الأحد ٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٨
بقلم عادل عامر

الإسلام والقانون الدولي الإنساني

أن الإسلام قرر أحكاما وقواعدا لما بات يعرف في العصر الحديث بالقانون الدولي الإنساني وإنه سبق الاتفاقيات الدولية التي أرست قواعد وأحكام هذا القانون بمئات السنين ذلك لأن المسلمين عرفوا هذه الأحكام منذ نشأة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة في أعقاب هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم اليها، وطبقوها في العصور المختلفة للدولة الإسلامية بدءا من غزوة بدر الكبرى التي خاضها المسلمون بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم ضد مشركي مكة حيث تمت معاملة أسرى الحرب معاملة عزّ نظيرها في ذلك الزمن وقد سار الخلفاء والقادة على نهج الرسول في كافة المعارك والحروب

وإن المتتبع لدور الإسلام في هذا المجال يجد بأنه قد وضع تشريعا شموليا ينظم كل ما يتعلق بموضوعات هذا القانون ومضامينه المختلفة. حيث إنه وضع أحكاما تتعلق بحماية الأشخاص في الحرب مدنيين كانوا أم عسكريين وأحكاما أخرى لحماية الممتلكات والأعيان المختلفة وأخرى تتعلق بالأسلحة ووسائل القتال التي يجوز أو لا يجوز استخدامها، بل إن نطاق حمايته تعدى ليشمل البيئة والحيوانات.

وإن من أهم ما يميز هذا التشريع أنه مستقى من القرآن والسنة وسائر مصادر التشريع الإسلامي بمعنى أن القادة المسلمين كانوا ملزمين بتطبيق أحكام هذا التشريع التزاما بأوامر الله سبحانه وتعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم وإنه يسجل للإسلام سبقا تاريخيا في هذا المضمار من غير الجائز تجاوزه أو تجاهله من قبل الباحثين والمهتمين بالقانون الدولي الإنساني كونه(أي الإسلام) هو المصدر الأول لهذا القانون، وإن ما يعرف باتفاقيات لاهاي وجنيف ذات العلاقة بالموضوع جاءت بتاريخ متأخر جدا إذا ما قورنت بأحكام الإسلام الأمر الذي يرتب ضرورة إنصاف الإسلام وإعطائه الدور الذي يستحقه.

إن ما يسمى بالقانون الدولي اليوم بشكله هذا فإنه نشأ ووجد ضد الدولة الإسلامية حين كانت تتمثل في الخلافة العثمانية، وذلك لما قامت الخلافة بغزو أوروبا وأخذت تفتح بلادهم بلداً بلداً، فاكتسحت اليونان ورومانيا وألبانيا ويوغسلافيا والمجر والنمسا حتى وقفت جياد المسلمين وارتفع صهيلها على أبواب فينا ومدافعهم تدك بابها بقوة وعزة الإسلام… فأثار كل ذلك الرعب في قلوب النصارى بأوروبا، ووجد عرف عام أن ”جيش المسلمين لا يغلب”. حتى رأى النصارى من شجاعة المسلمين وشدة فتكهم ما جعلهم يفرون من وجههم، مما سهل على المسلمين اكتساح البلاد ونشر الإسلام. فقامت الدول النصرانية بمحاوله لتكوين عائلة نصرانية من مجموع دولها للوقوف ضد الإسلام ودولته الخلافة…

فنشأ عن ذلك التجمع قواعد اصطلحوا عليها لتنظيم علاقاتهم مع بعضهم، فكان ذلك أول نشوء ما سمي بالقانون الدولي، ونشأ ما سمي “بالأسرة الدولية النصرانية” واتفقت على قواعد منها التساوي بين أفراد هذه الدول بالحقوق، ومنها أن هذه الدول تسلم للبابا الكاثوليكي بالسلطة الروحية العليا على اختلاف مذاهبها الروحية. فكانت هذه القواعد نواة القانون الدولي. يختلف الإسلام عن بقية الأديان بأنه ليس ديناً فقط، وإنما هو دين وشريعة أيضاً، وهذه الشريعة كاملة تتضمن جميع نشاطات الحياة بما فيها معاملة أبناء الشعوب الأخرى في السلم والحرب.

ومن المعلوم أنه هناك ثلاثة مصادر أساسية للشريعة الإسلامية وهي: القرآن الكريم، والسنة المطهرة، والاجتهاد، وهذه المصادر الثلاثة هي مصادر (شريعة الحرب في الإسلام) التي ساهمت في تكوين ما يسمى اليوم (القانون الدولي الإنساني): فالقرآن الكريم مثلاً نص على كثير من القواعد التي تعلق بمعاملة أبناء الشعوب الأخرى في السلم والحرب فكان ذلك بمثابة " الدستور "، وجاء الحديث الشريف مفسراً ومكملاً لما ورد في القرآن فكان ذلك بمثابة " القواعد القانونية " ثم جاء الاجتهاد الفقهي – ومنه وصايا الخلفاء الراشدين – فشكل ما يمكن تسميته (آداب الحرب عند العرب المسلمين).

