

الخُفّاش المذبذَب
مملكةُ الحيْوانِ في غرورِ
قد حاربتْ مملكةَ الطّيورِ
بينهما دارتْ رحى المعاركِ
فمِن جريحٍ وصريعٍ هالكِ
واستيقظ الخُفّاشُ في ذهولِ
على صدى الصّياحِ والعويلِ
وفِكرهُ من جُبنهِ حيرانُ
مطلبُهُ النّجاةُ والأمانُ
مخمّناً لدى الطيورِ فوزا
وعيشةً هنيئةً وعِزّا
في نفسهِ قال ليَ الجناحُ
في خَفقهِ العُلوُّ والفلاحُ
فضمّه الوهْمُ لجُند الطيرِ
مُحلّقاً ما بينَها كالصّقرِ
لكنّهُ لمّا رآها تنهزِمْ
عاودهُ الجُبنُ سريعاً وندِمْ
فانحطّ للأرض بجذعٍ لائذا
ومِن لظى الحربِ شريداً عائذا
يُراقبُ الموقفَ من بعيدِ
محاذراً من نظرة الجنودِ
حتّى إذا الحيْوانُ حاز النّصرا
وعاد في حفلٍ يزفّ البُشرى
تظاهرَ الخُفّاشُ بالهُتافِ
لجَمعِهم بالنّثر والقوافي
مُهنّئاً يرقص في سرورِ
مُلوِّحاً بالورْدِ والزّهورِ
قالوا له أنتَ من الأعداءِ
فكيف فينا جئتَ بالوَلاءِ
قال لهم إنّي لكمْ صديقُ
بلْ أنا في أنسابِكمْ عريقُ
قالوا ولكنْ مِن ذوي الجناحِ
فأنتَ في عدوِّنا الصّدّاحِ
قال فهلْ رأيتمُ أسناني؟
فما لها في الطّير من مُدانِ
بلْ هيَ مِن أسنانِكمْ قريبه
وليس في ذلك أيُّ ريبه
وأرضعتني الأمُّ باعتناءِ
كما رَضعتمْ لبَنَ الأثداءِ
وليس لي عند فمي مِنقارُ
كما لدى الطّير ولا أغارُ
لأنّني من نسلِكمْ قريبُ
ولي بهذا يحكمُ اللبيبُ
واقتنع الحيْوانُ في الغاباتِ
بما لدى الخُفّاشِ مِن آياتِ
ودارَ فيهم واعظاً ومُرشِدا
بل صار في أوساطِهمْ مجاهِدا
حتّى أتى يومٌ شديدُ العُسْرِ
فيه الطّيورُ بادرتْ بالكرِّ
تُباغتُ الحيوانَ بالهُجومِ
وفوقَهُ تنهال بالرُّجومِ
وتُنشِب الأظفارَ والمخالبا
وتُطلق المنقارَ والمَضارِبا
تقتصّ منه تلكمُ الذّنوبا
ببالغ القسوةِ كيْ يتوبا
تصايح الحيوانُ للدفاعِ
وكلُّهم قد هبَّ للصراعِ
فانتفض الخُفّاشُ رعباً وهرَبْ
وتحت ذاك الجذع غاب واحتجبْ
ومن بعيدٍ يرقُب الأمورا
وكاد منه القلبُ أنْ يطيرا
حتّى انجلى لحربِهمْ غبارُ
وحقّ للطير بها انتصارُ
فعند ذاك انطلق الخُفّاشُ
وفي جناحَيه بدا انتعاشُ
وانضمّ فوراً لصفوف الطّيرِ
مهنّئاً جنودها بالنّصرِ
قالوا له أنت العدوُّ خنتنا
في زمن الخسران قد تركْتَنا
وكنتَ بالحيوان مستجيرا
قال سقطتُ بينهم أسيرا
وكنتُ فيهم مُبعَداً سجينا
معذَّباً مضطَهَداً مَدينا
لأنّني من معشرِ الطّيورِ
قد عشتُ فيهم عيشةَ المقهورِ
أنتمْ أحبّائي ذوي الجَناحِ
وفي حِماكمْ غايةُ النّجاحِ
وليس ليْ في غيركمْ بديلُ
ومِن جناحَيَّ لكم دليلُ
واقتنع الطّيرُ بهِ فعادا
وفي رضاهم حقّق المُرادا
فطار في ربوعِهم جذلانا
قد كسبَ النّجاةَ والأمانا
فما مضى حينٌ من الزّمانِ
حتّى أتى وفْدٌ من الحيوانِ
لقادة الطّيورِ جاء عارِضا
صُلحاً وفي بُنودِهِ مفاوِضا
وبَعده تبادلوا الوفودا
والسّلمُ صار بينَهم معقودا
والملِكانِ الليثُ والعُقابُ
تصافحا وزالت الصّعابُ
وفي خلال ذلك النّقاشِ
تداولوا في حالة الخُفّاشِ
فافتضح المنافقُ الكذوبُ
وانكشفتْ في شخصهِ العيوبُ
وأيقنوا بأنّه مُخرِّبُ
وخائنٌ منافقٌ وقُلَّبُ
وكان في أفعاله محتالا
لخدعِهم يُزيّن الأقوالا
فاتّفقوا في حكمهم سريعا
بطردهِ عن أرضهم جميعا
وأن يعيشَ مُبعَداً معزولا
وفي الظّلام تائهاً مخذولا
فلم يَعُدْ لطيرِهم صديقا
ولا لحيواناتهِم رفيقا
وهكذا الخُفّاشُ عاد خائبا
إذ كان في وَلائهِ مُذَبذَبا