أنامل السياسة تحرك جائزة نوبل
لبنى محمود ياسين كاتبة سورية صقلت موهبتها بكثرة القراءة ، وتمكنت من إيجاد فضاء خاص بها بين الأديبات العربيات وزادتها تجربتها الإعلامية بالسعودية نضجا واطلاعا .. هي كاتبة لم تتوقف يوما عن القراءة والكتابة والتواصل مع الآخرين .. ولم تقل كان أبي .. بل تقول في هذا الحوار ها أنا ذا .....
– س1 : قبل البدء .. هناك سؤال يفرض نفسه : لماذا هذا التحامل على قصص لبنى ياسين من قِبل وزارة في حكومة عربية أدى إلى فصل مفتش اللغة العربية عن عمله .. مع أننا قرأنا أعمالك الأدبية ولم نجد فيها ما يخدش الحياء؟
– لبنى ياسين : الحقيقة أن التحامل لم يكن على قصصي عامة ، إنما هي قصة واحدة نالت شرف القذف غير المبرر، وهي قصة (خواطر) التي اختارها المفتش المذكور لامتحانات الأول الثانوي، القصة تتناول خواطر رجل عجوز وهو يشاهد فيديو كليب ويقارن بين الفتيات وبين زوجته، وتنتهي بتشنج عضلات ظهره عندما يحاول الاندفاع قائماً للرد على الهاتف، لتقول له زوجته (لماذا لا تلتزم بنصائح الطبيب وتتحرك رويدا فأنت لم تعد ابن عشرين سنة بل تجاوزت الستين؟)، وكما ترى المغزى من القصة أخلاقي لا غبار عليه، إلا أنهم على طريقة (لا تقربوا الصلاة) اجتزؤوا المقاطع التي أصف بها فتيات الفيديو كليب اللواتي "يتراقصن بغلالات شفافة"، وهو الوصف الحرفي الذي ورد في القصة، وكأن الأمر سر ولا يشاهده الصغير والكبير على الشاشات العربية ليلا نهارا، ومع ذلك فكما قرأت أن المفتش قد حذف العبارات التي لا تتناسب مع الفئة العمرية، مما جعل الأمر برمته غير منطقي، فالاعتراض لمجرد ذكر فتيات الفيديو كليب ليس منطقيا، خاصة وان الفيديو كليب موجه خصوصا لمن هم في مثل هذا العمر. ما أغضبني فعلا أن الجريدة لم تكن بالمستوى المطلوب من الشفافية، فلا هي وضعت القصة ليقرأها القارئ ويحكم بنفسه، ولا كانت موضوعية في الوصف بحيث تقول أن القصة غير مناسبة للمرحلة العمرية المستهدفة من الامتحان- وهو رأيي- لأن فترة الكهولة وأحداثها لا تمت إلى المراهقين بصلة، وليست من ضمن اهتماماتهم، لكنها أخلاقية وتحمل ما تحمل من القيم،إنما اكتفت بوصف القصة بـ(اللا أخلاقية والخادشة للحياء) وهو ما لا ينطبق فعليا على القصة، وقد فوجئت أول مرة بالموضوع عن طريق الصدفة حين أرسلت صديقة رابط المقال لي، ثم فوجئت به ثانية وقد أعيد طرحه كمدخل لقصة أخرى عن "شجرة الدر" يصفونها بأنها تخدش الحياء أيضا، وما زلت حتى اللحظة أنتظر اعتذارا أدبيا من القائمين على الجريدة, ولو أنني لا أظن أن ذلك سوف يحدث، فنحن- في بلادنا العربية- لم نعتد على احترام الإنسان مهما كانت صفته إلا من منطلق الخوف.
– س2 : مرة أخرى يفشل الأدباء العرب في انتزاع جائزة نوبل للآداب .. فهل معنى ذلك أن نجيب محفوظ هو الأديب العربي الوحيد الذي يستحق لقب العالمية؟
– لبنى ياسين : لا أحد ينكر تميز نجيب محفوظ ورواياته التي تتخاطفها الأيدي منذ كنا صغارا، لكن هذا لا يعني أنه ليس هناك من العرب من يستحق جائزة نوبل بعده، إلا أن اختيار أسماء الأدباء لا يخضع فقط ـ كما تعلم ـ لمعيار النبوغ والإبداع، فالنبوغ والإبداع أحد المعايير التي يتم على أساسها غربلة الأعمال المرشحة، لكن هناك أيضا أنامل السياسة التي تعبث حتى برغيف الخبز، فما بالك بجائزة في حجم جائزة نوبل وأهميتها على جميع الأصعدة، والدول العربية- كما تعلم- من فئة (المغضوب عليهم)، ولا أظن بعد هذا أن هناك ما يقال . أضف إلى ذلك قصور حركة الترجمة وخاصة من العربية إلى اللغات الأجنبية، فالترجمة حتى الآن تقوم على جهود الكتاب والمترجمين الخاصة.
– س3 : تحول كثير من الأدباء من كتابة القصة إلى كتابة الرواية .. فهل الرواية أكثر تعبيرا من القصة ؟ أم أن خيوط الرواية تُنسج بسهولة مقارنة بالقصة؟
– لبنى ياسين: لا أرى من زاويتي أن هناك مقارنة بين القصة والرواية، فأنت تعلم أن لكل منهما شروط مختلفة ونسيج متباين وخيوط لا تلتقي، لكن هاجس الكلمة يتخطى وجدان الكاتب ليورطه بأكثر من نوع أدبي، فهناك من كتب الشعر والقصة معاً، أو الرواية والشعر في آن واحد، الهاجس واحد وهو الكلمة، وإن اختلف رسمه ولونه وعدد كلماته على الورق.
– س4 : يشهد النشر الإلكتروني تزايدا كبيرا ، فهل النشر الورقي في طريقه إلى الزوال؟
– لبنى ياسين : سأتحدث عن نفسي هنا، بالرغم من أن النشر الالكتروني أكثر وصولا واتساعا، ويتميز بسهولة الحصول على الإصدارات المطلوبة وتقريبا بلا ثمن يذكر، إلا أنني لا زلت أجد متعة القراءة في كتاب لا تضاهيها مهما حدث القراءة على الشاشة، وقد لا تصدق أنني بعد أن أنهيت قراءة إحدى الروايات على الكمبيوتر قمت بشراء الرواية لأنني لم أشعر بمتعة القراءة، الكتاب أكثر حميمية بالنسبة لي، أسطر تحت العبارات التي تعجبني، وأكتب تعليقا هنا وآخر هناك، أضمه وأشم رائحة الورق وأتصفحه بمتعة، وأعود إليه كلما أردت، لا أصدق أن بإمكان النشر الالكتروني أن يحل محل النشر الورقي، وإن حدث فأرجو ألا يكون في حياتي.
– س5 : بين تجربة الكتابة في سوريا ، وتجربة الكتابة في السعودية .. كيف تقيم لبنى ياسين التجربتين ؟
لبنى ياسين : أستطيع أن أقول أن سوريا تتميز بالتواصل الثقافي والأمسيات واللقاءات الأدبية التي تجمع شرائح مختلفة من مثقفيها، وتعطي للتواصل بين الكاتب والقارئ بعدا خاصا، يستطيع الكاتب من خلاله معرفة مدى التفاعل مع نصوصه، بينما في السعودية أظنني أختبئ وراء الكلمات، بأي حال.. للكلمات قدرة على التغلغل في كلتا الحالتين، وكما تعلم النشر الالكتروني ألغى الحدود الجغرافية ومنح الكلمات أجنحة تطير بها إلى حيث لا يخطر في بالك، فما لم يخطر في بالي مثلا أن تترجم قصصي إلى الهندية والبنغالية والكردية والرومانية والاسبانية والفرنسية والانكليزية، لم يكن الفضل في ذلك إلى جغرافية سوريا أو السعودية إنما للنشر الالكتروني والقدرة على التواصل مع الكاتب التي تتيحها التقنيات الحديثة.
– س6 : ماذا أضافت لك حياتك المهنية في السعودية ، خاصة وأنت تعملين في مجال الصحافة؟
– لبنى ياسين : رغم أنني أحب العمل الصحفي، لكنني لا أعرف أن كان فعلا قد أضاف لي شيئا ما عدا توسيع رقعة الاطلاع والمعرفة بعيدا عن دائرة اهتماماتي الخاصة، أحيانا أشعر أن الصحافة قد استهلكت مني أكثر مما أضافت لي، فالعمل الصحفي يقوم أساسا على الكتابة، أي أنه يوظف المساحات التي كنت أختزنها للقصة، لكن بأشكال مختلفة (تحقيق- مقال- تقرير)، أشعر أحيانا بعد انتهاء العمل أنني لم أعد استطيع أن أكتب، إلا أن الفكرة تفرض نفسها بعد قليل وتغريني لأخدش وجه البياض ثانية.
– س7 هل تطالع لبنى ياسين الأدب الجزائري ؟ وما هي أبرز الكتابات التي تركت فيك أثرا ، أو شدت انتباهك؟
– لبنى ياسين : لو كنت سأعتمد على النشر الورقي لما عرفت من الأدب الجزائري إلا روايات أحلام مستغانمي، فهناك فعلا تقصير في تعريف بعضنا ببعضنا الآخر، إلا أن الإنترنت أتاح لي مساحة من القراءة لم أكن أحلم بها، فتعرفت إلى كتاب رائعين من الجزائر وغيرها، فأنا أقرأ لصديقتي التي لم أرها يوما زكية علال بشغف، ذلك أن لكلماتها وقع الحزن حين يتسلل في غفلة منك إلى شغاف قلبك، أقرأ أيضا للكاتب القادري عبد الخالق، والكاتبة ياسمينة صالح، والكاتبة آسيا موسى، والكاتبة فضيلة فاروق، والعزيزة الشابة كريمة الإبراهيمي، هذا ما جادت به المواقع علي، وأنا واثقة بأن في جعبة الجزائر الكثير مما فاتني بسبب قصر حركة النشر والإعلام.
– س8 : ماذا يعني لك أن تكوني ابنة كاتب كبير؟
– لبنى ياسين: في الدرجة الأولى يعني أن يكون للكلمة معنى مختلفا في فلسفتي، أن أحترم الكتاب وأحبه وأسمح له أن ينافسني في قلب أبي، أن أقرأ كما أتنفس، يعني أيضا أن أحترم الإنسان لإنسانيته فقط وليس لسلطته أو ماله أو أي سبب آخر، قد تخبرك هذه القصة بما يعنيه أن أكون ابنة كاتب وشاعر.. عندما كنت صغيرة كان أبي يوبخني إن لم أعد كتابا إلى مكانه في المكتبات التي تملأ جدران منزلنا الصغير قائلا:"هذا الكتاب كأحد أولادي فهل أطيق أن أرى أحدكم وقد أصابه الأذى" كانت هذه الجملة تغيظني جدا، فكيف يقارنني بكتاب؟! لكنني فوجئت بنفسي وأنا أعيد نفس الجملة على مسامع ابنتي بعد أن أصبحت أما.
– س9 : في حوار سابق قال الكاتب والشاعر المصري إبراهيم سعد الدين " إن الإبداع الحقيقي هو الذي يخلد ذكرى صاحبه " فماذا تقول لبنى ياسين؟
– لبنى ياسين : نعم هو يخلد ذكرى صاحبه بعد وفاته فكما تعلم وللأسف نحن أمة لا تقرأ ولا تكرم مبدعيها إلا وهم تحت التراب، أما فوقه فهم ممتهنين من الدرجة الأولى - ما لم يمتهنوا تقبيل الأيادي- وهناك من يراقب عدد أنفاسهم ويحصي عليهم خطواتهم، فوق التراب هم مجرد مشروع قنبلة موقوتة يجب مراقبتها جيدا، وتنتهي فعاليتها بتغيير مكان إقامتهم إلى ما تحت التراب. كم هو مضحك مبك هذا الوضع.
– لك أن تقولي كلمة أخيرة نفترق عليها .. أو ربما نلتقي ..
– لبنى ياسين : أشكرك لأنك خصصتني بمساحة ألتقي بها بالقراء، وربما في لقاء لاحق تتغير أحوال بلادنا العربية ومبدعيها إلى أفضل ما يمكن لظروفنا أن تعطي.