الثلاثاء ١٧ تموز (يوليو) ٢٠١٢
حوار خاص مع
بقلم نور الدين علوش

الدكتور البارز عبد الحليم احمد عطية

الجزء الأول:

ناقشتم في رسالة الدكتوراه مفهوما الطبيعة والإنسان عند الفيلسوف الألماني فيورباخ ,فما هي الخطوط العريضة لهذه الأطروحة؟

يطرح سؤالك حول فلسفة فويرباخ، السؤال عن الفلسفة بشكل عام وهي محاصرة بأشكال متعددة في أوطاننا، مرفوضة، مهمشة ومبعدة وحضورها قاصر علي الفلسفات التقليدية المثالية المحافظة التي لا تثير تساؤلا ولا تطرح إشكالية أو تدعو للتفكير وإعادة النظر في السائد المتحجر، لذا كان هناك ضرورة بالإهتمام بفلسفات تعيد النظر في الغائب والمسكوت عنه وهما الطبيعة والإنسان ذلكم البعدين المتواريين ضمن الروح والإله. أن أهم أسباب توجهي لدراسة فويرباخ هو التأكيد علي الإنسان ن وقد جاء في مقدمة المجلد الأول من اعماله الكاملة الصادرة بالألمانية في عشر مجلدات التأكيد علي أن المهم ليس إعطاء ما لقيصر لقيصر وما للإنسان للإنسان المهم هو الإنسان وأن يكون هناك ما يعطي الإنسان.
لقد كانت دراستي عن فويرباخ بعد دراستي لفلسفة القيم في الواقعية الجديدة وذلك لتأكيد قيمتا الطبيعة والإنسان و لإظهار ذلك في شكل تاريخي مقارن كان البحث يدور حول الطبيعة و الإنسان خاصة لدي هيجل، الحاضر دائما ً فكان البحث عن الطبيعة عند هيجل وعند فويرباخ بعد تناول العلاقة بينهما والتطورات التي حدثت في فلسفة هيجل بتأثير الهيجيلين الشباب وإنقسام المدرسة الهيجلية حتي يتاح لنا تناول الفلسفة الجديدة، أو فلسفة المستقبل كما كان يحلو لفويرباخ أن يطلق علي فلسفته. لنعرض نزعته الحسية في المعرفة، حتي يتسني لنا الحديث عن محور فلسفة فويرباخ والذي يتحدد في عبارته أن سر الثيولوجي هو الإنثربولوجي، ونتوقف عند الإنسان و أبعاده المختلفة من حس وعاطفة ومحدودية تدفعه للبحث عن جوهر الدين الذي نصل إليه عبر الدراسة السيكولوجية لمشاعر الخوف والحزن و الحب والفرح والإحساس بالتبعية، هذا التحليل الذي يوضح حقيقة فهم فويرباخ للدين ومصدره، في قلب الإنسان وإيمانه وعاطفته. وهو في نفس الوقت مصدر الأخلاق والسياسة لمدي الإنسان.

يتضح أهمية فلسفة فويرباخ أنها فلسفة نفي وسلب ورفض تلك هي السمة الأساسية أنها فلسفة للنقد وإعادة النظر في كل تاريخ الفكر البشري انها عملية قلب للتفكير، قلب لكل الفلسفة خاصة لفلسفة هيجل و هو تعبير ينطبق في الحقيقة علي فويرباخ أكثر مما ينطبق علي ماركس.

لكم اهتمام كبير بمبحث القيم والأخلاق ,اين نحن من انتاجات هابرماس وراولز وكارل اتو ابل؟

إنصبت دراساتي علي الأخلاق وصدرت لي َ عدة مؤلفات في الأخلاق أذكر منها علي سبيل المثال دراسات أخلاقية، الأخلاق في الفكر العربي المعاصر، الفكر الأخلاقي الجديد، قراءات في الأخلاقيات الراهنة، وفي الكتابين الأخيرين أسعي للتعريف بالإتجاهات الأخلاقية الحالية. والحقيقة أن الإهتمام العربي بالدراسات الفلسفية الأخلاقية قليل للغاية، فلا نزال نتحسس الطريق لدرس أخلاقيات البيئة وأخلاقيات عصر المعلومات والأخلاق الطيبة والحيوية، نستثني في ذلك بعض الدراسات المغربية خاصةلدي عبدالرازق الداوي و عمر بوفتاس. نحن لم نعترف بشكل كاف علي الأخلاقيات العلمية و التطبيقية.