نجد أن بعض المجتمعات أكثر مسالمة من غيرها، وبعضها الآخر أكثر عدوانية بالمقابل، وذلك حسب العقلية الاجتماعية للأمة. ويمكن في هذا المجال أن نذكر مثلا أن المجتمع الصيني قد اخترع البارود منذ القرن السابع للميلاد، لكنه اقتصر في استخدامه على الأسهم والألعاب النارية، ولم يستخدمه كسلاح متفجر أبداً، لأن الثقافة الصينية المتأثرة بمبادئ الكونفوشيوسية كانت تمنع اللجوء إلى القتل،

وظل الأمر كذلك إلى أن انتقل سر البارود إلى أوروبا، عن طريق الرحالة الإيطالي المعروف ماركو بولو، حيث تم استخدام البارود كسلاح متفجر في المدافع والبنادق منذ أوائل القرن الرابع عشر. وإذا انتقلنا إلى مجال الحضارة والثقافة الإسلامية فإننا نجد منظومات ثقافية رائعة تكرس قواعد القانون الدولي الإنساني قبل أن يكرسها القانون الوضعي بمئات السنين، ومن ذلك احترام إنسانية الإنسان، ومنع الغدر، والوفاء بالعهد والرفق بالأسرى....

وإذا شرعت المعاهدات فإِنها تتنوع حسب وجهة النظر إِليها، فقد تكون مؤبَّدة كعقد الذمة، وقد تكون مؤقتة كالأمان والهدنة والموادعة، وقد تكون مطلقة عن الوقت في هذه العقود نفسها. ومن حيث موضوعها: قد تكون معاهدات لوضع الحرب كالهدنة، وقد تتعلق بأمور التجارة ونحوها. ومن جهة مَنْ تُعْقَد معهم: قد تكون ثنائية وقد يتعدد أطرافها فينضم إِلى أحد الطرفين من يدخل في عهده كما في صلح الحديبية. ومن ناحية أخرى: قد تكون مع المشركين وقد تكون مع المرتدِّين ومع البُغَاة من المسلمين. ولكلِّ منها أحكام تخصُّها

فالدول النامية كانت ترى انه لا معنى لوجود قواعد القانون الدولي التقليدي، ما لم يكن لهذه الدول الحق في فرض سيادتها على ثرواتها الطبيعية حيث أرتبط مفهوم مبدأ سيادة الدولة من وجهة النظر التاريخية بظهور الدولة الحديثة فبعد أن كان الاتجاه القديم يرى أن للدولة سيادة مطلقة، ولا يقيدها في ذلك إلا إرادتها،

استقر الفقه التقليدي على أن سيادة الدولة مقيدة بما تفرضه قواعد القانون الدولي العام من التزامات تعلو على إرادة الدول، غير أن غالبية الفقه الحديث يتمسك بمفهوم السيادة كركيزة أساسية لحماية مصالح الدول، ولضمان ممارستها لسيادتها الدائمة على مواردها وثرواتها الطبيعية، والتي تعود ملكيتها للدولة صاحبة الإقليم، تستعملها بكل حرية بما يتلاءم مع مصالحها ومتطلبات تنميتها،

فسيادة الدولة على مواردها وثرواتها الطبيعية تستند على مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعلى مبدأ التساوي في السيادة بين جميع الدول، ولكل الدول وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة، وما تقره قواعد القانون الدولي العام وذلك تجسيدا لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي، وحقها في التأميم ومراقبة الأشخاص الأجانب الموجودين على إقليميها، في حين كانت ترى الدول المصدرة لرؤوس الأموال بأن القانون الدولي يمنح للأجانب حق التمتع بالحد الأدنى من الحماية الدولية لا يجوز للدولة المضيفة تجاهله.

وفي خضم المواقف المتعارضة واتسام الوضع الدولي بالتعقيد كان لابد من ضرورة وضع قواعد دولية جديدة يتم من خلالها وضع حدود لحرية وسلوك ونشاط الشركات المتعددة الجنسيات، خاصة وإن القانون الدولي قد شهد صراعات بين البلدان المستقبلة للاستثمار و المستثمرين الرامين إلى وضع حدود لحرية البلدان المستقبلة للرأسماليين. وسعيا نحو محاولة التوفيق بين المصالح المتضاربة،

بدا من الضروري التفكير في إيجاد نظام دولي شامل وموحد لتنظيم الاستثمارات الأجنبية، حيث ظهرت جهود المجتمع الدولي سواء على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي في إطار ما يعرف ب”محور الجهود الجماعية الدولية”، وذلك للبحث عن آليات دولية فعالة يتم بموجبها وضع إطار دولي عادل ومتوازن لضبط سلوك الشركات المتعددة الجنسيات من جهة وحماية المصالح المشتركة من جهة أخرى.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى