درويش يرغب بالإنسلاخ عن أدب المقاومة
ما بين السكن في الشتات والسكينة في الوطن تتمدد أحلام الكاتبة الفلسطينية إيمان الوزير في رسم رجوع أسطوري إلى وطنها الذي لم يشهد لحظة مولدها ولا ساعة تألقها ولا ضمها يوما إلى صدره ودفء حضنه.. لا لشيء إلا لأنها من فلسطيني الشتات، ومع ذلك فهي تحمله في صدرها وتهدهد على أوجاعه بأحلامها الصغيرة والكبيرة وتكتب حبها له وأشواقها إليه في شعرها ونثرها، وفتحت من موقع أدبيات الذي تشرف عليه سفينة تغادر بها إليه مع كل غروب شمس.. تلك هي الأديبة المتميزة إيمان الوزير التي كان لنا معها هذا الحوار الذي كشفت لنا فيه عن أشاء في نفسها.
س1: ما تأثير أدب المقاومة على كتابات إيمان الوزير؟
– قد يتصور البعض أن أدب المقاومة هي أن تحمل قلمك المسدس وتصوبه نحو العدو ! أدب المقاومة هو أن تجد فلسطين ضمنا في أروقة الحرف، في الانتماء والهوية، في التصرفات الفلسطينية المعاشة بالشتات وداخل فلسطين، في التحدي المجدول ضد قوى الشر، وفي محاربة إخفاء الحقائق وإلغاء الحقوق، حتى في الحب ستجد أدب المقاومة يرسم إبداعاته موشاة بالحزن والزيتون وشقائق النعمان، على أرصفة الشتات أو داخل ضباب الوطن المخنوق بالمستوطنات، الأدب الفلسطيني يمتلك ثقافة مقاومة قادر بها على تعليم العالم بأسره لأن تاريخه وما يحدث معه يدفعه للعيش في هذا الإطار وإلا فإنه سيسلخ جلده ويبقى عاريا، وهذه فلسفتي للمقاومة ستجدها مسطّرة بين أروقة صفحاتي وقد تمر على دمعة احتراق وترى بقعة دم أو زفرة فائرة بين الكلمات وقد تجد حرفا يرتعد فلا تحزن لأن هذا هو الأدب الفلسطيني غير القابل للذوبان
س2: أنت حاملة ليسانس في التاريخ وتهتمين بالقصة، فهل توظفين الأحداث التاريخية لنسج قصصك ؟
– ربما نسجت ذلك في القصائد النثرية التي أكتبها، أما القصة فحتى هذه اللحظة لم أوظف حدثا تاريخيا في نسيجي القصصي، لأن فلسفة التاريخ تستطيع أن تلعب هذا الدور فهي المحك والمفتاح للتوظيف في القصة، من حيث الدلالة والاستقراء البعيد المدى لمكنوناتها، ربما سيكون ذلك في المستقبل القريب ولكن بعيدا عما وظفه الآخرون، إذ يقع على عاتقي عبء البحث عن نواح لم تطرز بوحا تاريخيا بقالب قصصي.
س3: تهتمين كثيرا بقضايا المرأة العربية، فكيف تنظرين لواقعها ؟
– المرأة العربية الآن تمر بمنعطفات خطيرة في واقعها الاجتماعي، مابين إعلام يمنهج التحدث عن قضاياها بصورة دائمة وواقع يهزأ منها في دواخله، في وقت تجد فيه المرأة العربية نفسها ممزقة بين الصور الإعلامية التي تراها، هذا الأمر أوقع المرأة في إشكالات عدة: إما أن تقف متحدية الفكر الذكوري المتغطرس من إمكاناتها الفكرية والذي يريدها جسدا مستباحا أو تقع فريسة لهذا الفكر أو ان تخضع لموروثات اجتماعية تبقيها خلف الجدران السميكة.
ولكي تتخطى المرأة العربية هذه المرحلة علينا إعادة النظر في أساليب التربية والتعليم وإضافة قضايا الحقوق للناشئة منذ الصغر حتى نمكن المرأة من التأهل للقيام بدور فعّال في المجتمع، فصلاحها يعني صلاح المجتمع بأسره.
س4 : يُقال أن أصعب الكتابة هي الموجهة للطفل.. فما تعليقك ؟
– لم أجرب الكتابة للأطفال، ولكن تجربتي التعليمية دفعت بي للتعامل مع الأطفال فوجدت أن توجيه المعلومة أو الفكرة لهم يتطلب طرائق خاصة لتكون في مسارها العقلي السليم، ومع الأسف أطفالنا اليوم لا يقرؤون قصصهم بل يتعايشون مع مجتمع الكبار ضمن أفلامه وحكاياته وهذا الأمر له تأثيرات سلبية على الطفل خاصة وان أدب الطفل في عالمنا العربي ضعيف ويحتاج إلى بذل الطاقات لتصحيحه وجذب الطفل نحوه.
س5: " أيقونة الشتات " هي مجموعتك القصصية الأولى والتي هي تحت الطبع.. فهل هي تأريخ لوجع الشتات ؟
– أيقونة الشتات هي أنموذج لرؤية فلسطينية من خارج فلسطين، سبرتُ أغوارها من فلسطين الحلم والحقيقة، حين يتعايش الفلسطيني مع وطن يسكن قلبه ولكن جسده بعيد عنه، في ثنايا المجموعة قصص عن الانتماء وبعض مآسي الشتات الفلسطيني، ورياح المقاومة للذوبان والبعثرة، يحاولون جعلنا هنودا حمرا لذا يجب أن نظل شوكة في حلوقهم حتى نعود، وسنعود بإذن الله، وإن لم نعد لتبق أحلامنا تداعب خيال الوطن وتعانق أشجاره وتقبل هضابه، وترسل ابتهالاتها للمسجد الأقصى المقاوم.
س6: تمتلكين (موقع أدبيات) فهل ساهم هذا الموقع الإلكتروني في دعم أدب المقاومة؟
– أدبيات موقع عربي أدبي ثقافي فكري، يعنى بنشر ثقافة عربية راقية قائمة على بناء فكر وأدب نحتاجه في الوطن العربي من خلال أطروحات أدبية، هذه الرؤية لابد أن تهتم بثقافة أدب المقاومة ودعمه وتأصيله والترويج له ليبقى خالدا في الأذهان، ولا أخفيك أنني أعاني الكثير في عملية النشر، فقد تصلني مقالات تحمل التطبيع ولا انشرها وأخرى تدعو لعرقيات وقوميات جديدة تحمل سموما غربية وأرفض نشرها لإيماني العميق بأن أدبيات موقع عربي يجب أن يجسد هذا الأمر بالأصالة الثقافية التي ينشرها، لأن الهدف من إنشاء الموقع ليس ربحيا إنما رغبة حقيقية في التعريف بثقافة عربية إنسانية راقية ، من خلال أبواب أدبيات المتعددة بدءا من ( همس الحكايات ورحيق الشمس وشقائق النعمان وصولا إلى وطن في حصار) وغيرها الكثير علما بأن أدبيات لا تهتم بقضية فلسطين وحسب بل بكافة القضايا المطروحة على الساحة العربية في العراق ولبنان والصومال، والإنسانية جمعاء، المهم أن ترقى بالفكر العربي وتصب بقالب أدبي راق بعيد عن شظايا السياسة والشللية والحزبية التي أرهقت العالم العربي.
س7: هل تمكن الأدب الفلسطيني من إيصال معاناة الشعب الفلسطيني لباقي الشعوب والأمم ؟
– المفتاح لإيصال المعاناة هو الترجمة، وهي متوقفة على جودتها في كونها أوصلت الفكرة كما أرادها الأديب، لذا أهيب عبر جريدتكم الغراء بكل اتحادات الكتاب والتجمعات الفلسطينية والعربية الاهتمام بهذا الأمر حتى تصل معاناتنا إلى كافة شعوب العالم قاطبة.
س8: ما ذا يعني لك محمود درويش وسميح القاسم؟
– محمود درويش شلال فلسطيني نجح في إيصال قضيتنا إلى العالمية، هو يمثل الشعر الفلسطيني الذي يعصف بجوانحك حين تضيق المسافات فتردد معه
يا دامي العينين والكفين إن الليل زائللا غرفة التوقيف باقةولا زرد السلاسلنيرون مات ولم تمت رومابعينيها تقاتلوحبوب سنبلة تموتفتملأ الوادي سنابل
أحبُ درويش هنا في هذه المرحلة وأعشقه أكثر حين اسمعه يردد
أيها المارون بين الكلمات العابرةمنكم السيف - ومنا دمنامنكم الفولاذ والنار- ومنا لحمنامنكم دبابة أخرى- ومنا حجرمنكم قنبلة الغاز - ومنا المطروعلينا ما عليكم من سماء وهواءفخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا
هذا درويش الذي أحبه، لكن درويش الذي حملته الأكف الفلسطينية عاليا بات يبحث عن العالمية ملقيا وراء ظهره أن الجرح الفلسطيني هو من أوصله إلى هذه المرحلة، يرغب الآن بالانسلاخ عن قصائد المقاومة، بل وعبر عن ذلك في حوارات له بأن الأمر لو بيده لأحرق الكثير مما كتبه في البدايات، وهذه البدايات هي الأغنية الفلسطينية التي يرددها الكبار والصغار وهي النسيج الوجداني الذي يربط بين فلسطين وأبنائها في زمن الضباب المعاش فلا يحق لدرويش الإدلاء بتصريحات تزيد من تمزق الشعب الفلسطيني وترفع درجة معاناته الثقافية لأن صاحبه يمثل الكثير للفكر والثقافة الفلسطينية
أما سميح القاسم فهو النصل الفلسطيني المقاوم لمائير كهانا وحزبه الذين يرون في عرب 48 شوكة في عيونهم، هو الذي حكا للعالم عن معاناة شعبنا في الأراضي التي سقطت سنة 1948 وهو الذي حمل على عاتقه مع توفيق زياد واميل حبيبي الإبقاء على الهوية الفلسطينية واللغة العربية والانتماء للوطن فلسطين لا إلى الدولة الصهيونية الحاكمة.
س9: هل لديك رؤية عن الأدب الجزائري؟
– الأدب الجزائري غني ويحمل عمقا فكريا شفافا وراقيا، يحيا مع نبض الشعوب،
وقد مكنتني الشبكة الرقمية ( الانترنت ) بفضل الله من مصادقة عدد كبير من الأدباء الجزائريين الذين اعتز بمعرفتهم منهم الأخت الأديبة زكية علال و الشاعرة الشفافة نوارة لحرش والقاص المتميز بوفاتح سبقاق، والأستاذ الناقد جمال غلاب وغيرهم الكثيرين
ولو قمت ببحث عبر مجلة أدبيات ستجد الأدب الجزائري يمتشق هامة الحرف فيها وهذا من دواعي سروري واعتزازي بان يكون أدباء شعب المليون شهيد هم أعمدة هامة في سماء أدبيات.
س10: بماذا تبوحين في آخر اللقاء؟
– هي كلمة وقصيدة
– الكلمة للشعب الجزائري الجميل الذي أحببته عن بعد، وعشقت فيه أصالته ووطنيته وكتاباته ووجه جميلة بوحريد وشهداءه والذي نفسي بيده لولا الجذور الفلسطينية لتمنيت أن أكون جزائرية
القصيدة لشعبي المعذب
معصم الريح
دافق هو حزنييجيش بي..يخرجني من أنثايّ...إلى حيث أنينيقتله معصم الريح ويمضي...بالأمس.... كان يواري عجزه بعكازاليوم... صار يخطو فوق الأشلاء بعكازينمن لمعصمك أيتها الريح ؟من لمعصم..... يحمل سمّ اللهيب في جذوة تمزق ما تبقى من دمياشتاق لشمس تنزع معطفها الأسودفيستريح الصباح الممزق على خدّها المشتاقوأستريح***في بعضي نبض...يفتش عن سنديانة تظلني من قيظ ألميبعثر الصفوف، ويفتش في الأروقةفلا يجد سوى شتاء ساخن يعشق صراخي في عتمة الليليا معصم الريح النابت من لحمنامنذ تعودت مضغ قلوبناوأنت تعشق دماء الأبرياءلتصنع من أوردتهمقنطرة لمجدك الهزيل***غرقت صباحاتي في دجى الليلفنمتُ على أرصفة الانتظارتقذف بيّ الريحبين مقاعد ترتل الصلوات في بحر الدجلوأخرى تبث السموم في خرزات مسبحة عتيقة***أنا وأنت سنمضينسيجا يخيط جسور النماءيختزل الحزن في غيمة، تغسل المرجوجرح الطفولةوبؤس الفقراءأنا وأنت سنبقى رغم الرفات وكل الدماروهجا يسطع في فضاءات العتمةبرقا يكسر معصم الريحلتحيى الأرض ونحيىوأحيا