتشدد العقاب في حالة العود. هذا النص يشمل التعرض للأنثى أو ما يطلق عليه التحرش الجنسي بالفتيات. وقد عدل هذا النص بالمرسوم بقانون رقم 11 لسنة 2011 ليشمل التعرض للذكور والإناث وليشدد العقاب على هذا الفعل. ومع ذلك نرى ضرورة إفراد التحرش بالنساء بنص خاص يستعمل لفظ “التحرش” أو تعديل النص الحالي ليعاقب “كل من تعرض لأنثى أو تحرش بها على وجه يخدش حياءها بالقول أو بالفعل… الخ”([2]).
ونشير في الختام إلى أهمية وضرورة الوقاية من التحرش الجنسي عن طريق التوعية الدينية وفي مناهج التعليم، وكذلك توعية رجال الشرطة بكيفية التعامل مع الفتاة التي تلجأ إلى أقسام الشرطة للإبلاغ عن واقعة تحرش جنسي تعرضت لها كي لا تكون موضوعاً للسخرية أو الإهمال. ولا ننسي دور التربية الأسرية للشباب لحثهم على حماية كرامة الفتيات وعدم التعرض لهن وتدعيم ثقافة المساواة وتعميق قيمة الاحترام المتبادل بين الجنسين.
العنف الأسري:
العنف الأسري جزء من ظاهرة العنف ضد المرأة، يشمل العنف البدني والجنسي والنفسي والاقتصادي الذي يحدث في إطار الأسرة من بعض أفرادها الذين لهم سلطة أو ولاية أو علاقة بالمجني عليها. والغالب أن تكون المرأة ضحية العنف الذي يمارسه الزوج أو الأب أو الأبناء أو الأقارب.
والعنف الأسري ضد المرأة لا يقتصر على فئة معينة، ولا على طبقة اجتماعية دون سواها، ويشمل العنف الأسري المرأة المتعلمة وغير المتعلمة، العاملة وغير العاملة. كما أن العنف الأسري ضد المرأة لا علاقة له بالدين، فالدين لا يمكن أن يبرر أي صورة من صور العنف.
ويتخذ العنف الأسري أشكالاً مختلفة منها:
أ – إساءة معاملة المرأة ومحاولة السيطرة عليها وتهديدها الدائم بالاعتداء عليها.
ب- الإساءة البدنية بالضرب أو الجرح أو إحداث الإصابات بها بأي صورة مثل ختان الإناث.
ج- الإساءة الجنسية التي تتمثل في المساس بحصانة جسمها عن طريق الاغتصاب وهتك العرض والتحرش الجنسي.
د- الإساءة النفسية أو العنف النفسي الذي يهدف إلى إذلال المرأة وإهانتها وزعزعة ثقتها بنفسها.
هـ – الإساءة الاقتصادية بحرمان المرأة من حقوقها المالية عن طريق السيطرة على موارد الأسرة أو حرمان المرأة من الميراث في بعض الأوساط الاجتماعية.
ويعاقب القانون على غالبية صور العنف الأسري في نصوص متفرقة. لكن هناك بعض أشكال العنف الأسري التي لا تشملها نصوص القانون صراحة، مثال ذلك:
أ- حرمان المرأة من الميراث، ويقتضي تدخلاً تشريعياً لتعديل قانون المواريث بإضافة مادة جديدة تعاقب من يحرم أحد الورثة الشرعيين ذكراً كان أو أنثى من حقه الشرعي في الميراث.
ب- ضرب الزوجات ضرباً مبرحاً يحدث بهن إصابات شديدة تحت ستار حق التأديب الذي يمارسه الزوج ضد زوجته. وقد رأينا أن القانون المصري لا يخرج ضرب الزوجة من مجال التجريم، لكن الأمر يحتاج إلى توضيح.
3- ضرب الأطفال الذي يدخله البعض في نطاق حق التأديب المقرر للأب، وقد تحدث فيه تجاوزات تصل إلى حد إحداث الوفاة أو إصابات جسيمة.
4- ختان الإناث وقد رأينا أن القانون لا يجرمه بنص صريح ويحتاج إلى تدخل تشريعي قد يكون صعباً في الظروف الراهنة. ويجب أن يشمل التجريم ولي أمر الفتاة الذي يوافق على إجراء الختان باعتباره شريكاً بالإنفاق في هذه الجريمة. كما يشمل العقاب كل من حرض علناً على ختان الأنثى.
5- إجبار الفتيات على الزواج المبكر، وهو سلوك يرتكبه أفراد الأسرة لا يعاقب عليه القانون صراحة.
6- اغتصاب الزوجة، ويدخل في نطاق جناية الاغتصاب في قانون العقوبات المصري، لأن نصوص الاغتصاب تعاقب “من واقع أنثي بغير رضاها” دون تمييز بحسب علاقة الذكر بالأنثى. وبناء عليه يشمل النص في صياغته الراهنة اغتصاب الزوج لزوجته إذا واقعها بغير رضاها الحر، لعدم التفرقة بين المعاشرة الجنسية القسرية التي تقع على الزوجة من زوجها أو الممارسة الجنسية القسرية التي تقع من الرجل على امرأة غير زوجته. وقد يرى البعض أن هناك آراء في الفقه الإسلامي تجيز للزوج مواقعة زوجته من دون رضاها، لكن القانون لم يأخذ بهذه الآراء عندما صاغ المادة 267 من قانون العقوبات. ولو أن المشرع أراد تبني هذه الآراء لكان النص قد عكس ذلك بقوله ” من واقع أنثى عدا زوجته بغير رضاها يعاقب …”، لكنه لم يفعل ذلك مما يدل على اتجاه القانون إلى اعتبار إتيان الزوجة كرها عنها جريمة اغتصاب، وهو ما يتفق مع إنسانية المرأة وكرامتها ويحترم حقوقها الإنسانية.
وتعاقب بعض القوانين صراحة على هذا الفعل عندما تعتبر المعاشرة الزوجية بالإكراه من صور العنف الأسري المعاقب عليه بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن مليون دينار ولا تزيد على خمسة ملايين دينار أو إحدى هاتين العقوبتين (مادتان 2، 7 من قانون مناهضة العنف الأسري في إقليم كردستان – العراق رقم 8 لسنة 2011).
([1]) هذا التمييز يخالف أيضاً مبدأ المساواة المقرر في الدستور، ومؤداه أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم بسبب “الجنس”.
([2]) أوصى المجلس القومي لحقوق الإنسان في تقريره حول المراجعة الدورية الشاملة لحماية حقوق الإنسان في الفترة من 2006 – 2009، والمقدم إلى المجلس الدولي لحقوق الإنسان بجنيف، بضرورة الإسراع بإصدار تعديل قانون العقوبات المتعلق بالعنف ضد المرأة بما في ذلك التحرش الجنسي وجرائم الشرف