وبخصوص الفلسفات النظرية المعاصرة في الأخلاق خاصة أخلاق العدالة والإنصاف لدي رولز أو الأخلاقيات التواصلية والحوار والحجاج لدي كارل أو توابل أو الأخلاق التواصلية لدي هابرماس فهناك بعض الإهتمامات القليلة بها. ويرجع عدم الإهتمام الكافي بها الي أنها تواصل تقليدا ً هاما ً لا يفصل بين الأخلاق والسياسة فالدخول الي الفلسفة السياسية تقليدا غائبا في دراستنا.وأنا أحاول توجيه طلابي لهذا النوع من الدراسات خاصة لدي هابرماس و ابل و ليوتارد و غيرهم و قد استطاعت الباحثة الجزائرية فوزية علوان بيان هذا الجانب في أعمالي فدرست تحت إشراف موسي معيرش النظرية الأخلاقية في كتاباتي وقدم الأستاذ المقتدر عبدالقادر بليمان دراسة متميزة عن السؤال الأخلاقي العربي تحليلا لعملي الأخلاق في الفكر العربي المعاصر، أما عن أغامينيو وتوني نجري و أكسيل هونيث فمعرفتنا نادرة بهم وأن كنت أذكر ان باحثا ً مغربياً يبحث في عمل أكسيل هونيث.

سيدي الكريم هناك العديد من مراكز البحث في العلوم الاجتماعية، لكن هناك ضعف كبير في الفلسفة وخاصة الفلسفة السياسية لمادا؟

تسألني عن قلة مراكز البحث الفلسفية السياسية ويمكن تعميم المسألة عن قلة مراكز البحث، وهذا مانجده حتي في كلية عريقة مثل أداب القاهرة و ان كنا نجد بجامعة القاهرة بعض المراكز البحثية في كلية الإقتصاد والسياسة مثل مركز الدراسات الاسيوية و مركز دراسات الدول النامية أو حوار الحضارات لكن مراكز بحث الفلسفة السياسية فهي غير موجودة بالجامعة المصرية و إن كان هناك في تونس والجزائر بعض مراكز البحث الفلسفي لكنها كما نلاحظ بعيدة عن البحث الفلسفي السياسي.

(2 )

ماذا أضافت لكم مجلة أوراق فلسفية؟

الحقيقة أن السؤال عن أوراق فلسفية سؤال يتعلق بإهتمامي و إنشغالي الدائم بقضية التواصل، التواصل بين تيارات الفكر الفلسفي الراهنة في العالم والفلسفة في عالمنا العربي، التواصل بين أجيال الفلسفة المختلفة، فهناك علي الأقل أجيال ثلاثة تشارك في المجلة نذكر من الجيل الأول أحمد أبوزيد، هشام شرابي، حسن حنفي والسيد ياسين ومن الجيل التالي ناصيف نصار وعلي اومليل وفتحي التريكي وعادل ضاهر وغيرهم ومن جيلنا الحالي، المصباحي، عبدالسلام بنعيد العالي ,فتحي المسكيني,صالح مصباح ,محسن الخوني من تونس, و بوزيد بومدين , و بوعرفة , و بن مزيان بن شرقي من الجزائر،وعفيف عثمان و ادونيس الفكرة من لبنان وهذا مايمثل نوع ثالث من التواصل بين المشارقة والمغاربة. وتلك الإضافةالحقيقية لأوراق فلسفية، فلقد إستطاعت وهي الاصدار العربي الوحيد الذي لا تدعمه أي مؤسسة عربية أو غربية حكومية أو أكاديمية، أن تسهم في عملية التواصل بين الأجيال الجديدة من أساتذة الفلسفة، وكذلك الأجيال الشابة الجديدة وتتيح لجيل جديد واعد من الباحثين المغاربة من تونس و الجزائروهم يكتبون في الغالب بالفرنسية أن يسهموا في الكتابة الفلسفية العربية وتنشر أعمالهم ليقرأها المشاركة في دورية تصدر في القاهرة. وأعتقد ان جزء كبير من حضوري الفلسفي يرجع للدور الذي أقوم به في أوراق فلسفية، فهي تلبي مطلبا ً ملحاً لدي أساتذة الفلسفة في غياب المجلات الفلسفية الجادة في العربية.

ما هي العوائق الذاتية والموضوعية التي تعترض مسيرة مجلتكم الغراء؟

وهنا علي َ أن أشير إلي بعض العوائق التي تعترض مسيرة الأوراق الفلسفية، وهي أولا ً عدم الدعم من أية جهة كانت فهي تصدر بديواننا، وهي تقوم علي جهد عدد قليل من زملائي وتلاميذي كتابة وتصحيحا ً ومراجعة و إخراج فني، كما لا نملك جهازا ً ذا خبرة في شئون التوزيع فنحن نحملها معنا غلي المؤتمرات الفلسفية ونعاني من ذلك في المطارات العربية جميعا ً التي يمكن أن تسمح بدخول أي شئ إلا الكتب و أخيرا ً ليس لدينا إشتراكات تغطي بعض تكاليف المجلة. ونبحث عن حلول لها.

سيدي الكريم كيف تنظر إلى إشكالية العلاقة الثقافية بين المشرق والمغرب؟

ورغم كل هذه العوائق فإن الهدف و الغاية التي تسعي إليها أوراق فلسفية تمثل دافعا ً لنا للإستمرارية، فنحن مع حرصنا علي تقديم الإتجاهات الفلسفية الراهنة في الغرب تقوم في نفس الوقت بالتعريف برواد الفكر الفلسفي العربي المعاصر ونخصص ملفات وافية لكل منهم ونحرص بالتوازي مع هذه الملفات إصدار عدد من الكتب التذكارية عن هؤلاء الفلاسفة العرب. وهذا ماتم بالنسبة لكل من عبدالرحمن بدوي ومحمود أمين العالم وناصيف نصار وهشام شرابي، وعلي أومليل و عبدالوهاب المسيري وفتحي التريكي وحسن حنفي وغيرهم وكما يلاحظ إهتمامنا بالفلاسفة العرب علي إختلاف فلسفاتهم ورؤاهم ومناهجهم وبلدانهم، فالغاية هي تحقيق التواصل بين المشرق والمغرب مع الإعتراف بالتنوع والخصوصية لكل مفكر ولكل قطر عربي.

(3)

سدي الكريم بعد الربيع العربي المبارك ,ما هو دور الفلسفة اليوم؟

السؤال عن دور الفلسفة بعد الربيع العربي، سؤال مركب فالحديث عن الربيع العربي حديث في حاجة إلي تدقيق وتحقيق فنحن بإزاء ثورات عربية تمثل صراعات حادة بين القوي السياسية الداخلية ولا يخفي علينا دور القوي السياسية الخارجية. و أعتقد أن مايحدد هوية هذه الثورات بالإضافة إلي أهدافها المعلنة موقفها من القضية الفلسطينية والصراع الدائر بين القوي السياسية الإقليمية والدولية خاصة العلاقات بالولايات المتحدة الأمريكية، سنجد أن هناك ثورات حقيقية في تونس ومصر وبقيية مايسمي بالربيع العربي أو الخريف الدامي في حاجة إلي تحليل، فما يحدث في سوريا مثلا ً يرتبط بالعلاقات الدولية الإقليمية والموقف من إيران وحزب الله وإسرائيل فنحن بإزاء صراع يؤجج اوراه القوي الغربية المساندة لإسرائيل والمضادة لقوي إقليمية في المنطقة العربية والخليج العربي.

هذا مايتعلق بالطرف الأول من السؤال و دور الفلسفة في الحقيقة هو توضيح حقيقة مايحدث لذا نخصص الحديث عن العلاقة بين الفلسفة والثورة في مصر.

انتهيت من دراسة تدور حول الفلسفة والثورة في مصر الجزء الأول عن الفلسفة وثورة يوليو والثاني حول الفلسفة وثورة 25 يناير 2011. ويلاحظ إتجاهين حول الكتابات الفلسفية وثورة يوليو 1952 الأول مساندا ً لها يؤسس للعدل الإجتماعي والإشتراكية ويحرص علي الربط بينهما وبين القيم الدينية. و إتجاه ناقد يقبل الإشتراطية ويرفض الناصرية كما لدي فؤاد زكريا في عبدالناصر واليسار المصري وأخر يرفض كل من الإشتراكية والناصرية كما عبر عن ذلك بدوي في سيرة حياته.

وبخصوص ثورة يناير 2011 فلم تمهد الفلسفة للثورة ولم يكن لها دور في التبشير بها، وأن كان علي الفلسفة أن تقوم بما لم تقم به من حراسة الثورة والتمكين لها خاصة وأنها لم تستكمل بعد.

بعد نجاح الثورات العربية في إسقاط الأنظمة الاستبدادية, فهل نحن قادرون على بناء دول ديمقراطية تعددية.؟

طرح السؤال عن قدرتنا علي بناء أنظمة سياسية قوية مستقلة عن الغرب إبان سنوات الإستقلال الوطني فظهر إعلان باندونج ودول عدم الإنحياز بين قطبي العالم حينذاك، إلا أن حركات التحرر الوطني لم تحقق أهدافها وربما إنتهت بعضها إلي عكس ما كانت تنادي به من مبادئ وفشلت الأحزاب العربية الكبري، الناصرية والبعثية في تأسيس حياة ديموقراطية حقيقية فلم يبق وفق مقولة هشام شرابي الا خط دفاع أخير لبقاء الشعوب. والأمة العربية الا وهو الفكر والثقافة. وهذا يعني ضمن أشياء متعددة أننا لكي نبني دولا ً مستقلة فلا سبيل إلا تأسيس الدولة المدنية بؤسساتها الديموقراطية وهي الدولة التي تقوم علي حرية الأفراد وحقوق الإنسان والإعتراف بتنوع ثقافاتهم وإختلاف توجهاتهم ولن يتم ذلك إلا بتحجيم الدولة الثيوقراطية والدولة العسكرية.

لكن سدي الكريم هل من الممكن قيام دولة ديمقراطية بدون ثقافة سياسية حداثية ,تؤمن بقيم الاختلاف والتعددية؟

لكن هل من الممكن قيام دولة ديموقراطية بدون ثقافة سياسية حداثية تؤمن يقيم الإختلاف والتعددية. لكي أضرب لك مثلا ً بتجربة الإنتخابات الرئاسية المصرية. فالإنتخابات تنبني علي أهمية صوت الفرد في إختيار من يمثله، ولكن هل تمت لدينا إنتخابات. الحقيقة غاب الصوت الفردي وظهر حشد الجماهير تجاه مرشحين بأعينهم بمعني أن الإنتخابات تمت جماعية بتأثير عوامل متعددة مثل العصبية والإعتقاد الديني و السياسي وعدم وعي قطاعات عريضة من الشعب خاصة النساء الاميات و النتيجة انه لا إنتخابات حقيقية إلا بوعي سياسي بأهمية ودور الفرد في إختيار من يمثله.

وهذا لن يتأتي إلا بثقافة سياسية حداثية تؤمن بالفرد وقيمته وحقه في الإختيار والإعتراف بالتنوع والتعدد والإختلاف. وهو مالم يتحقق بعد إلا في نطاقات محدودة من الأجيال الجديدة من الشباب التي أسهمت في صنع الثورات العربية.

في الأخير سيدي الكريم هل دخلنا في طور حضاري جديد؟

لم افهم سؤالك الأخير هل دخلنا في طور حضاري جديد إلا إذا حاولنا إضافة اخر له شطر وهو " علي ضوء الثورات العربية " أو علي ضوء الوعي السياسي الذي بدأ يظهر. الحقيقة أنه سؤال تفاؤلي أخلاقي اكثر من كونه سؤالا ً وصفيا ً واقعيا ً. فلم تزل الحداثة العربية بعيدة المنال وهي كما يقول هابرماس لم تستكمل بعد.

وذلك لأننا لم نقم بمعركة التنوير. فلم يتحقق التنوير العربي. ومازال الإنسان العربي يختار طواعية أن ينقاد لمن يفكر له ويتخذ له قرارته، سواء رئيس العمل أو رجل الدين أو رجل السياسة، و رجل السياسة أو الحاكم. و الحاكم كما يقول فويرباخ الذي بدأنا به و به ننتهي هو إنسان صالح مثلي و مثلك أو هكذا ينبغي أن يكون والعكس هو الأصح، أي أنت و أنا لسنا في حاجة إلي من يتخذ لنا قراراتنا في الإختيار السياسي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى