السبت ٢٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٧
حوار مع الكاتب والشاعر إبراهيم سعد الدين
بقلم عمار بولحبال

الإبداع الحقيقي هو الذي يخلّد ذكرى صاحبه

الأستاذ إبراهيم سعد الدين يجمع بين نواصي الشعر والقصة والترجمة ويتمتع بثقافة عالية ورؤيا فكرية واسعة، فهو يكتب الشعر بامتياز ويبدع في القصة بشكل فني يجعلك تسبح في ملكوت الأحداث دون أن تدري إلى أين وصلت وكيف أبحرت، وقد ساعدته مهنته كمترجم من الإطلاع على أدب الآخرين فأكسبته علما آخر وتجربة غنية .. ومن أعماله المنشورة: العشق في زمن المرايا وهي مجموعة شعرية، وفحل التوت ومطر صيفي، وهما مجموعتان قصصيتان، وله أيضا رواية تحت الطبع .. وقد كان لنا معه هذه الحوار الحميمي الذي جعلنا نلج إلى قلبه الجميل وحرفه الراقي

س1: تكتب الشعر والقصة والرواية، البعض يرى أن الجمع بين هذه الأنواع الأدبية دليل على ثراء الملكة الإبداعية عند الكاتب، لكن البعض الآخر يراها محاولة للبحث عن الذات .. فكيف ينظر الأستاذ الكريم إلى هذا التنوع في الأجناس الأدبية؟

ــ في مستهلّ حياة المُبدع يكون تعدد أشكال الكتابة وتنوع الأجناس الأدبية التي يطرق أبوابها نوعاً من مغامرة التجريب والبحث عن الذات، لكن في مرحلة النضج التي تكتمل فيها موهبته وتُصقلُ ملكاته وتتشكّلُ خلفيته الأدبية والثقافية وترسخُ قدمه في ميدان الكتابة بشكلٍ موثوق به يكون الجمع بين مختلف الأنواع والأجناس الأدبية دليلاً على ثراء الموهبة وخصبها. وإن كان العكس ليس صحيحاً. بمعنى أن عدم تعدّد الأجناس الأدبية عند الكاتب ليس دلالةً على فقر موهبته أو محدوديّتها وليسَ شاهداً على ذلك. وثمّة شيء آخر أودّ الإشارة إليه في هذا السّياق، هو أنّه رغم اتساعِ نطاق الإبداع الأدبي لدى بعض كبار الكتاب إلاَّ أننا نلحظُ تميّزهم ونبوغهم في شكلٍ بذاته من أشكال الكتابة أكثر من غيره. ونظرة عابرة إلى أسماء كبار الكتاب والأدباء في العالم من حولنا وفي وطننا العربي تؤكد هذه الرؤية. فالقاص والروائي الإنجليزي الشهير د. هـ. لورانس ـ على سبيل المثال ـ كتب الشعر والقصة القصيرة والرواية والمقال الأدبي، لكنه تميّز بشكلٍ خاص في الرّواية وإن كان عددٌ لا يُستهان به من قصصه القصيرة لم يأخذ حقّه من التقدير خاصة مجموعته القصصية (الضابط البروسي). وأديبنا الكبير الراحل نجيب محفوظ كتب الرواية والقصة القصيرة والمقال. لكن الرواية تظل ميدان تفوقه وإبداعه. ويوسف إدريس كتب القصة القصيرة وبلغَ بها مستوىً رفيعاً ويُعَدُّ من أبرز رُوّادها العرب لكنه كتب أيضاً الرواية والمسرحية. وتوفيق الحكيم كتب الرواية والقصة والمسرحية وابتدعَ شكلاً وسطاً بين الرواية والمسرحية أسماه "المسرواية"، لكنّ رواياته ما تزالُ هي فرائد عقده. أعتقد أن طبيعة التجربة ذاتها هي التي تفرض الشكل الأدبي الملائم وموهبة الكاتب وثقافته هما حجرا الزاوية في صياغة التجربة شعراً أو قصّاً أو رواية أو مسْرحية.

س2: مرّ ـ منذ مدة قليلة ـ رحيل الشاعرة العراقية نازك الملائكة في صمت، لِمَ تكون نهاية أدبائنا دون اهتمام؟!
 نعم.. رحيل الشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة كان فاجعاً وإدانةً دامغة لعصرٍ يتصدّرُ واجهةَ المشهد فيه الزّيف بينما تتوارى الأصالة إلى الظّلّ. لكن ليسَ كُلّ الأدباء تكون نهايتهم دون اهتمام. فهناك أدباء كثيرون قامت الدنيا ولم تقعد لرحيلهم مع أنهم لم يخلفوا وراءهم أي فراغٍ بغيابهم، لأنّ أصواتهم كانت أعلى بكثير من أفكارهم، وصخبهم وضجيجهم كان أقوى من قيمة ما خلّفوه من آثار أدبية. لكنّ قربهم من السّلطةِ ومراكز النفوذ أسهم كثيراً في تضخيم صورتهم أحياء وأمواتاً في وسائل الإعلام. إنها محنة حقيقية ـ في العالم الثالث عموماً وفي عالمنا العربي على وجه الخصوص ـ يعيشها المبدع الذي يحترم ذاته ويقبض على جمر كلماته ويصون إبداعه من هوى السلطة وينأى بنفسه عن مواطن الشبهات، فيكون مصيره التجاهل حَيّاً ومَصْمَصَة الشّفاه ميّتاً. لكن صَدِّقْني لا يصِحُّ إلاّ الصحيح في النهاية. والتاريخُ لا يرحمُ إلاّ من يستحقون الرحمة، ولا يُبقي على ذكرى من يستحق النسيان. والإبداع الحقيقي هو الذي يُخلّدُ ذكرى صاحبه، أمّا الزَّبَدُ فيذهبُ جفاءً. وشاعرنا محمد عفيفي مطر يوجز هذه الحقيقة في مطلع قصيدته التي يرثي بها ناقداً كبيراً عاش ومات في الظلّ هو أنور المعداوي، بينما هاجت الدنيا ومَاجَتْ ـ وَقْتَها ـ لمصرع لاعب كرة:
المَوْتُ ليسَ واحداً
فليس من يموتُ في اللّيلِ
كمن يموتُ في النّهارْ.

س3: يتواصل الأدباء الآن عبر الإنترنت .. ألا ترى أن هذه الشبكة العنكبوتية أصبحت بديلا للملتقيات والحلقات الأدبية التي تصنع الحميمية .

 نعم.. هذا صحيح إلى حَدٍّ كبير. لكن الشبكة العنكبوتيّة أيضاً أحدثت ثورةً في التواصلِ بين المُبدعين بعضهم البعض، وبينهم وبين غير المُبدعين أو جمهور القراء العاديين، وأسهمت في إتاحة فرصةٍ واسعة لنشر النتاج الأدبي والفني ووصوله إلى ملايين القراءِ والمشاهدين، بعد أن كان النشر الورقي هو الوسيلة الوحيدة للاتصال بين الكاتب وجمهور القراء الذي هو محدود بالضرورة لمحدودية عدد النسخ المطبوعة من أي أثر أدبي. هذا فضلاً عن أن النشر الإلكتروني أقلّ تكلفة بكثير من النشر الورقي سواء للمبدع أو المتلقّي. صحيح أن فوضى النشر الإلكتروني خلطت الحابل بالنّابل وسمحت بنشر ما لا يستحق النشر، لكن يبقى للشبكة العنكبوتية فضلٌ لا ينكر في هذا المجال. أمّا الأدباء أنفسهم فهم مُطالبون بتجاوز هذا القصور في حميميّة العلاقة بينهم وبين بعضهم البعض، وبينهم وبين الجمهور المُتلقي، والذي يتيحه اللقاء المباشر والتفاعل الحيّ من خلال الندوات والحلقات الأدبية وغيرها من أشكال الاتصال الضروري بين المبدعين وبينهم وبين جمهورهم.

س4: النقد متأخر في العالم العربي .. ما تأثير هذا التأخر على الحركة الثقافية والإبداعية؟

ــ تَخَلُّف حركة النقد في عالمنا العربيِّ وعجزها عن مواكبة مسيرة الإبداع حقيقة واقعة. وقد حدث ذلك بعد رحيل كبار النّقاد وانغماس البعض في وظائف أكاديمية ثقافية وعزوفهم عن مجال النقد الأدبي. الأمر الذي ترتب عليه خلوّ السّاحة ووجود فراغٍ سمحَ لغير الموهوبين وغير المؤهّلين بممارسة النقد من خلال مقالات صحفية عابرة تفتقرُ للعمق والأصالة والمنهجية، ويغلبُ عليها طابع المجاملة أحياناً أو قصور الرؤية وعدم الفهم أحياناً أو الدعاية والترويج كإعلاناتٍ مدفوعة الأجر في كثيرٍ من الأحيان. وقد انعكست آثار هذه الظاهرة على المشهد الثقافي العربي الذي أصابه التشوّه بحيث تبدو بعض الأعمال الأدبية التي لا ترقى إلى مستوى النقد أكبر من حجمها الحقيقي وتبدو بعض الأعمال الإبداعية الراقية والأصيلة أصغر من حجمها بكثير. هذا فضلاً عن انسياقِ بعض نقادنا وراء تيارات الحداثة وما بعض الحداثة في النقد الأدبي دون وعيٍ أو تمحيص أو تأصيل لهذه التيارات والاستفادة من منجزاتها بشكلٍ جوهريّ في تحديث النقد المنهجي في ثقافتنا العربية، فتحولت الأعمال الأدبية ـ على أيدي هؤلاء ـ إلى حقول تجاربٍ ومِزقٍ لا صلة لها بالإبداع الفني، وتحوّل النَّقد إلى ألغازٍ ومُبهماتٍ ومعادلات ورموز رياضية لا تُضيءُ بصائر القرّاء ولا تشحذ وعيهم بالتجربة الإبداعية ولا تُعمّق إحساسهم بها ولا تبرزُ الجانب الجمالي والإنساني في هذه التجربة بل تزيدها غموضاً وإبهاماً. وهو ما عبّرَ عنه ناقدنا الكبير الراحل د.عبد العزيز حمودة في كتابيه المُهِمَّيْن (المرايا المُحَدّبة) و (المرايا المُقَعّرة). وقد كانت مُحصّلة هذا كله ما نشهده من جدبٍ في النقد والإبداع الأدبي على حَدّ سواء. فالنقد الموضوعيّ القائم على أسسٍ علميّة ومنهجية وموهبةٍ وحسٍّ عالٍ في التذوق والفهم والتقويم ـ يُسهمُ إسهاماً مباشراً وعميقاً في ازدهار الحركة الأدبية وتنشيط براعمها وقممها النّامية وتصويب مسيرتها وإضاءة الطريق أمام طلائعها وفَرْز الغَثِّ من السّمين وِتوعية جمهور القراء برسالة الأدب والفن وتربية الذوق السليم للارتقاء بمستوى الإنتاج الأدبي والقراءة معاً.

س5: هل تمارس الترجمة كعمل أم انك ساهمت في ترجمة بعض الأعمال
الأدبية من وإلى العربية..؟

ــ أمارس الترجمة كمهنة وساهمت أيضاً في ترجمة بعض الأعمال الأدبية من الإنجليزية إلى العربية. من أبرز الأعمال التي قمت بترجمتها مجموعة قصص قصيرة لـ د. ه. لورانس، ورواية ديميان لهيرمان هيسّه.

س6 : وأنا أقرأ بعض أعمالك الأدبية لاحظت أن الكتابة عندك تأريخ لمحطات موجعة عَبَرَتْ العمر ... فما تعليقك على ملاحظتي المتواضعة؟

ــ أوّلاً ملاحظتك ليست متواضعة بل هي نافذةٌ إلى الصميم. بالفعل كل ما كتبته حتى الآن هو محاولة للتّحَرّرِ من تاريخٍ حافل بالذكريات الموجعة منذ الطفولة الباكرة. فأنا ابن القرية المصرية، بلدتي بسيون وسط بين القرية والمدينة بل هي ـ في الحقيقة ـ نصفان أو عالمان كُلٌّ منهما قائمٌ بذاته يفصل بينهما نهرٌ صغير وشريط قطار توارى مع الزمن. وقد كانت نشأتي في القسم الريفيّ من البلدة، بكل خشونته وجفائه وأساطيره وخرافاته وقيمه وموروثاته الشعبية وأحداثه المخيفة. وقد كنتُ صبياً وفتى مشاغباً ومتمرّداً أو "شَقِيّاً" على حدّ تعبير العامة عندنا، حتى أنهم كانوا يُسمّونني في طفولتي بـ "القطّ البَرّي" وهي تسمية عبقرية لأنني كنتُ بالفعلِ ـ وما أزالُ ـ كائناً بَرِّيّاً مُستعصياً على الاستئناسِ والترويض. لقد تربّى وجداني على طقوسِ وشعائرِ وعادات وتقاليد المجتمع الريفيّ في الخمسينيات من القرن الماضي. وتفتّح وعيي على حواديت الغول التي كانت أشبه بأفلام الرعب هذه الأيام، بل هي أشدّ وقعاً وأرسخُ في الذاكرة والمُخيلة لأنها كانت مسموعة وليست صورة مرئية، وكان عنصر التشويق فيها يغرينا بسماعها واحتمال جرعة الخوف التي تحرق جوفنا وتهزُّ أبداننا. وشاهدت أحداث قتلٍ من أجل الشرف أو الثأر أو الانتقام ورأيتُ كيف تُزهقُ روحٌ بريئة على يدِ بشرٍ مثلي ومثلك. وشهدت أحداث غرقٍ لاثنين من رفاق الصّبا في النهر. وعاصرتُ في مطلعِ الصبا رحيل ثلاثة من أحبّ الناس وأقربهم إليّ هم خالتي التي كانت هي أيضاً في ريعان صباها وجدتي لأمّي ثمّ حبيبة الصبا الباكر نوال. هاجس الموت ـ ذاك القَنَّاصُ المُتربّصُ بنا دائماً ليقطفَ حَبّات قلوبنا وينتزعَ من أحضاننا أعزّ أحبابنا ـ كان وما يزال منذ الصّبا الباكر شبحاً مُقيماً بالذاكرة ولُغزاً مُستعصياً على الفهم والاستيعابْ. وقد ترسّبت كل هذه الأحداث والذكريات ومشاهد الخوف والقتل وموت الفجاءة ـ في الوجدان والذاكرة والمخيلة فما أن وجدت مُتنفساً لتخرج إلى حيّز الوجود ـ من خلال الكتابة الأدبية ـ حتى انطلقت قويّةً معبرةً عن نفسها خاصة في المجموعة القصصية الأولى (فَحْل التٌّوتْ) والرواية الوحيدة التي كتبتها والتي ما تزال قيد الطبع (ماء الحياة). نكسة الخامس من يونيو أيضاً كانت زلزالاً هزَّ أركاننا وثوابتنا وأصاب نفوسنا بالتصدّع ورَسّبَ في نفوسنا مرارة الخيبة وانكسار الحُلمِ وزعزعة اليقين. تجربة السفر إلى العراق أيضاً هي المحطّة الأهمّ في نكأ الجراح وتفجير كل طاقات الوجع الحبيسة. طالت إقامتي بالعراق لأكثر من عشرِ سنواتٍ قرأتُ فيها كل ما اشتهيتُ قراءته من ذخائر الأدب العربي وكنوزه الثمينة، واطّلعتُ على عيون الأدب العالمي في لغته الأصلية أو ترجماته الراقية. وقرأت أحدث الإصدارات المرموقة في الرواية والقصة القصيرة والشعر لمُبدعين في الوطن العربي وبعض بلدان العالم. والتقيت بكثيرٍ من رموز الثقافة العربية من خلال المؤتمرات والمحافل والملتقيات الأدبية. وفي العراق كتبتُ ونشرتُ القسط الأعظم من القصص القصيرة وفصْليْن من رواية (ماء الحياة). وفي العراق امتزجت بالناس من مختلفِ الأعراقِ والأجناس ومررتُ بتجاربَ إنسانيّة عميقة هي التي أطلقت شرارة الخلق والإبداع وحرّرتْ ما وقرَ في الذاكرة والوجدان من رؤى وأحداث ومشاهد وذكرياتٍ قديمة.
كثرة أسفاري إلى مختلف بلدان العالم كان رافداً مهمّاً من روافد تجربتي الأدبية أيضاً، خاصة منطقة جنوب شرقي آسيا التي عشتُ فيها قسطاً من الزمن، وعاينتُ عن قرب أنماط حياةٍ وحضارة أخرى من الحضارات الإنسانية المؤثرة.

بقيت ملاحظةٌ هامشيّةٌ واحدة هي أنه رغم أن الألمَ هو البوتقة التي تنصهرُ فيها تجاربنا أحياناً فليس بالضرورة أن تأتي كتاباتنا مطبوعةً بطابعِ الحُزن والوجع والمرارة، بالعكس.. معظمُ ما كتبت من قصص لا تغلبُ عليه هذه السّمة بل ينبضُ بالأمل والثقة في جدوى الحياة وروعتها وإن كان يتشحُ أحياناً بمسحةِ حُزن.

س7: بعد نجيب محفوظ توقفت آلة العرب على حصد جائزة نوبل .. ألا نملك أدباء في مستوى الجائزة...؟!
ــ الوطن العربي من محيطه إلى خليجه من أغنى مناطق العالم بالمواهب الأدبية اللامعة والتي يستحقّ أصحابها جائزة نوبل عن جدارة. عبد الرحمن منيف ـ على سبيل المثال ـ كان جديراً بهذه الجائزة ومُستحقّاً لها. كذلك حنّا مينا و زكريا تامر وأمين المعلوف والطّيّب صالح ومحمود درويش ومحمد عفيفي مطر ومحمود أمين العالم وعلي أحمد سعيد (أدونيس).. وغيرهم كثيرون، أينما يَمّمت وجهك شطْر قطرٍ من الأقطار العربية سوف تجد من هو جديرٌ بنوبل وأكثر جدارة من بعض الفائزين بهذه الجائزة في مختلف بلدان العالم. لكنْ هناك تقصيرٌ في إبرازِ المكانة الأدبية لمبدعينا الكبار من خلال ترجمة أعمالهم ونشرها على مستوى العالم من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هذه الجائزة تكون أحياناً غير مُبَرَّأة من تأثير الأهواء السياسية.

س8: كيف تقيم الحركة الأدبية في مصر خلال العشرية الأخيرة؟!
 لا أعتقدُ أن الحركة الأدبية في مصر في أفضل حالاتها أو على الأقل بالمستوى الذي يليقُ بمكانة مصر عربياً وحضاريّاً هناك أعمال أدبية مُبهرة حقّاً لكنها مبادرات فردية ولا تأتي في سياقِ نهضةٍ ثقافية أو أدبية شاملة. لكن الظاهرة الملفتة للنظرِ حقّاً في مصر ومختلف أقطار الوطن العربي هو بزوغ مواهب أصيلة ولامعة لمبدعاتٍ عربيات استطعن بجسارةٍ وجدارةٍ واستحقاق أن يطرحن تجاربهنّ الأدبية في عُمقٍ وصِدقٍ ومستوى فنّيّ وأدبيّ بالغ الرُّقيّ والجمال. وهو إبداع مشغولٌ بهَمّ الوطن وتاريخه وقضاياه وتفاصيل الحياة اليومية المعاشة فيه. إنه أدبٌ حقيقيّ نابعٌ من أرضِ الواقع مهما أسرفَ في التجريب أحياناً. عندنا في مصر ـ على سبيل المثال ـ القاصة والروائية نجلاء مُحْرِم وقد صدرَ لها عدة مجموعات قصصية، وصدرَ لها قبل عامين رواية (الغزو عشقاً) وهي ـ في تقديري ـ أفضل عمل روائي ظهر في مصر خلال العشريّة الأخيرة.

س9: هل تتابع الحركة الأدبية الجزائرية؟ وما تعليقك عليها .
 بطبيعة الحال أتابع ما يصلني من إبداعاتٍ مرموقة في الجزائر والمغرب العربي على وجه العموم. وأعتقد أن الجزائر ـ عاصمة الثقافة العربية لهذا العام ـ هي عاصمةٌ للإبداعِ الأدبي في أروعِ تجلياته خاصّة في ميدان الرواية والقصة القصيرة. هناك جيل الرواد الأوائل الذين قدّموا للأدب العربي درراً ثمينة من قطوف الإبداعِ كان لي شرف الاطلاع عليها في مطلع الشباب. وهناك جيل من الشباب يكتب بحساسية ورؤى جديدة ويرتادُ آفاقاً غير مسبوقة على صعيدي المضمون والشكل الفني وطريقة القصّ واللغة التعبيرية. ليس فقط في الجزائر بل في عموم المغرب العربي. لقد قرأت تجارب قصصية معاصرة في الجزائر وهي مبهرة وأصيلة حقّاً واستوقفني بشكلٍ خاص تجربة كُلٍّ من ياسمينة صالح وزكيّة عَلاّلْ.

كلمة أخيرة نفترق عليها لنلتقي عند محطة حب آخر .

ــ أشعر بامتنانٍ حقيقيّ وعميق لهذا اللّقاء الطّيّب الذي تميّز بخصبِ وثراءِ وعمقِ ما طُرح به من أسئلة ونفاذها إلى صميمِ القضايا الأدبية الرّاهنة ونفاذها أيضاً إلى جوهرِ التجربة الشخصية والإنسانية بحُلوها ومُرّها وفرحها ووجعها. وهي أسئلة تفتحُ آفاقاً واسعة للحوار لكنني حاولت الإيجاز قَدْرَ الإمكان. ونلتقي دائماً على الخير والمودّةِ والتواصل المبدع الخلاّق.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى