الثلاثاء ٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٠
بقلم مريم علي جبة

الشاعرة السورية ديمة الداوودي لـ ديوان العرب

مهما تأنسنت الرواية أو القصة أو أي جنس أدبي لن يتمكن من توصيف ما مرت به سورية

هي ابنة هذه البلاد تحمل همومها، ودمشق تجري في شرايينها وتلتصق بروحها أينما ذهبت، دمشق هي الأولى التي كتبت لها وكتبت عنها ومعها تماماً كانت فلسطين.

هذا ما بدأت به الشاعرة السورية ديمة الداوودي حديثها لـ ديوان العرب وأضافت: نحن جيل تربى على حمل القومية والقضية في تلافيف دماغه وهامته لا في كفيه ولا جيوبه، و ذلك بالرغم من أن تلك البدايات كانت منذ زمن إلا أني أشعر به الآن، فالحرف قراءة وكتابة كان صديق طفولتي وواحتي التي ألجأ إليها باستمرار فبالرغم من دفء العائلة الكبير كنت أجد بين الحروف مملكة عائلية أنتمي إليها وانتميت إليها بعد أن أصدرت مجموعاتي..

وتتابع الداووي: كانت أمي تترك كل شيء بين يديها لتستمع إلي وتوجهني وكانت كثيراً ما تغمز إلي وتنهرني أن لا أدع القلم يصدأ بين أصابعي ودائماً تذكرني كيف تواريت عنهم لساعات ماجعلهم يقلقون ليجدونني أحمل مجلداً أغرتني حروفه قبل رسوماته وكنت حينها في الصفوف الأولى فيومها قضيت قرابة الخمسة ساعات أبحر بين حروفه وقصصه دون تعب أو إرهاق أو حتى الشعور بالعطش فقد كنت أسبح فيه وأفكر كيف امتزجت الحروف وكانت كل تلك الحكايا بداخله ومن يومها أغراني الحرف و بات شقيق الروح فلا تفلت مني صفحة دون قراءتها..

 كَيْفَ نشأت فكرة الكتابة والتأليف والنشر لديك؟

للكتابة مضمار لابد من خوضه منذ بزوغ البراعم الأولى وأعتقد أنها استهوتني حين نشأت على لغة قويمة وسليمة حتى إنهم أخبروني أنني في صغري كنت أتكلم معهم الفصحى حتى على الهاتف وأشد ما أغراني في القراءة والبحث في أسبابها كانت لغة القرآن الكريم ومازالت حتى اليوم كلما ضاق قميص اللغة أو جافتني أمواجها أعود للمصحف الشريف فيستقيم لساني وقد لاحظت عائلتي ومدرساتي في المرحلة الابتدائية ذلك فأصبحت مسؤولة عن حفلات الخطابة وكان ذلك شأن كبير وممتع مغلف بعباءة سلطته إمكانياته الكبيرة وذلك حلم بالطبع لطفلة لم تتجاوز العاشرة بعد..

إنه أمر سحري بل سماوي أن تتحدثي وتقرئي دون هفوات والمئات تستمع لك وما أعظمها من روعة حين يعم الهدوء وحروفك وحدها ترفرف إلى عقولهم والقلوب.

 ما هي أهم المواضيع الَّتي ناقشتها في كتاباتك، وماذا أضاف العمل في مجال الإعلام إلى تجربتك الأدبية؟

لابد أن تختلف مواضيع الكتابة باختلاف نضج التجربة وكمية الطفرة الخام لدى الكاتب.. مثلاً كتبت في صغري كثيراً من الخطابات وكنت المسؤولة في الكثير من حفلات المدرسة عن كلمة الترحيب والارتجال عند استقبال المسؤولين في زيارتهم لمدرستي علماً أني تعلمت ودرست في المدارس "الحكومية"... وبعدها كتبت قصة قصيرة أصبحت مسرحية فيما بعد.. وقد حضرها الوزير وبعض المهتمين في المدرسة ومع تقدم السنوات بدأت أكتب القصة والشعر دون أن أعرف ماهي نوعية هذا الشعر أو هذه القصة فأصبحت أكثر تركيزاً على ما أريد إيصاله ولربما تلك الشرارة التي أشعلت بداخلي حب الحرف والعمل الإعلامي، فهما مترابطان لا يمكن فصلهما إلا أن العمل الإعلامي لا يقوم إلا باللغة والحرف القويمين.. لذا امتزجت كتاباتي بين القصة والشعر وكذلك الرواية من هموم المجتمع وشرائحه فلا حب دون أناس ولا فقر أو جوع أو عطاء إلا إن وجد من يستقبل هذا العطاء. - كتبت عن كل ذلك وما كان يفوتني منه شيء، كنت أرجئه لمكان آخر وهو الحقل الإعلامي حيث يجب التوجه به كي يلقى الرد المنصف.

تكتبين الخاطرة والشعر والنثر و لقصة والقصة القصيرة والرواية.. وَمَا هو المجال الذي يستهويكي أكثر من غيره؟

كل الأجناس محببة إلى قلبي وكثيراً ما بدأت القصة لتنتهي بي إلى رواية والنص النثري ليصبح مسودة لمسلسل بسيناريو ومشاهد فالنص هو من يمسك يدي وقلما أمسكت سراجه ونحت فيه ليصبح كما أردت له ..إلا أنني أجد في الرواية عالماً تستريح فيه روحي بالرغم من احتراق جنباتها مع هطول حروفها لذا تريحني القصة والقصة القصيرة جداً فهي بمثابة شهيق عميق حين تخاتق الكلمات..

 شاركتِ فِيْ المنتديات الثقافية والأدبية، ما أهم هذه المنتديات برأيك وكيف تقيمها؟

بالحديث عن ساحة المنتديات الثقافية والمنابر الأدبية لابد من ذكر المنبر الأهم (فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب) الذي أنصف الأدباء والكتاب كباراً وصغاراً و(أخصه بالشكر والاعتراف بالجميل) فهو قد حافظ على عطاءه ونشاطاته وسويته العالية في احتضان الجميع وحثهم على الكتابة ورعاية مواهبهم وتقويمها وكذلك اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين الذي احتضن الكثير من المبدعين بعد أن انطلقت منه أهم الأسماء في الساحتين الأدبية والسياسية كأعلام الحرف والأدب عدنان كنفاني وعدنان عمامة ورشاد أبو شاور وخالد أبو خالد وكذلك كمال سحيم وأيمن الحسن وقحطان بيرقدار.

 هل كان لهذه المنتديات الدور في صقل تجربتك ككاتبة؟

بالطبع أمنت المنتديات الأدبية الظهور الأصح والفرصة الحقيقية لي وللعديد من الأدباء الشباب ليقرؤوا أدبهم، وتتم مناقشة علمية وأدبية صحيحة وواضحة تقوم تجربتهم وترشدهم للاتجاه الصحيح وبالطبع لا يخلو الأمر من بعض العراقيل التي قد تواجه الأدباء الشباب عند بداياتهم وذلك يعود لاختيار المنبر غير الصحيح سواء عبر النقد غير البناء أو التوجه والتصفيق القائمين على مبدأ المجاملة لا التشجيع والتقويم بل التكسير وإلصاق تهمة صاحب نص غير ناضج بالكاتب.

-هل استطاعت الرواية عبر مسيرتها الأدبية في الوطن العربي أن تجتذب جمهوراً واسعاً يتفوق على جمهور القصة القصيرة؟...

مع تطور الحياة وازدياد مجريات حياتنا صعوبة لم تعد القراءة وحتى المطالعة بشكل عام تأخذ دوراً أساسياً فيها، فحتى المهتمين والأدباء لم تعد القراءة بشكل يومي ومستمر تأخذ حقها بل بات تأمين الأمور المعيشية هو الجاذب الأقوى فكيف إذا كان مابين اليدين رواية تحتاج الوقت والتركيز للإبحار ضمن صفحاتها, إذ بات الأغلبية وحتى الكتاب منا يفضلون النص الأقصر سواء كقصة أو قصة قصيرة جداً و ذلك أيضاً تأثراً بغياب الكتاب الورقي وانتشار الكتاب الإلكتروني الذي بالرغم من سهولة تداوله إلا إنه يفتقر لمتعة لمس وشم رائحة الورق وتأمل صفحاته.

 ما هي فلسفتك في الحياة، وهل استطعت عرض هذه الفلسفة ذلك من خلال رواياتك؟

هي مجموعة رؤى ومفاهيم أكثر منها فلسفة ربما سخرتها في خدمة ما أكتب بما تحمله من سلبيات وإيجابيات وربما بما يتناسب مع ما تتطلبه شرائح المجتمع فهناك خطوط أساسية لا يمكن المساس بها بالنسبة إلي فالكتابة الإيحائية القائمة على مبدأ الإثارة غير الأدبية مرفوضة تماماً جملة وتفصيلاً وتسليع الإنسانية كذلك وبالطبع القضايا الوطنية العظمى على رأس تلك الخطوط الحمراء.

 عانت سورية سنوات من الحرب المجحفة الظالمة الَّتي استهدفتها سياسياً واقتصادياً وثقافياً وأدبياً، وأثّرت على كُلِّ ما فيها حتى أدق التفاصيل فيها كانت تعاني، هل استطاع الأدب أو الرواية حصراً تصوير هذه المعاناة بشكل دقيق، وما هي أهم رواية صورت الواقع السوري تصويراً دقيقاً ، وما هي أهم رواية صورت الواقع السوري تصويراً دقيقاً غير منحازة، وهل استطاعت روايتك الروح الثامنة الإحاطة بأهم أحداث هذه الحرب؟...

مهما تأنسنت الرواية أو القصة أو أي جنس أدبي لن يتمكن من توصيف ما مرت به سورية الحبيبة ولن تتمكن أية حروف من تجسيد معاناتها وجراحاتها التي مازالت تعاني منها حتى يومنا هذا فالحرب التي عانتها وإرهاصاتها ومفرزاتها لا تحتويها صفحات بل هي شروخ في جسد يأبى الانحناء تحت أي ظرف بل يفتح ذراعيه ولو باتتا عاريتين لاحتضان الجميع وهذا أمر تعجز عنه الأجناس الأدبية ربما بإمكاننا كأدباء ملامسة بعضٍ منه فواقعنا السوري ثري بما يثري أفق الكاتب وبالتالي كان الانقسام في الرواية بين إنصاف سوريتنا أو الإجحاف بحقها لكني حاولت ومازلت من خلال ما أكتب أو كتبت حاولت عدم الانحياز ولذلك كانت روايتي الروح الثامنة من أوائل الروايات التي احتوت جزءً من الأزمة وكذلك كانت رواية صليب الطين لإسماعيل مروة من أوائل الروايات التي تناولت الأزمة السورية، وقد كانت غاية تركيزي على الجانب الإنساني وشرائح المجتمع السوري الذي باغتته الحرب ونخرت بعض عظامه كالسوس وتمكن بصلابته وقوميته و روحه العالية من الصمود والحفاظ على كرامته وهاماته العالية.

دائماً ما يشعر الكاتب بالمحبة تجاه أولاده اللذين أنجبهم فكره ربما في قرارة نفسه هناك ما يلامس قلبه أكثر من غيره قد يكون البكر أو المولود آخر العنقود لكني فعلاً أشعر بالأمومة تجاه كل ما أكتب بل أقيم حداداً لبعض الشخصيات التي أكتبها إن ماتت في أوراقي جميع ما أكتب يحمل بعضي و أحمله كله فما نشر بات طفلاً كبيراً يتعلم حمل مسؤولية نفسه وما أشتغل عليه هو طفل يقارب مرحلة المخاض يشوقني أن أتلمسه وأراه .. وبالأخص الرواية التي تشارك الروح والسيناريو سواء للأفلام أو المسلسلات وإن كانت نصوص السيناريو لم تلاق النور بعد..
مجتمعنا السوري يحتضن الكثير من القامات الأدبية في شتى المجالات و بالأخص من جيل الشباب.

-برأيك كيف أثرت الأزمة على مسار الرواية والروائيين في سورية؟

الروائيون السوريون ظلمتهم هذه السنوات وتلك القرارات السياسية الخارجية التي أجحفت بحق السوريين جميعاً من عقوبات وتضييق فبات السوري يصعب عليه التنقل وبالتالي النشر والتوزيع خارج سورية ما يضيق حلقة الانتشار نوعاً ما إلا أن إصرارنا كسوريين على التفوق مستمد من إصرارنا على الحياة وبالتالي يترك الأدب السوري بصمة لا يمكن محوها وجسراً أدبياً متيناً متحداً مع أدب الداخل الفلسطيني المحتل والأدب العربي عموماً وكذلك الأدب الغربي في الدول الأوروبية فكثير من الأدباء حظيت أعمالهم بالنشر والترجمات عديدة اللغات كالشاعرة المبدعة سوزان إبراهيم أما في مجال الرواية فأتمنى أن تكون روايتي الروح الثامنة استطاعت مد جسر مع القراء وبالطبع هناك روايات لزملاء كثر استطاعت رواياتهم أن تلامس المجتمع السوري ككل ذكرتُ بعضاً منهم

-ما هي أهم مشاريعك المستقبلية؟

لدي مجموعة قصصية قيد أنملة من الطبع وقد تريثت كثيراً في طباعتها ومازلت.. ولدي مشروع سيناريو لفيلم قصير بالإضافة لعملي الإعلامي الذي يستثمر الجزء الأكبر من وقتي .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى