الأحد ١٧ آب (أغسطس) ٢٠٠٨
بَريد الغياب
بقلم
إلى روح والدتي في غيابها الأخير
هكذا وَبِلا موعدٍ مُسبَقٍيَدخُلُ الموتُ شرفتَيْ مقلتيكِ السّماويّتينِيَرُدُّ السّتائِرَ حتّى البياضِ الأخير ِليُعلِنَ نومَكِنومَ ملاكٍ جميلٍ على شُرُفاتِ فراديسَتُشْبِهُ عينيكِ في الأبديَّةِأو رُبّما كيْ يَنامَ قليلاًهُوَ السّاهِرُ الأبَدِيُّ على نومِنا الدُّنيَويِّيُغافلُ فينا الحياةَ ليخطِفَ منّا الورودَ التي نشتهيهاويسرقَ منا مواعيدَ لمْ تتفتَّحْ براعمُها بعدُبينَ أناملِ حلْمٍ بعيدٍ بعيدٍ كما المستحيلفَهَلْ يَخجَلُ الموتُ مِنْ نفسِهِ بَعدَ عَيْنيْكِيا مَوتُ.. كَيْفَ تَجَرّأتَ أنْ تحجب النورَعَنْ شُرفَتيْنِ تُطِلانِ كُلَّ صباحٍ على اللهِمِلءَ مرايا النّدى...!؟مَنْ سَيَفتَح بَعدَ يَدَيها الشّبابيكَ حتّى نُطِلَّعلى زُرقَةٍ تستَبيحُ وشاحَ المَدىوتؤثِّثُ للرّوحِ أرجوحةً تتهادى على نخلةِ الضوءِفي كرنفالِ الصّباحِ البَهيِّومَنْ بَعدَ عينيْكِ يُطعِمُ سِرْبَ العَصافيرِقَمحاً ولوزاً وبعضَ حكاياتنامَنْ َيَدُلُّ الفراشاتِ عنْ نبعَةِ الماءِمَنْ سَوفَ يهدي الكواكبَ لؤلؤَ عينيكِحتّى تضيءَ المصابيحُ كُلَّ مساءٍ سماءَ الجليلِ الجَميلِومَنْ سوفَ يَرمي نقابَ البياضِ الخفيفلِوجهِ البحيرَةِحتّى تعودَ النّوارِسُ منْ رحلةِ التيهِما بينَ ماءٍ وماءْ...مَنْ سَيَشربُ قهوةَ عينيك كُلَّ صباحٍومَنْ بعدَ عينيكِ يَسكُبُ شايَ المَساءْ..؟!ها هوَ المَوتُ يخطبُ ودَّكِ مثلَ العروسِولا مَهْرَ يلزَمُهُ كيْ يؤثّثَ بيتاً لروحِكِ في الأبديّةِكُلُّ الورودِ البهيّةِ قد سبَقتْكِ إليكِ هناكَاحتفاءً بهذا الزّفافِ الأخير الأثيروكلُّ الفراشات غادَرتِ الأرضَ بعدَكِخلفَ حريرِ الجنازةِماذا ترَكتِ لنا في بريدِ الغيابِ الأخيرِ هُناغير آهِ المواويلِ في بحّةِ النايِكيفَ سنمضي البقيّةَ من عُمرنا ها هُنادونَ وردٍ وودٍ ودونَ فَراشٍ شَقِيٍّيُحوّمُ في هدِأة الليلِ حول قناديلناكيْفَ نغفو ترى وحدنا هاهُناوَلِمَنْ سنسلمُ في آخرِ الليلِ مفتاحَ أحلامِنا الليلكيِّعلى عتباتِ النعاسِ الشّهيِّونمضي إلى نومنا فوقَ ريشِ الغَمامْمَنْ تغنّي بقُربِ سريري لِطيْرِ الحَمامْ..؟مَنْ سَتَفتَحُ نافورةَ الضوءِ في حضرةِ الصّبحِبالبَسمَلهْ؟مَنْ سَتَقرأُ لي آيَةَ الكُرُسِيِّ لأغفو على رُكبَتيهاوتبعد عني الشّياطينَ في الليلِ والأسئلَهْ...مَنْ يُكفكفُ دَمعَةَ حُزنٍتئنُّ طويلاًعلى وَجْنَتيْ حَنظلهْ...لستُ أدري إذا كُنتُ أكبرُ بعدَ رحيلِكِأم انَّني عُدتُ طِفلاً صغيراًوعادتْ إليَّ الطُّفولَةُمَرْحَلةً مَرْحَلهْ...؟!كلُّ شيءٍ بعدَ بعدكِ يبكي عليكِويبكي على حالهِ ربّما أو عليَّفماذا تركتِ لنا غير حزنِ المراياالتي افتقدتكِ كثيراًوغير صباحٍ تكسَّرَ حُزناًعلى أدمُعِ السُّنبُلهْ...كَيفَ أعرفُ منْ دونِ عينيكِأنّي وسيمٌ كَوجهِكِ كُلَّ صباحٍوكيفَ أرى صورتي في المرايا الحزينةِ بعدكِكيفَ أُمشِّطُ شعري المُذهّبَ من بعدِ هُدْبكِمنْ سوفَ تضبِطُ لي ربطَةَ العُنُقِالمنتقاةِ على ذوقها المُخمَليِّتحوِّطُني بالتّمائم والتّمتماتِ التي تُبعِدُ العينَ عنّيوتحرسني من مكائد سحر النّساءْكيفَ أدرِكُ بعدَ رحيلكِ أنّيَ حَيٌّكما كُنتُ يوماً غزالاً تربّى على ظلِّ جفنيكِقربَ الينابيعهلْ ما تزالُ الفصولُ على عهدها في التّداولِما بينَ صيفٍ يَحثُّ الخريفَوبينَ شتاءٍ يمُدُّ الربيعَ بماءِ الحياةِِوكيفَ أُفسّرُ والريحُ تسكُنُ فيَّلماذا تموتُ المَواسِمُ بعدكِ عنديوتصبحُ كلُّ الفصولِ لدينا شتاءْ...!كُلُّ شيءٍ تكسَّرَ في لحظةٍ ها هناوتجلّى على عرشِهِ الحُزنُ فوقَ مرايا الدّموعِملاكاً نبيلاًفمنْ سترمي مناديلها الوارفات على وَجنتيَّلتمسَحَ دَمعيومَنْ ترتُقُ القلبَ من جُرحهِ قطبةً قطبَةًوتُدثّرُ بالياسمينِ جناحيَّمنْ ستَضبُّ العصافيرَ كلَّ مساءٍ إلى توتةِ النومِفي ظلِّ أجفانهاها هوَ الحزنُ يملؤنا بالبهاء الجميل النبيلِعلى شُرُفاتِ البكاءِوما الحُزنُ فينا – كما قلتِ لي ذاتَ يومٍ –سوى أدمعِ الكبرياءْ!!كلّ شيءٍ تكسّرَ فيَّفكيفَ سأُدركُ بعدَكِ إنْ كُنتُ حياًكما كُنتُ يوماًأم أنّيَ ظلٌّ لوهمٍ جميلٍيُسمّى مَجازاً بقاءًوما منْ بقاءْ...كلّ شيءٍ تكسّرَ بعدكِ فيَّفمنْ سَيُعيدُ إليَّ التّوازُنَحتّى أعودَ إليكِ.. إليَّلعلّي أصدّقُ بعدَ غيابِكِأنَّ السّماءَستبقى سَماءْ...!!