الوشاح الحزين
في ذلك المساء البارد و نحن فوق التل مثل زهرتين يانعتين تتناجيان و يحرسهما القمر، كنا نختبئ تحت لحاف واحد مثل عصفورين صغيرين يرقصان تحت جناح أم حنون، أشواقنا عيون تدمع، وأحلامنا ورود، أنوار تسطع، وفي قلوبنا الوالهة جمر و نار، وفي قلوبنا العاشقة عطر و بحر و أنغام شجية ثار بينها الشجار..
كنا كطفلين صغيرين نلهو بحبال القمر، و نحيك منها منزلا صغيرا على ضفة النهر، منزلا يسعنا ويسع كل هذه الرؤى الجامحة، كل هذا الوله وكل أمانينا الطائشة.. وكنا نخيط من زهر البنفسج حديقة حيث سيلعب الأولاد ومن دماءنا مسبحا.. ونبني موانئ عظيمة حيث سترسو سفن عشقنا المشاكس الثائر، كي تستريح لحظة أو لحظتين ثم تواصل إبحارها تستكشف غوائل النفس وتنير ظلماتها وتستكشف كل مجاهلها و متاهاتها..
واليوم وأنا أقف فوق التل من جديد أزيل ركاما من السنين و الأيام تكدست فوق اللحاف، تحرقني بقية من لوعة لا تريد أن تندثر، وألملم شظايا قلبي التي تناثرت هنا و هناك فوق قبرك مثل أزهار برية، وأنبش في ماض حفظت تفاصيله عن ظهر قلب وأحرق ما بقي من دموعي تحت قدميك و العكاز يرتعش في يدي وأحلام ذلك المساء البارد قد غدت أطلالا دارسة سكن جحورها البوم و الغراب، و تلونت زهور البنفسج في يديك بلون التراب و غرقت الموانئ العظيمة في صمتها مهجورة منذ ذلك اليوم الذي أبحرت فيه سفينتك في طريق مجهول وقد وقفت على الشاطئ وحيدا ألوح بيد مرعوشة.. أودع سفينتك التي كانت تبحر في آخر رحلة لها و تغوص في الضباب..
عجبا مني يا سيدتي.. فبعد مضي كل هذه السنين وانقضاء هذا السيل من الأيام أجدني ذلك الفتى الخجول الذي ما فتئ يلهج باسمك في كل لحظة و في كل حين و يجلس فوق التل و اللحاف يرتعش فوق ظهره و أنت ترقصين أمامه في صمت توقظين قلبه الضعيف من موته..
عجبا من قلبي يا سيدتي.. ولد فوق التل في ذلك المساء البارد وهاهو اليوم غارق في حسرته و وحدته يموت فوق التل بقرب قبرك الرخامي وقد أبى أن يستسلم للموت في غير حضنك.. أبى أن توارى البقية الباقية منه في تراب غير التراب الذي تحت قدميك..
عجبا من قلبي يا سيدتي.. وهو يموت وجدته يصرخ بأعلى صوته مثل مجنون ويقول: أعذريني يا سيدتي .. لأني لم أحبك مثلما ينبغي..