الممثلة التي تخلصت من شبح جروتوفسكي
سَن سَن، ممثلة من سنغافورة، إلتقيتها في مهرجان القاهرة التجريبي قبل أربعة أعوام، إثر اشتراكها في عرض نمساوي للمخرج العراقي / الكردي / النمساوي (شامال أمين) مؤسس مختبر (لاليش)، لا زال تواضعها عالقا في ذهني، من عرّفتني بها أردفت "خريجة مختبر جروتوفسكي"، وكعادتنا نحن العرب ننبهر بمثل هذه المسميات، رمقتها بنظرة عبرت عما بداخلي تجاه انتمائها المسرحي.
قضيتُ أيام المهرجان رفقة أصدقاءنا من المسرحيين، سَن سَن من بينهم، وودعتها بحوار طويل (مسجّـل) لم أنشره حينها للأسف، نبّـشتُ فيه عن طبيعة التدريبات التي تتم في المختبر وأسئلة عديدة عن أساتذته وتلاميذه.. لم تتوقف كثيرًا عند تجربة مختبر (جروتوفسكي) بقدر توقفها عند تجربتها الآنية مع مختبر (لاليش)، مسهبة في الحديث عن بحث (شامال) الدائم عن وسائل مسرحية أخرى للتواصل، عبر نهجه (الصوتي) الجديد، الذي حظيتُ بالتعرف عليه بفضل تجريبي القاهرة، حيث شارك (لاليش) بعروض أثارت اهتمام مريدي المهرجان في دوراته المختلفة.
التابوهات التي نخلقها، تؤطر تصوراتنا، تحد من قدراتنا، وقد تقتلنا أحيانا عبر نفخ ذواتنا بالإطراء المدجج بأسلحة قادرة على وأد كل ما هو جديد ومختلف عن سابقه... هذا ما أرادت سَن سَن الاشارة إليه متوقفة عند نظرتي تلك.. التي لاحظت تكرارها في عيون كثير من المسرحيين بمجرد علمهم بانتمائها لذاك الصرح العريق، موضحة أن تدريبات مختبر جروتوفسكي – على أهميتها - لم تمنحها حالة من الاكتفاء بقدر ما مهدت لها طريقا جديدا للبدء بصورة مغايرة.
وفاة جروتوفسكي منذ سنوات طويلة تعني أن كل ماهو قديم – مهما عظم شأنه– لابد أن يموت، لذا فقد بات مختبره معملا حقيقيًا يتولاه خليط جميل من المناهج المسرحية، يقودها مسرحيون من كل بقاع العالم.
هذا لا يعني أننا نستطيع بسهولة إلغاء جروتوفسكي، ولا يعني أيضا سهولة أن نصبح مثل (شامال)... جميل أن نتقن الاساس ومن ثم ننقلب عليه، وبشع أن نبدأ من النهاية بلا أساس، كفنان تشكيلي يتنقل بين المدارس الفنية الحديثة وهو عاجز عن خط بورتريه.
بوح أخير: معظم روادنا تتلمذوا على يد مخرجين ذو موهبة كانت مهمة حينها، لكنهم لا ينفكون يتشدقون بهم، دون أن يطوروا بعضـًا من قدراتهم التمثيلية بما يتوافق مع مدارس التمثيل الحديثة، فما عساهم فاعلون لو أنهم تتلمذوا على يد مخرج مهم كجروتوفسكي ؟!