الخميس ٢٧ شباط (فبراير) ٢٠٢٠
بقلم رندة زريق صباغ

الشّذرات والألماسات

حين يهدي الكاتب اصداره لروح والدك المتوفى قبل أشهر معدودات، وحين يطلب منك المحتفى به القاء كلمة في حفل الاشهار، لا تدرك تماماً أية مشاعر تستحوذ على روحك ونفسك، لا تميز بين أفكارك المتراكضة على شكل ذكريات ملونة بشذى الثقافة وأريج الشجن. تحاول لملمة أحاسيسك الفخورة بوالد كما والدك مميز وخلوق، طيب ومعطاء، صادق وحقيقي. تسعى لتجميع أفكارك المبعثرة السعيدة والفخورة هي الأخرى بفضل والدك العظيم، فلا بدّ وأن تكون على قدر المسئولية والموقف، على قدر الوقفة والمنصة والإهداء.

تخطط لكلمة أدبية ثقافية تليق بالكتاب والكاتب، تليق بالحدث والحضور المميز من أدباء، شعراء ومثقفين، من أساتذة، مربين ومعلمين لهم باع طويل كل في مجاله، والأهم كلهم أصدقاء المحتفى به وزملاء والدك منذ المرحلة الثانوية في الناصرة اّواخر الخمسينات.

الأستاذ علي قدح زميل والدي منذ ستين عاماً، يكبره بعام واحد، التقيا في المدرسة الثانوية بالناصرة، علي قادم من كفرمندا وفضل قادم من عيلبون، يجمعهما طلب العلم والتميز. في تلك المرحلة حيث لم تتوفر الثانويات في القرى تمكن من هذه الخطوة فقط من وُلد لأسرة أكثر من ميسورة لتمنحه هذا الترف العلمي، أو الأذكياء النوابغ من محبي العلم ، كان أبي فضل من الفئة الثانية كونه ابن شهيد تيتّم في الثامنة من العمر متهجّراً مع أمه الحامل وأخوته الثلاثة وأبناء عيلبون مشياّ إلى لبنان أواخر تشرين الأول بعد مجزرة راح ضحيتها خيرة شباب القرية.

بعد العودة لاقى أبي وأعمامي الأمرّين كما الاّخرون لينجحوا بالتحدّي، التصدّي والاستمرار برؤوس مرفوعة، كان فضل طالب ذكي جداً قرّر اكمال تعليمه الثانوي بالناصرة، رغم كل الظروف. تميز بخفة الظل والطّلة البهيّة اضافة للأخلاق الرفيعة والتفوق كما زميله علي قدح الذي بات أعزّ أصدقائه.

قررت أن أرتجل كلمة صادقة يلقنني إياها قلبي وذكرى والدي الذي أشعره حاضراً أمامي إضافة لفحوى الاصدار المحتفى به، ووزعت مشاركتي على محاور ثلاثة، ا علاقة علي قدح بفضل زريق، وهو الذي خاطبه معتذراً من أحمد شوقي:-

سلامٌ من ربى البطّوفُ طلقُ
ودمعٌ لا يكفكفُ يا زُرَيقُ
وبي ممّا رمتك به الليالي
جراحاتٌ لها في القلب عمقُ

فاقت ردود فعل الحضور كل توقعاتي بمجرد الاشارة لأنني ابنة المرحوم الأستاذ فضل زريق لتتردد دعاءات الرحمة على روحه فتملأ فضاء قاعة سميح القاسم بالمركز الجماهيري في قرية كفر مندا لأستطرد أنا بالحديث عن علاقة لم تذبل مع العقود ولا الالتزامات فيومئ الحاضرون برؤوسهم موافقين.

المحور الثاني وهو مواد كتاب الشّذرات والألماسات الذي يحوي عدداً من القصص والمقالات الموزعة على أبواب خمسة...

اجتماعيات، دينيّة، في الرثاء، في التربية، أيام في الذاكرة.

نوّه الأستاذ علي لأن الكتابة لدية بأهمية الماء والهواء، مضيفاً أنّ ما ينفع الميّت واحدة من ثلاث:- صدقة جارية– ولد صالح يدعو له – علم يُنتفَع به مِن بعده.. ولعلّ في هذا الكتاب ما ينفع القارئ.

لفت نظري أسلوب السهل الممتنع في الكتاب واختيار الكاتب لأسلوب ما قلّ من الكلمات ودل لإيصال رسائله والعبر التي يرمي اليها وهو ما يسمح لطالب الاعدادية مثلاً أن يستمتع ويستفيد من الفحوى كما يسمح للمثقفين والكتاب الاستفادة والمتعة كذلك.

وأما عن قصة اّه يا ولدي فقد تطرقت بعد قراءتها فتأثر الحضور بما تدعو اليه من برِّ الوالدين وخاصة الأم التي تضحّي بأغلى ما لديها لأجل ابنها الجاحد وزوجته السيئة التي تحرّضه وتبعده عنها... ليندم هذا الابن ندماً شديداً بعد فوات الأوان.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى